هل ينجح الميني ماركت المصرفي في إنعاش الاقتصاد السوري؟

في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه سوريا، يسعى مصرف سوريا المركزي إلى اتخاذ خطوات مبتكرة لتحسين أداء القطاع المصرفي وتعزيز استقراره. ومن بين هذه الخطوات، قرار حاكم المركزي إنشاء سوق “الميني ماركت” في القطاع المصرفي، بهدف المساهمة في تأمين السيولة اللازمة للسوق وتحسين كفاءة تخصيص الموارد المالية.
الدكتور عبدالرحمن محمد أستاذ التمويل والمصارف في كلية الاقتصاد في جامعة حماة. يرى أن هذا القرار يثير العديد من التساؤلات حول تأثيره المحتمل على الاقتصاد السوري، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.
واستعرض أستاذ المصارف في حديثه لـ الوطن جدوى هذه السوق، وتأثيرها على ثقة المواطنين، والمخاطر المحتملة، ودورها في تعزيز قدرة القطاع المصرفي على مواجهة التحديات المستقبلية.
وحول إمكانية مساعدة السوق في تحسين كفاءة تخصيص السيولة بين المصارف والمؤسسات المالية في سوريا، قال: بصراحة يمكن لسوق الميني ماركت أن تساهم في تحسين كفاءة تخصيص السيولة بين المصارف والمؤسسات المالية، خاصة إذا تم تصميمها وتنظيمها بشكل جيد. وهذه السوق يمكن أن تعمل كمنصة لتبادل السيولة بين المصارف بشكل سريع ومرن، ما يقلل من الفجوات التمويلية ويعزز استقرار النظام المصرفي.
وأضاف: في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، حيث تعاني المصارف من نقص السيولة بسبب العقوبات الاقتصادية وتراجع النشاط الاقتصادي، يمكن لهذه السوق أن توفر آلية فعالة لتوزيع الموارد المالية بشكل أكثر عدالة وكفاءة. ومع ذلك، يتطلب نجاح هذه السوق وجود إطار تنظيمي قوي لضمان الشفافية ومنع التلاعب.
وعن احتمال أن يؤدي إنشاء سوق ميني ماركت إلى تعزيز ثقة المواطن السوري في النظام المصرفي المحلي، وعلى سلوك الادخار والاستثمار، يرى محمد أن إنشاء سوق ميني ماركت قد يسهم في تعزيز ثقة المواطن السوري في النظام المصرفي المحلي إذا نجح في تحقيق أهدافه المعلنة، مثل تحسين السيولة وتوفير خدمات مالية أكثر كفاءة.. فعندما يلاحظ المواطنون أن المصارف قادرة على تلبية احتياجاتهم المالية بسرعة وفعالية، فإن ذلك قد يشجعهم على زيادة ودائعهم في المصارف بدلاً من الاحتفاظ بالنقد خارج النظام المصرفي. وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى تعزيز سلوك الادخار والاستثمار، حيث يصبح المواطن أكثر استعداداً للاستثمار في مشاريع طويلة الأجل أو وضع أمواله في حسابات توفير. ومع ذلك، فإن تحقيق هذا التأثير يعتمد بشكل كبير على مدى شفافية السوق وفعالية إدارتها.
وبالنسبة للمخاطر المحتملة التي قد تواجه السوق قال: في حال عدم توفير آليات تنظيمية فعالة، قد تواجه سوق الميني ماركت عدة مخاطر، منها المضاربات المالية إذ قد يستغل بعض الأطراف السوق لتحقيق مكاسب قصيرة الأجل على حساب استقراره، ما يؤدي إلى تقلبات حادة في الأسعار.. وكالانزلاق إلى أسواق موازية فإذا لم يتم تنظيم السوق بشكل صارم، فقد تتحول إلى منصة غير رسمية لتبادل الأموال، ما يزيد من خطر ظهور أسواق موازية غير قانونية.
وأضاف: ومن المخاطر فقدان الثقة فأي خلل في إدارة السوق أو ظهور حالات فساد قد يؤدي إلى تآكل ثقة المواطنين في النظام المصرفي، ما يعكس تأثيراً سلبياً على الاقتصاد ككل، وعدم الاستقرار المالي ففي حال غياب الرقابة الفعالة، قد تؤدي السوق إلى تركيز السيولة في أيدي عدد محدود من الأطراف، ما يزيد من عدم الاستقرار المالي.
وعن إمكانية أن يعزز سوق الميني ماركت قدرة القطاع المصرفي السوري على التكيف مع التحديات المستقبلية مثل التقلبات الاقتصادية العالمية أو العقوبات المالية قال محمد: يمكن لسوق الميني ماركت أن تعزز قدرة القطاع المصرفي السوري على التكيف مع التحديات المستقبلية من خلال زيادة المرونة المالية بحيث توفر السوق منصة لتبادل السيولة بسرعة، ما يساعد المصارف على التعامل مع التقلبات الاقتصادية المفاجئة، وتعزيز التعاون بين المصارف فالسوق تشجع المصارف على العمل معاً لتلبية احتياجات السيولة، ما يعزز من استقرار النظام المصرفي ككل، إضافة لتقليل الاعتماد على المصادر الخارجية ففي ظل العقوبات المالية، يمكن للسوق أن يوفر بديلاً محلياً فعالاً لتلبية احتياجات السيولة دون الحاجة إلى الاعتماد على التمويل الخارجي. إضافة لتحسين إدارة المخاطر من خلال توفير آلية منظمة لتبادل السيولة، يمكن للمصارف تحسين قدرتها على إدارة المخاطر المالية والتكيف مع التغيرات الاقتصادية.
وختم بالقول: إن إنشاء سوق الميني ماركت في القطاع المصرفي السوري تمثل خطوة جريئة ومبتكرة تهدف إلى تحسين كفاءة تخصيص السيولة وتعزيز استقرار النظام المصرفي. وإن نجاح هذه السوق يعتمد بشكل كبير على وجود إطار تنظيمي قوي وشفاف يضمن تحقيق أهدافه المعلنة ويمنع المخاطر المحتملة.
وإذا تم تنفيذ هذا المشروع بشكل صحيح، فإنه يمكن أن يسهم في تعزيز ثقة المواطنين في النظام المصرفي، وتحسين سلوك الادخار والاستثمار، وزيادة قدرة القطاع المصرفي على مواجهة التحديات المستقبلية. في النهاية، ويبقى الأمل معقوداً على قدرة الجهات المعنية على إدارة هذه السوق بحكمة وكفاءة لتحقيق الفائدة المرجوة للاقتصاد السوري.
محمد راكان مصطفى