مقالات وآراء

ملحق اتفاق لاختبار النيات

بقلم : محمد نادر العمري

كثيرةٌ هي العناوين التي وصف بها ملحق الاتفاق الأخير بين روسيا وتركيا حول إدلب والذي تم التوصل إليه عقب اللقاء الذي جمع رئيس الدولتين بموسكو في الخامس من الشهر الجاري، فالبعض وصفه بأنه «استراحة مقاتل» في دلالة لحجم الاشتباك الذي اقترب من بلوغ ذروته وحاجة الأطراف لكسب بعض الوقت لأهداف متناقضة، في حين وصفه البعض الآخر بأنه تثبيت لنصر سوري جديد في رسم معالم الميدان وفرضه سياسياً على طاولة المباحثات، لكن التوصيف الأقرب للواقعية لهذا الملحق بأنه «اختبار للنيات» وهذا العنوان لا يتناقض مع الوصفين السابقين بل إنه يتناغم معهما إن لم نقل بأنه يحتويهما، ولاسيما أن رئيس النظام التركي لم يذهب لموسكو للتوصل لهذا الملحق «بملء إرادته السياسية» وهو بحاجة لكسب بعض الوقت أكثر من خصومه الذين رغم كل التضحيات التي قدموها هم يتمتعون بحالة نفسية ومعنوية مرتفعة أفرزتها تطورات الميدان والسياسة.
انطلاقاً من ذلك فإن ملحق الاتفاق أو اختبار النيات يتضمن وجهين متناقضين «سلبي وإيجابي» على حدٍ سواء، مما يجعله مؤقتاً وهشاً، فلو أثبت التركي حسن نياته متجاوزاً النماذج السابقة من تنصلاته، فإن العمل العسكري لن يتوقف بل سيبقى مستمراً، وخاصة أن هناك الكثير من المجموعات الإرهابية سترفضه وبعضها وفي مقدمتهم النصرة سارعت لذلك في بياناتها وسلوكاتها العدوانية، لذلك لابد من الإشارة لعدد من النقاط متعلقة بملحق الاتفاق:
أولاً: إيجابيات الاتفاق:
– استطاعت موسكو من خلال الاتفاق سحب فتيل النزاع مؤقتاً وخفضت من مؤشرات الصدام المباشر بين السوري والتركي، وتداعيات ذلك في حال حصوله على تعقيد المشهد وفق المسعى الأميركي.
– إلزام النظام التركي بالاعتراف بوحدة الأراضي السورية وسلامتها وسيادتها، بعد أن أعلن رئيس هذا النظام ومسؤولوه صراحة نيتهم العودة لميثاق مللي 1920 وسلخ الجغرافية الشمالية السورية تحت مسمى «المنطقة الآمنة».
– تضمن الاتفاق القضاء على التنظيمات الإرهابية المصنفة وفق قرارات الأمم المتحدة وأحقية الدولة السورية باستكمال ذلك.
– في حال تطبيق بنود الاتفاق فإن الطريق «إم 4» سيعود للعمل دون عمل عسكري وسيحرر ما يزيد عن ألف كم٢ وهي المساحة التقديرية لطول الطريق «إم 4» والمقدرة بـ80كم وعرض المساحة المتفق عليها 12كم، فضلاً عن محاصرة المجاميع الإرهابية من النصرة والتركستاني والقوقاز جنوب الطريق مما سيضطرها للانسحاب.
– ثبت ملحق الاتفاق الإنجاز السوري بتطبيق معظم بنود سوتشي عسكرياً وخاصة فتح الطريق الدولي بين حلب دمشق وتحرير 2000 كم من الإرهاب.
– ملحق الاتفاق يمثل عودة تركيا لأستانا بعد خيبات الأمل التي تلقاها من أصدقائه الأطلسيين والأميركيين، وعدم تمكنه من عقد اللقاء الرباعي بأنقرة لممارسة الضغط على موسكو بدعم أوروبي من خلال توظيف اللاجئين الأمر الذي أزعج الفرنسيين.
– التوصل لملحق اتفاق هدفه اختبار نيات تركيا للقبول بمسعى روسي إيراني قد يتوج في اجتماع زعماء أستانا القادم بطهران في إعلان العودة لاتفاق أضنة، وقد يكون ذلك بحضور رسمي للقيادة السياسية السورية.
ثانياً: النقاط السلبية:
والتي تشكل بدورها حقلاً من الألغام القابلة للانفجار بأي لحظة ما قد يؤدي لعودة مشهد احتدام الصراع على ما كان عليه قبل وقف إطلاق النار، نتيجة غموض بعض التفاصيل وعدم التطرق لنقاط تشكل جوهر الصراع أو ترحيل مناقشتها على مراحل ضمن لجان فنية وتقنية متخصصة، وأهم هذه النقاط السلبية تكمن في:
– عدم وجود خرائط لتوزع المجموعات المتفق على محاربتها وغياب آليات ووسائل مراقبة تنفيذ التركي لتعهداته، والدوريات المشتركة لا تكفي.
– مصير نقاط المراقبة التي يصر النظام التركي على إبقائها داخل الأراضي السورية واستمرار إدخال الآليات والمدرعات التي لا تحتاجها هذه النقاط ولا تتطلبها طبيعة عملها، رغم وجود بعض التصريحات التي قد تحمل مؤشرات إيجابية، أبرزها ما تطرق إليه رئيس معهد الاستشراق بموسكو فيتالي نعومكين، والمقرب من الكرملين «بأنه خلال الاجتماع المغلق تم الاتفاق على انسحاب تدريجي للقوات التركية من إدلب»، وبالتالي خلو ملحق الاتفاق من ذلك قد يكون لحفظ مياه وجه أردوغان في الداخل ولكن في ذات الوقت قد تكون مراوغة تركية.
– النقطة المتعلقة بمحاربة الإرهاب هي ليست بجديدة، وهي فضفاضة، ويمكن للنظام التركي توظيفها للقضاء على بعض القيادات القاعدية الرافضة للتنسيق والعلاقة معه لكسب ود الروسي، وإعادة تعويم وتوظيف القيادات والعناصر القاعدية المتبقية والموالية له ضمن كيانات قديمة أو جديدة بأسماء مستحدثة.
– المؤكد بأن النظام التركي لجأ لطرق أبواب الكرملين كخيار أخير يشكل طوق نجاة له في ظل تأزم وضعه على الصعيد الداخلي والخارجي، وبالتالي ليس من المتوقع أن يسلم هذا النظام بسهولة لعودة الدولة السورية لإدلب، لذلك قد يلجأ إلى نقل المسلحين لشرق الفرات وتسخين الجبهة هناك لعدة أسباب:
• تحسين وضعه الداخلي عبر إثارة النزعة القومية مجدداً وتحقيق التفاف شعبي حوله بذريعة حماية أمنه القومي.
• تعويض خسائره بإدلب عبر التوسع في المنطقة الشرقية، وتحسين تموضعه السياسي مع موسكو وعدم التسليم الكامل بإدارة حل الأزمة السورية.
• استغلال بدء موسم الانتخابات الأميركية للانتقام من إدارة ترامب عبر ذراعها في المنطقة «قسد» نتيجة عدم تقديم واشنطن الدعم العسكري لأنقرة في مواجهة الجيش السوري وحلفائه.
ثالثاً: الموقف الغربي وخاصة الأميركي:
لا يعكس ترحيب الخارجية الأميركية بالتوصل لوقف إطلاق النار حقيقة موقف واشنطن الضمني، وخاصة أن الترحيب يأتي في إطار وقف الزحف السوري والحفاظ على التنظيمات ليس أكثر، فمن النقاط المهمة التي يمكن ملاحظتها هو احتدام الصراع على مرجعية الحل، فبعد التوصل لملحق الاتفاق سارعت موسكو لعرضه على مجلس الأمن، وهي خطوة روسية للرد على الأميركيين والفرنسيين الذين اتهموا أستانا بالفشل والموت، وهو ما يفسر الرفض الأميركي لإصدار بيان دعم للاتفاق لأن ذلك يعني اعتراف واشنطن والأطلسي من المنبر الأممي بأهمية ودور محور أستانا، وهو ما ينبئ بسلوك أميركي يراوح ما بين الترغيب والترهيب تجاه تركيا خلال المرحلة القادمة، فالترغيب برز في تصريحات كل من المبعوث الأميركي الخاص لسورية جيمس جيفري ووزير خارجيتها مايك بامبيو حيث أكدا أن «أميركا تدعم المصالح التركية في إدلب وأن الاتفاق لا يعني خروج قواتها من هناك وأن واشنطن تبحث تقديم الدعم»، وهي محاولة أميركية في إبقاء بعض الأمل التركي بحلفائها وعدم الانسحاب من إدلب وقد تقدم واشنطن على تقديم دعم جزئي، أما الترهيب فيتضمن العودة لصيغة فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على تركيا، ولي ذراع أنقرة لعدم التوصل لاتفاق مع موسكو يُسرّع من انتقال الجيش السوري باتجاه المنطقة الشرقية قبل انتهاء الانتخابات الأميركية وهذه الجزئية أكدها الرئيس بشار الأسد في لقائه مع قناة روسيا 24.
تركيا اليوم هي في مرحلة اختبار نيات جدية من قبل موسكو وإيران، فلغة الجسد المتشنجة كانت واضحة في بداية لقاء بوتين أردوغان وشكلت رسالة أولى، أما الرسالة الثانية ما مثله الرد الضمني الروسي بوضع تمثال الإمبراطورة كاترينا الثانية وساعة ترمز لنصر روسيا في بلغاريا 1878 على العثمانيين على بعض التصريحات النارية للدائرة الضيقة لأردوغان، ومستشاره مسعود حقي، الذي توعّد روسيا بحرب رهيبة، ناهيك عن التسريب الإعلامي المقصود لانتظار أردوغان، أما الرسالة الثالثة هي سياسة العصا والجزرة التي أظهرها بوتين بكلامه فهو قدم العزاء لتركيا ولكن ذكّر أردوغان بأنه سبب تضحيات الكبيرة للجيش السوري، أما الرسالة الرابعة هي قلب معادلات الميدان بإرادة وتضحيات سورية وبدعم من الحلفاء وما عرض جزء من مشاهد العمليات العسكرية السورية أثناء القمة ما هو إلا رسالة للقيادة التركية بأنه يوجد الكثير من الحقائق والخسائر هي مغيبة عن الرأي العام الداخلي التركي، وأن ما تم استخدامه في الميدان هو جزء من القدرات أرعب الداخل الإسرائيلي وفهمه جيداً قبل التركي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock