مقالات وآراء

نتنياهو وقابوس.. بين شرقٍ منحوس وضياعٍ للناموس!

لن نستَوحِشَ طريقَ الحق لقلّةِ سالكيه، أساساً ومنذ اتفاق العار في كامب ديفيد وتساقُط القيادات المستعرِبة تباعاً، وصولاً إلى يومِنا هذا، لم يعد سالكو طريقِ الحق قلّة، بل إن طريقَ الحق بات حصرياً بمن لديه كرامة.
يوماً ما هناك من انزعجَ من عبارةِ «كان ليَسقُط العالم وسورية لن تسقط»، هناك من اعتبرها مبالغةٌ أن نقولَ بأن «سورية آخِرَ معاقِل الحق، لن تسقطَ حتى يرث اللـه الأرض وما عليها»، هؤلاء تجاهلوا أن للسقوط أوجهاً ودرجات، تعالوا مثلاً لنرى السقوط الشعبي في دفاعِ جزء لا يُستهان به من الشعوب العربية عن قياداتها المجرمة والعميلة، فهناك من يُفاخر بأن سلطنته استضافت رئيس وزراء العدو لكنها رفضت أن يتم رفع العلم الإسرائيلي في قصر السلطان قابوس، أليسَ هذا انجازاً وسط ما نعيشهُ من سقوط!
كيفَ حالكم أيتها الشعوب العربية، والعُماني اليوم يُعاير المصري بأن سلطانهُ جلب نتنياهو إلى قصرهِ، بينما «ساداتهم» ذهبَ صاغراً إلى القدس التي لا نعلم إن كانوا لا يزالون يعتبرونها «محتلة»، بالمناسبة هل فكّرنا يوماً أن نجري استفتاء لعدد المصريين الذين يعتبرون المجرم أنور السادات بطلاً؟ إياكم أن تقوموا بهكذا استفتاء كي لا تصدمَكم النتائج، تماماً كما صدمكم خروج سوريين يطالبون الناتو بقصفِ بلدهم، ربما جميعنا مازال يعيش حالة الصدمة، أو تحتَ تأثيرها، إلا أولئك أصحاب نظرية «العروبة والإسلام» هما الرافع الأساس لهذا الشرق البائس، هؤلاء يبدو أنهم كانوا ولا يزالون خارج نطاق الصدمة، وما نخشاه أن يكونوا خارج الواقع أساساً، تحديداً عندما يعتبرون كل انتصار وكأنه انتصارٌ لنهج العروبة!
تعالوا مثلاً لنرى السقوط العربي الرسمي، حدِّث ولا حرج، فمنذ أربعينَ عاماً والقيادات المستعربة تمارِس هذا السقوط حتى وصل بهم الحد في حرب تموز 2006 للقول لمن يريد أن يقاتل:
اذهب أنتَ وربَّك فقَاتِلا إنّا هاهنا قاعدون! ألم نقل يوماً أن الرئيس بشار الأسد كان رحيماً عندما وصفَهم بأنصافِ الرجال، ليتهم قبلوا هذهِ الصفة على الأقل لكانوا ارتبطوا ولو جزئياً بالرجولةِ كمنهج، واليوم بين فريقٍ رياضي يزور مشيخةَ قطر، وآخر يزور مشيخة آل نهيان، يخرج رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو من مسقط، ليُسقط آخر ورقةِ توت عن حقيقةِ من العميل المدافع عن حدود «إسرائيل»، ومن المقاوم الذي مازال يدفع ثمن المواجهة مع «إسرائيل».
لكن لماذا كل هذا الهجوم على السلطان العُماني لاستقبالهِ نتنياهو؟ فالرجل التقى في السابق كلاً من اسحق رابين وشمعون بيريز، كما أن عُمان مع قطر تعتبران من أولى المشيخات التي افتتح فيهما ممثلية تجارية للكيان الصهيوني. نظرياً يبدو هذا اللقاء روتينياً بين «دولتين» تتمتعان بعلاقات دبلوماسية، لكن واقعياً هناك كلامٌ آخر تحديداً في ظل الفوضى التي يعيشها ذاك الشرق البائس، ولكي تتضح الصورة لابد من الالتفات إلى محورين أساسيين في هذه الزيارة:
أولاً: توقيت الزيارة، هل هو صفعة لـمحمد بن سلمان؟
كان لافتاً أن هذه الزيارة جرت دونَ مقدماتٍ أو تسريباتٍ إعلامية، كما أنها جاءَت بعكس النظرة السائدة عند المتابع العربي لعُمان، تلك النظرة التي تنطلق من فرضيةِ وجودِ قيادةٍ عُمانية مسالمة لا تتدخل في شؤون أحد، ولا تسعى لتجاوز الخطوط الحمر فيما يتعلق بالدور في المنطقة والعالم. في آب 2017 وبمقالٍ بعنوان «انتهاء الحرب على سورية ووراثة الزعامة الخليجية: سلطنة عُمان أنموذج» قلنا: إن العمانيين يجهزون أنفسهم رسمياً لوراثة الدور السعودي في المنطقة، وهم سيستندون بذلك إلى توازن مواقفهم من القضايا العالقة بما فيها الحرب على سورية، وبمعنى آخر فإن القيادة العُمانية وإن كانت تتمتع بعلاقاتٍ ممتازة وذات مصداقية مع كل التناقضات بالمنطقة بما فيها السعودية وإيران، فإنها كانت تحترم الشقيقة الكبرى بما لا يضر بهذا التوازن، هي مثلاً استضافت يوماً جولة من المفاوضات الإيرانية مع دول 5+1 حول البرنامج النووي الإيراني، هذه الاستضافة لم تزعج السعودية يومها، لأنها ببساطة تدرك أنها غير مؤهلة لاستضافة هكذا مفاوضات وهي في عداءٍ مع إيران، حالة «المصداقية» في المواقف والتغريد خارج السرب الخليجي بما يتعلق بالكثير من القضايا أكسبت عُمان هذه المكانة، لكن ما يميزها عن مملكة آل ـسعود هي «العلاقة العلنية» بالكيان الصهيوني فكيف ذلك؟
بات من الطبيعي اليوم أن نظام الحكم السعودي يتأرجح، هذا لا يعني أن الولايات المتحدة ستقسِّم المملكة كما يهلوِس البعض، لكنها ببساطة ربما تريد تحجيم طموحات ولي العهد محمد بن سلمان، حتى وعوده بالذهاب بعيداً في العلاقة مع الكيان الصهيوني واعتراف الإسرائيليين والأميركيين أنفسهم بدور للنظام السعودي في حماية «إسرائيل»، لا يبدو أنه سيجني له شيئاً أكثر من ضماناتٍ إسرائيلية بالوقوف بوجه الكونغرس الساعي فعلياً لاستبدالهِ بولي عهدٍ آخر، أي إن النظام السعودي سيكون في السنوات القادمة كما هي البطة العرجاء، بهذه الحالة لابد من بديلٍ منطقي قادر على لعبِ هذا الدور بأريحيةٍ مع جميع اللاعبين بما فيهم الكيان الصهيوني، أي إننا الآن أشبه بمرحلةٍ انتقاليةٍ لا ندري إلى أي مدى سينجح فيها العمانيون، لكنها حكماً صفعة قوية لمملكة الرمال.
ثانياً: الوفد المرافِق لنتنياهو، هل من رسائِل غير مباشرة إلى إيران؟
إن البحث في أسماء الوفد الذي رافق بنيامين نتنياهو يجعلنا ندرك أن القضية أبعد ما تكون عن نقاش تسويات «الصراع العربي الإسرائيلي»، هذا المصطلح الذي لم يعُد له وجود أساساً في أدبيات إعلام البترودولار، حتى وزير الخارجية يوسف بن علوي، الذي يُعتبر الرجل الأول في السلطنة اليوم كان صريحاً عندما قال: «نحن لسنا وسطاء إطلاقا، سيبقى الدور الأميركي هو الدور الرئيسي في مساعدة الطرفين ومساعدة دول المنطقة المحاذية لها في التوصل إلى اتفاق يرضي الطرفين»، إذن فإن العُمانيين يعون أنهم لن يكونوا ملكيين أكثر من الملك، وإذا كان هناك قيادات فلسطينية تنسِّق ليل نهار مع سلطات الاحتلال، بل أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ذهبَ أبعدَ من ذلك عندما بكى خلال جنازة المقبور شمعون بيريز واصفاً إياه بـ«رجل السلام»! فإن العُماني اليوم لا يرى بنفسهِ حاملاً لرايةٍ نسيها أبناؤها، الأدق أنه يريد التركيز على ما يمكننا تسميته أمن الخليج العربي لأنهم يعون أن أي مواجهةٍ محتملة بين إيران ومن يعاديها سيدفع الجميع الثمن، وبمعنى آخر: أن يرافق بنيامين نتنياهو في هذهِ الزيارة كل من رئيس الموساد يوسي كوهين، ومستشاره لشؤون الأمن القومي مائير بن شبات والسكرتير العسكري أفي بلوت، فإن مباحثات الزيارة تعني أن هناك ملفاً أهم بكثير لدى الطرفين من قضيةٍ هرمت على يدِ من يتاجر بها، ألا وهو ملف النووي الإيراني بما فيها التوجسات الإسرائيلية من الصواريخ البالستية الإيرانية، هنا قد يكون الافتراض المطروح أن عُمان قدمت نفسها وسيطاً بين الطرفين لنقل التخوفات والطمأنات، ولكن قبل أن نسأل أنفسنا إلى أي حد يستطيع العُمانيون لعبَ دور كهذا قد يتساءلُ متسائلٌ: لماذا لا تقوم تركيا بهذا الدور، وهي التي تكاد توصَف بالحليف الوثيق لكلا الطرفين الإيراني والإسرائيلي؟
ببساطة لا يمكن للتركي القيام بوساطة كهذه، لأنه أساساً بحاجةٍ لكي يظهر ولو إعلامياً أنه ليسَ قريباً من الكيان الصهيوني بالطريقة التي تجعل منهُ يتحمل هذه المهمة، بعكس الأنظمة العربية التي تجد نفسها محمية بقمع شعوبها وبالمشيئة الأميركية، فلا تبدو أنها مضطرة للمتاجرة بالقضية الفلسطينية على الملأ، كما أن ملفاً كهذا لا تملك فيه «القيادة السياسية» الإيرانية صلاحياتٍ كاملة للبت فيه، ومن المفترض أنهم يعلمون واقعَ أن تركيا بالنهاية حارس أحلام الناتو رغم التحالف «الإيديولوجي» الوثيق بين نظامي حكمها، وعندما نقول الناتو فهذا يعني «إسرائيل»، لذلك يبدو العمانيون وكأنهم يتصدون لهذه المهمة، هم يرون ببساطة أن هذه المهمة بمجرد أن تبدأ سترفع سقف التطلعات العُمانية، ونظرة العالم إلى عُمان والأهم الحفاظ على أمن الخليج.
في الخلاصة: الإستراتيجية ببساطة هي أن تخطِّط لعقودٍ قادمة، لكن من الواضح أن الحالة العمانية مختلفة فالسلطان قابوس بلغ أرذل العمر ولم يعين خليفةَ له حتى الآن، أي إنه لا يزال يمسك بأطراف السلطة من دون مشاركة أحد، فعلى ماذا يعتمد العمانيون في بناء هذا الدور؟ القضية قد تبدو أبعدَ من بناء الدور، القضية هنا تلخصها الصورة المسربة من اللقاء التي ينظر فيها كل من قابوس ونتنياهو باتجاه خريطة الخليج العربي والموقع المميز لسلطنة عُمان، لذلك علينا ألا نركز في الزيارة التي قام بها نتنياهو لنفهم ما يريده العمانيون ونركز بالزيارات القادمة لوزير الخارجية العماني يوسف بن علوي واستقبالاته، عندها سنعي أن طريق الحق لم يعد موحشاً لقلة ساكنيه كما يُشاع، بل سنصل لمرحلةٍ نقول فيها: ما أوحش طريق الحق لكثرةِ المتاجرة به.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock