مقالات وآراء

هــل لاحـــظــتُــــم؟!

أوَهل لاحظ العالم مرتسماتِ إبادة جماعية في القرن الواحد والعشرين تتمّ الإشارة إليها بلغة مواربة ومفردات مخزية ينشرها الإعلام المضلّل والقائمون عليه في الغرب؟ هل لاحظتم أن قصف المنازل وإبادة أسر كاملة بمن فيهم الأطفال والأمهات وهي نائمة يتمّ تحت عنوان «عملية عسكرية»، يتنادى بعض المهزومين والخصوم والمتواطئين معهم للبحث في مسبّباتها وأهدافها ومجرياتها، وربما توقيت انتهائها، في حين هي في الواقع لا تحتاج بحثاً ولا أسئلة لأنها تندرج ضمن عمليات إرهابية، ومجازر طالت الشعب الفلسطيني بكلّ فئاته منذ ما قبل عام 1948على يد المنظمات الإرهابية الصهيونية التي أصبح قادتها من المجرمين الملطخة أيديهم بدماء ضحايا مجازر دير ياسين وكفر قاسم وقبة وغيرها الكثير مما اقترفه قادة هذا الكيان المؤقت الآفل، وذلك منذ بداية الاحتلال البريطاني لفلسطين في مطلع القرن الماضي وإلى يومنا هذا؟ وهل سأل سائل كيف تبرّر الحكومات الغربية صمتها عمّا يجري من إرهاب وإبادة للأطفال والأمهات من قبل عصابة سمت نفسها حكومة، في الوقت الذي تتشاطر فيه كلّ أساليب القتل والإجرام مع الإرهابيين في العراق وسورية وأفغانستان واليمن وليبيا، وحيثما وجدوا على هذه المعمورة؟

بعد كلّ هذا السفك المجرم لدماء الأبرياء الذين تطولهم أحدث طائرات العدوان الأميركية الصنع أينما كانوا، وبعد كل عقود الأسر والحصار والتجويع وهدم البيوت ومصادرة الأراضي والاستهانة بأبسط القيم الإنسانية وحقّ البشر في حياة آمنة كريمة، كيف يمكن لمن يصمت عن هذا العدوان أن يتجرّأ أو يشير بأصابع الاتهام إلى أي طرف في انتهاك حقوق الإنسان أو النساء أو الأطفال؟ وكيف يمكن لضحاياه أن يقرؤوا ما تخطّه الأيدي الآثمة من حملات تضليلية لا تهدف إلا إلى غسل جزء من العار اللاحق بهم جميعاً، والذي يجب أن يوقد ناراً تاريخية تُظهر كنههم الحقيقيّ، وتضعهم في المكان الذي يستحقون؟ كيف يمكن لمن يُمثّل هذه الأنظمة المتواطئة مع وحشية الاحتلال والإرهاب أن يتشدّق بمن يستحقّ ومن لا يستحقّ، وما الذي يجب فعله هنا أو هناك، وما هي موجبات وضرورات فعل شيء من عدمه، وأن تتحدّث عن تهدئات وحلول متجاهلاً حجم الإجرام اليوم بحقّ شعب بريء كلّ ما يسعى إليه هو أن يعيش على أرضه بسلام وأمان؟!

هل لاحظتم أن هذا الزمن هو زمن انكشاف المستور، وظهور الدول والإيديولوجيات على حقيقتها بعيداً عن الكذب والادعاءات التي شغلت أجيالاً من القُرّاء لعقود، ليكتشفوا اليوم أن كلّ ما كان يُكتب ويُقال لا علاقة له بالسياسات والتصرّفات على أرض الواقع؟! وهو بهذا المعنى زمن مهمّ، ولكن علينا جميعاً أن نثبت في أذهان الناشئة على وجه البسيطة الهوّة الشاسعة بين ما ادّعاه الغرب على مدى عقود، وبين تصرّفاته الوحشية، والتي كانت، وعلى مدى هذه العقود ذاتها، العدوّة الحقيقية لإنسانية الإنسان وسلامة الإنسان وكرامة الإنسان وأمنه وازدهاره.

لقد عشتُ في الغرب في سبعينيات القرن الماضي، حين كانت التظاهرات شبه يومية من أجل حقوق المرأة ومساواتها مع الرجل في العمل والفرص، وها نحن اليوم، وبعد نصف قرن من ذلك التاريخ، نجد المرأة الغربية بنسبة ضئيلة جداً في مراكز اتخاذ القرار، والأهمّ والأدهى من ذلك أننا نجد السواد الأعظم من النساء في الغرب يعشنَ حالة من العبودية إذا ما رغبنَ بمتابعة عملهنّ وتأسيس عائلة وإنجاب أطفال؛ إذ لا حضانات ولا رياض أطفال ولا بُنية حقيقية تُمكّن المرأة العاملة أن تكون أمّاً بالإضافة إلى كونها مهنية وفاعلة في مجال عملها.

