من الذي يدفع إلى تقسيم سوريا ومن المستفيد منه؟

بعد التحرير في الثامن من كانون الأول الماضي، وإسقاط نظام بشار الأسد البائد، انتعشت طموحات البعض الانفصالية في الشمال السوري وانضم إليه البعض في جنوب البلاد، وترافق ذلك مع تكثيف إسرائيل من تدخلاتها في الشأن الداخلي السوري واعتداءاتها على الأراضي السورية من خلال عمليات التوغل في محافظتي القنيطرة ودرعا، واستهداف عدد كبير من مواقع الجيش والمنشآت الحيوية بعضها في العاصمة دمشق.
في ظل هذه الحالة يبقى السؤال الأبرز: من الذي يدفع إلى تقسيم سوريا ومن المستفيد منه؟
الإدارة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع أعلنت مراراً أن سوريا غير قابلة للتقسيم ولا للتجزئة، وسعت وما زالت بكل جهودها وما لديها من إمكانات لسوريا واحدة موحدة، وبرز ذلك جلياً في توقيع اتفاق العاشر من آذار الذي ينص على دمج كل المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز، ورفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بث الفتنة بين جميع مكونات المجتمع السوري، لكن ما تسمى “الإدارة الذاتية” التي أنشأتها أحزاب كردية في السنوات الأولى للثورة على نظام الأسد المخلوع، بدأت تماطل في تنفيذ الاتفاق، من خلال إصرارها على بقاء هياكل تلك الإدارة (بمعنى إقامة كانتون مستقل) وانضمام جناحها المسلح “قوات سوريا الديمقراطية- قسد” إلى الجيش العربي السوري ككتلة واحدة وليس كأفراد (أي تشكيل جيش داخل الجيش)، والمطالبة بنظام لا مركزي، وهو ما تم رفضه من قبل الإدارة السورية.
وإن كانت تركيا الجارة الشمالية لسوريا وأبرز الأطراف الدولية الداعمة للإدارة السورية الجديدة، فإنها طالما أكدت أنها مع وحدة سوريا أرضاً وشعباً، فإن القائمين على ما تسمى “الإدارة الذاتية” لم يخفوا خلال تصريحاتهم استعدادهم للتعامل والتعاون مع أي طرف يدعم مشروعهم الانفصالي بما في ذلك إسرائيل، التي أعلنت أكثر من مرة دعمها للأكراد في شمال سوريا، حيث كشفت هيئة البث الإسرائيلية عن اتصالات يجريها مسؤولون إسرائيليون مع “قسد” مع الإشارة إلى وجود دراسة لدعم الأكراد بطرق غير عسكرية.
أيضاً ومع بدء الأحداث في محافظة السويداء دخلت إسرائيل على الخط بحجة حماية الدروز في سوريا، وقصفت الكثير من مواقع الجيش العربي السوري في السويداء ودرعا والقنيطرة، وكذلك منشآت حيوية في دمشق من بينها محيط القصر الرئاسي، وترافق ذلك مع تصريحات لمرجعيات دينية في السويداء تشكر إسرائيل على دعمها للدروز ورفع العلم الإسرائيلي في الساحات العامة، والإقدام على إجراءات تشكل بداية لمشروع انفصالي منها تشكيل مكتب تنفيذي للمحافظة وتعيين قائداً للأمن الداخلي من فلول نظام الأسد البائد وقد تم تغليفها بغطاء “إدارة خدمية”.
وإن كانت إسرائيل تخطط منذ عقود لتقسيم سوريا إلى كانتونات، إلا أن مساعيها لتحقيق ذلك تكثفت وبدأت أكثر وضوحاً بعد سقوط النظام البائد وتسلم الإدارة السورية الجديدة لمقاليد السلطة في البلاد، مستغلة انشغال الحكومة السورية في ترتيب البيت الداخلي.
ضلوع إسرائيل ودعمها لمخططات التقسيم في سوريا دلّت عليها تصريحات مسؤوليها، حيث أفادت صحيفة “يسرائيل هيوم” بأن وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، ترأس اجتماعاً لمجلس الوزراء يوم في 8 كانون الثاني الماضي، تم خلاله التطرق لعدة نقاط تخص التطورات في سوريا، من بينها بحث خطة لتقسيم سوريا إلى كانتونات ذات حكم ذاتي على أسس إثنية وطائفية، مشيرة إلى أن هذه الخطة طرحتها السلطات الإسرائيلية منذ الإطاحة بنظام الأسد في كانون الأول الماضي.
أيضاً صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية ذكرت مؤخراً أن إسرائيل تسعى للضغط على القوى العالمية لتشكيل نظام فيدرالي في سوريا، يتكون من مناطق عرقية مستقلة. كما أوضحت الصحيفة أن إسرائيل بصدد إنفاق أكثر من مليار دولار لدعم الدروز في سوريا، على أمل إقناعهم برفض الحكومة السورية الجديدة، كما نقلت عن أمير أفيفي، وهو مسؤول عسكري إسرائيلي كبير سابق، قوله إن إسرائيل بحاجة إلى بناء تحالف مع الدروز لتحقيق عمق استراتيجي في سوريا.
الوطن