معركة السويداء: اختبار لسيادة الدولة أم بوابة لتدخل خارجي؟

بقلم: أحمد اللبان
تمرّ سوريا اليوم بمنعطف مصيري تُختبر فيه قدرتها على الصمود كدولة مركزية أمام طوفان من المشاريع الطائفية والانفصالية، في ظل تصعيد غير مسبوق في الجنوب، وتحديداً في محافظة السويداء، حيث تتخذ الأزمة أبعاداً تتجاوز الداخل المحلي، تنبثق عنها دعوات لتدخل تخدم مشاريع شخصية أو أجندات خارجية تحت ذرائع إنسانية أو طائفية.
حيث لا يمكن قراءة ما يجري في السويداء بمعزل عن تحركات القوى الخارجية، نحن أمام ثلاثة سيناريوهات رئيسة مرشحة للحدوث:
1. تدخل دولي بذريعة “حماية الأقليات”، وهو خطاب معروف استُخدم سابقاً في تجارب مشابهة، وقد يُوظّف الآن لتبرير وجود خارجي في الجنوب السوري.
2. احتمال تدخُّل إسرائيلي مباشر أو غير مباشر، تحت عنوان “حماية الدروز”، وخاصة إذا طال أمد المعركة، فكما هو معلوم فإن الفوضى الأمنية لا يمكن إنهاؤها إلا بحسم أمني.
3. تدويل الملف عبر مجلس الأمن، تحت شعار “الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين”، وهو السيناريو الأخطر لأنه يُهدد بنسف مفهوم السيادة الوطنيّة من أساسه.
يظهر الهجري كمراهن على مشروع زعامة طائفية على أنقاض الدولة، وذلك بما يمثّله من موقع رمزي ضمن طائفته، لم يعد يتحرك كزعيم ديني محلي، بل كمحور سياسي مستقل يعمل على تغيير قواعد الاشتباك في المنطقة، يراهن الهجري بوضوح على إطالة أمد الأزمة، بهدف استنزاف الدولة وجعلها عاجزة عن فرض قرارها بالإضافة إلى خلق واقع أهلي متوتر، وذلك عبر دفع الدروز نحو الاصطفاف خلفه مقابل عزل الشخصيات الوطنية كأمثال الشيخ البلعوس، ما يُتيح له تقديم نفسه كـ “الناطق الحصري باسم الطائفة الدرزية”.
وكما يبدو أنه يعوّل على خلاف محتمل في أولويات الحلفاء، وتحديداً بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ما قد يدفع الأخيرة للتدخل المباشر لحماية مصالحها عبر البوابة الدرزية.
ومن هنا تُظهر الدولة السورية بموقف لا مكان فيه للحلول المائعة أو التجميلية، إذ إن التراجع أمام تعنت الهجري ليس خياراً واقعياً، وذلك لثلاثة أسباب أساسية:
1. انعدام الثقة التام بالشيخ الهجري، بعد نقضه المتكرر للاتفاقات ورفضه الاعتراف بالحكومة كمصدر للشرعية.
2. تأثير ذلك في ملفات قومية أخرى، أبرزها ملف قسد، الذي قد يُفسّر أي تراجع حكومي في الجنوب بأنه ضعف مركزي ويدفع مجدداً نحو الانفصال.
3. الوصول إلى منتصف الطريق، حيث بات التقدم ضرورة، والتراجع أكثر كارثية، لذلك، إخراج الهجري من المشهد لم يعد خياراً سياسياً بل ضرورة وجودية لحماية وحدة الدولة.
ولأجل مواجهة هذا التحدي البنيوي، لجأت الدولة إلى إعادة تشكيل أدوات القوة السنيّة داخل الجغرافيا السورية، لذلك يبرز التحوّل المفصلي في تفكير الدولة الجديدة، حيث أدركت باكراً أن الطائفية في سورية تتفوق على الدولة حين تكون أدوات الأغلبية الوطنية (السنة) معطلة، لذلك سعت إلى إعادة الاعتبار للحاضنة المدنية السنية، بدءاً من النفير في الساحل، وهو أول تحرك ميداني يعيد للمدن السنية حضورها بعد 60 عاماً من التهميش والتدمير لهذه الحاضنة.
تفعيل دور العشائر السنية كأداة مضادة للطائفية، وهو ما مثّل استعادة لمنظومة اجتماعية مغيّبة قسراً منذ عقود.
خلق توازن جديد، يقوم على حيادية الدولة مقابل تمكين قواها المجتمعية، لتصبح المعادلة: المدنية مقابل الانفصال، والعشيرة مقابل الطائفة.
بهذه المعادلة، لم يعد السنّة مجرد ضحية للمشروع الطائفي، بل طرفٌ يمتلك أدوات الردع والتأثير، إنها لحظة عودة إلى التاريخ، بعد ستة عقود من الإقصاء والتفكيك، وبذلك، يعاد إنتاج التوازن الوطني من الداخل، لا عبر التماهي مع الطوائف، بل بتمكين القوة المجتمعية الأكثر تضرراً من المشروع الطائفي والانفصالي.
وفي الختام فإن ما يجري في السويداء ليس أزمة محلية، بل معركة على مستقبل سوريا كوطن ودولة، والقرار اليوم لم يعد يحتمل التردد، فإما أن تُفرض هيبة الدولة بكامل أدواتها، وإما أن تُفتح البلاد على تدخلات لا يمكن التنبؤ بعواقبها، والرهان في النهاية، على قدرة السوريين في الداخل على تجاوز الانقسام، واستعادة المبادرة الوطنية قبل أن تُصادر مجدداً من الخارج.