كما شهدت أيضاً جلسات وجلسات حول حقوق الطفل، وأنّ الأطفال وكبار السنّ هما الفئتان المستضعفتان في معظم المجتمعات، لأنهما غير قادرتين على التعبير والعمل، ونَظَّر علينا الغرب آلاف الأوراق من الكتب والمجلات والبرامج والقرارات عن الاهتمام بالأطفال ليُشْعِرَ بقية العالم بأنّه مُقصِّرٌ بحقهم، وأنّه يجب أن يتعلّم من الغرب، وها نحن اليوم، وأيضاً بعد نصف قرن من تلك الموجة، نشهد أكبر انتهاك بحقّ الأطفال في المدارس الغربية؛ انتهاك يُشوّه خلق الله، ويشوّه صورتهم عن أنفسهم، ويقودهم إلى طريق من العذاب والرّيبة والقلق، وينتزع من صدورهم المشاعر العفوية بأنفسهم، والإدراك السليم لموقعهم ودورهم ونوع الحياة التي يجب أن يبتغوها، وقد فُرضت مواد تدريسية في المدارس الغربية تُشوّه الطفولة، وتُشيطن إنسانية الإنسان، ومن المُحرَّم على أحد أن ينتقد هذا التحرّك الظالم للبشر جميعاً، وقد يُعرّض نفسه من يرفض أو يعترض إلى مصادرة أولاده وحرمانه من فلذات كبده.

هل لاحظتم أن دول الاتحاد الأوروبي برمّتها لم تتمكّن من الاحتفاء بيوم أوروبا في الكيان الغاصب لأنها رفضت أن يُمثّل إرهابي محترف حكومة احتلال وقتل وعدوان؟ فعلى من تُنظّر أوروبا وأميركا اليوم عن الحقوق والديمقراطية وحقوق المرأة والطفل والإنسان؟ وعلى من يعزفون مزامير الكذب والادّعاء بعد اليوم، وبعد أن انكشفت حقيقة ما يسعون إليه، وهو بالمختصر المفيد، المال وتراكم الثروات لفئة قليلة جداً على حساب شعوب العالم، وأيضاً على حساب شعوبهم هم كما رأينا في اصطفافاتهم من العملية في أوكرانيا، الأمر الذي كلّف المواطن الغربي لقمة عيشه، ولكن لا حول ولا قوّة ولا أثر يمكن أن نراه للرأي العام أو لحقوق الإنسان أو لحقوق الأغلبية العظمى من الشعب التي بدأت تعاني الفقر والقهر نتيجة سياسات لا يد لها ولا مصلحة لها بها.

في الحقيقة إن من كانوا يسمّون أنفسهم بالأسرة الدولية، وهم بالأساس مجموعة الدول الغربية قد فقدوا مصداقيتهم في جميع الميادين، وعلى الذين مازالوا منبهرين بأضوائهم الخادعة من أبناء مجتمعات آسيا وإفريقيا أن يمعنوا النظر جيداً، وأن يتخلّصوا من الغشاوة التي نجحوا في نشرها على أعين الناس لبعض الوقت، وأن ينتظروا في أحكامهم وآمالهم ولادة عالم جديد مختلف كلّياً، هو في طور المخاض الآن، وأن يكونوا فاعلين في تحديد هوية هذا العالم الجديد، ووضع خبراتهم ومقدراتهم في تنقية واستكمال مواصفاته الإنسانية، والتي يرنو إليها العالم أجمع.

وحتى ذلك الوقت يجب إلا نترك أهلنا الصامدين والصابرين في فلسطين وشأنهم، وألا نكتفي بما يمتلكونه هم من وسائل ردع ومقاومة، لأنها مهما كانت فهي محجّمة في ظلّ احتلال استيطاني مجرم وشرس، بل أن نتنادى جميعاً من المحيط إلى الخليج لاجتراح أساليب الانتصار لهم؛ فهم لا يُقتلون لأنهم فلسطينيون وحسب بل لأنهم عرب، تماماً كاستهداف العراق وليبيا والسودان وسورية. فالهدف المشترك بين كلّ هذه الاستهدافات هو الوجود العربيّ، والألق العربيّ، والتاريخ العربيّ، والحضارة العربيّة. وما كلّ هذه العنصرية والإجرام بحقّ الفلسطينيين إلا عنصرية ضدّ العرب جميعاً، نلمسها في كلّ مكان وزمان.

لكلّ المستغربين أقول: لقد انتهى عصر الغرب، وما يكتبونه اليوم أو يقولونه حول أنفسهم أو حول الآخرين يكاد يكون مضخّماً وذلك للمفارقة الكبيرة بينه من جهة وبين الواقع والحقيقة من جهة أخرى. منظمة شنغهاي لوحدها ستضمّ نصف سكان العالم، ومنظمة البريكس أقدر اقتصادياً من مجموعة الدول الاقتصادية السبع الـ«G7»، العالم يتشكّل من جديد بالفعل، وقد أفل الغرب تماماً، وبقيَ فقط أخطبوطه الإعلامي المُضلّل، فتجاهلوه ولا تُضيّعوا وقتكم ومالكم في قراءته، وعودوا إلى السريرة البشرية الصافية، والأحكام الإنسانية العادلة، بعيداً عن كلّ التشوّهات التي ألحقتها العنصرية الغربية بنمط العيش وأساليب التفكير والتعامل مع هذه الحياة المؤقّتة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock