العناوين الرئيسيةسوريةسياسة

من الوصاية إلى الشراكة..مجلس الأمن يفتح صفحة جديدة مع سوريا

لم يكن اجتماع مجلس الأمن الدولي أمس حول الأوضاع في سوريا، مجرد جلسة دبلوماسية اعتيادية، بل مثل محطة سياسية فارقة في مسار استعادة سوريا لدورها الإقليمي والدولي، بعد أعوام من الحرب والحصار والعزلة، إذ بدا واضحاً أن المشهد الأممي هذه المرة حمل ملامح مرحلة جديدة عنوانها «الشراكة مع سوريا»، لا «الوصاية عليها».

وأبرز ما ميز الجلسة هو التحول في لهجة معظم الدول الأعضاء تجاه دمشق، فقد أجمع المندوبون على ضرورة دعم العملية السياسية بقيادة وملكية سورية، وتخفيف العقوبات، وتسريع عودة اللاجئين، واحترام وحدة الأراضي السورية، في مقابل إدانات واسعة للاعتداءات الإسرائيلية المتكررة التي تمس السيادة السورية وتقوض الاستقرار الإقليمي.

هذا التحول يعكس إدراكاً دولياً متزايداً بأن الاستقرار في الشرق الأوسط يبدأ من استقرار سوريا، وأن سياسة العزل والعقوبات لم تُنتج سوى المزيد من الأزمات الإنسانية، كما بدا أن الانتخابات البرلمانية الأخيرة في البلاد لعبت دوراً محورياً في تغيير الصورة، إذ اعتبرها عدد من المندوبين، من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا إلى باكستان وتركيا وروسيا، مؤشراً على حيوية سياسية داخلية، ورغبة حقيقية في تجديد الحياة الدستورية ضمن مسار وطني جامع.

وفي كلمته، قدّم مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة إبراهيم علبي خطاباً اتسم بالثقة والوضوح، مؤكداً أن سوريا اليوم «تكتب تاريخها بيدها»، وأنها دخلت مرحلة سياسية ومؤسساتية جديدة تستند إلى إرادة شعبية حقيقية، ولم يخلُ خطابه من رسائل داخلية وخارجية، إذ شدد على مكافحة الإرهاب والمخدرات، ودعم محافظة السويداء، وعودة أكثر من مليون لاجئ، داعياً إلى شراكة دولية صادقة بعيداً عن الشروط المسبقة.

بدورها، المجموعة العربية، أعادت التأكيد على دعمها الكامل لسوريا ورفضها القاطع للانتهاكات الإسرائيلية، فيما شددت الجزائر على أن استقرار سوريا هو ركيزة استقرار الشرق الأوسط بأسره، أما المواقف الغربية، فقد بدت أكثر براغماتية من أي وقت مضى؛ إذ تحدث مندوب الولايات المتحدة عن رفع تدريجي للعقوبات، وأشاد بالتعاون السوري مع المنظمات الدولية، بينما أعلنت بريطانيا وفرنسا عن خطوات ملموسة نحو الانخراط الإيجابي ودعم مرحلة التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار، كما شددت روسيا والصين على ضرورة دعم المرحلة الانتقالية التي تشهدها سوريا وتحقيق شراكة سياسية بين أطياف السوريين.

واللافت كان الإجماع الواسع على البعد الإنساني في سوريا، إذ حذر مسؤولو الأمم المتحدة من استمرار تراجع التمويل الإغاثي، داعين إلى الانتقال من الإغاثة الطارئة إلى التعافي المبكر والتنمية المستدامة، وهو ما يتقاطع مع رؤية دمشق للحل: الانتقال من إدارة الأزمة إلى بناء الدولة، ما يشير إلى أن عودة السياسة السورية إلى موقع الفعل الدولي لم تعد مجرد طموح، بل واقع يتشكل بخطى ثابتة.

إن ما تحقق في مجلس الأمن أمس، ليس مجرد نجاح دبلوماسي، بل هو تأكيد على أن سوريا التي صمدت في الحرب قادرة على صنع السلام بشروطها الوطنية، ومع اتساع دائرة الاعتراف الدولي بهذه الحقيقة، تمضي دمشق بثقة نحو استعادة عافيتها، وبناء مستقبلها كما أراده شعبها.

الوطن

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock