اقتصادالعناوين الرئيسية

من محاربة الفساد إلى إنقاذ الاقتصاد… سوريا تعيد ضبط بوصلتها الرقابية

أكد رئيس الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش عامر العلي أن مكافحة الفساد تمثل خياراً استراتيجياً لا رجعة فيه، وتشكل الأساس لإعادة بناء الدولة السورية على قواعد الحكم الرشيد وسيادة القانون، وذلك خلال كلمة ألقاها في مؤتمر الدول الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.

وأشار العلي إلى أن الدولة السورية تسلّمت مؤسسات متهالكة تعاني من فساد بنيوي ترسّخ خلال عهد النظام البائد، موضحاً أن ذلك النظام أضعف الإدارات العامة، وهمّش معايير الكفاءة والاستحقاق، وقوّض آليات الرقابة والمساءلة، محوّلاً الفساد من ممارسات فردية إلى منظومة متكاملة انعكست سلباً على ثقة المواطن بالمؤسسات، وأدّت إلى تراجع موقع سوريا على مؤشرات النزاهة والشفافية الدولية.

ولفت رئيس الهيئة إلى أن الأموال المنهوبة والمهرّبة خارج البلاد ليست مجرد أرقام جامدة، بل موارد كان يمكن أن تُخفف من معاناة السوريين اقتصادياً، مؤكداً أنها تعادل مدارس لم تُبنَ، ومستشفيات تفتقر للأدوية، ومساكن حُرم منها نازحون يعيشون في ظروف قاسية.

وفي استعراضه للإجراءات المتخذة، أوضح العلي أن الهيئة عملت على إرساء نموذج رقابي حديث ينتقل من الرقابة التقليدية اللاحقة إلى رقابة وقائية قائمة على تحليل المخاطر وتقييم الأداء، بهدف منع الفساد قبل وقوعه، وليس الاكتفاء بملاحقته بعد حدوثه.

وبيّن أن الدولة السورية اعتمدت خطوات تنفيذية لتعزيز الدور الرقابي، شملت تحديث الأطر القانونية وسد الثغرات، وتعزيز استقلالية الأجهزة الرقابية، وإعداد مصفوفة متكاملة ومعايير واضحة للنزاهة والشفافية، إلى جانب تعزيز الرقابة المجتمعية وحماية المبلّغين.

وعلى الصعيد الخارجي، شدد العلي على أن مكافحة الفساد لم تعد شأناً داخلياً، بل مسؤولية مشتركة عابرة للحدود، تتطلب تعاوناً إقليمياً ودولياً قائماً على الثقة وتبادل المعلومات واسترداد الأصول المنهوبة.

وختم بالتأكيد على انفتاح سوريا على الشراكة مع الدول والمنظمات الدولية، والاستفادة من البرامج الفنية والتدريبية المتخصصة، مع العمل على استكمال مسار التصديق على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والالتزام بها.

اقتصادياً، من المؤكد أن  مكافحة الفساد تمثل أحد الشروط الأساسية لأي تعافٍ اقتصادي حقيقي، إذ إن الفساد البنيوي كان سبباً مباشراً في هدر الموارد، وتعطيل الاستثمار، وارتفاع كلفة الخدمات العامة. والانتقال نحو رقابة وقائية قائمة على تحليل المخاطر يفتح الباب أمام تحسين كفاءة الإنفاق العام، وتقليص الهدر قبل وقوعه، وهو ما تحتاجه سوريا في مرحلة تعاني فيها من شح الموارد وضغط إعادة الإعمار.

ويمكننا القول  أن تعزيز الشفافية واستقلالية الأجهزة الرقابية يوجّه رسالة مهمة للمستثمرين والمؤسسات الدولية مفادها أن الدولة تسعى لبناء بيئة اقتصادية أكثر انضباطاً وقابلية للتنبؤ، أما ملف استرداد الأموال المنهوبة، فيحمل بعداً تنموياً مباشراً، يمكن أن يشكّل مصدراً لتمويل مشاريع خدمية وإنتاجية  من دون تحميل الخزينة أعباء إضافية.

في المحصلة، لا تصبح مكافحة الفساد مجرد شعار سياسي، بل أداة اقتصادية لإعادة توجيه الموارد، واستعادة الثقة، وتهيئة الأرضية الضرورية لنمو مستدام يعيد وصل الدولة بالمواطن والسوق معاً.

الوطن

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock