العناوين الرئيسيةمحلي

وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وفن تخييب الآمال

في أواخر شهر إيلول الماضي فاجأتنا وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بإعلان فريد من نوعه جميل في معانيه مسر في توقيته لم نعهده في سابق السنوات العجاف، تصريح لمعالي الوزير خلاصته نية الوزارة قبول خريجي الثانوية السورية وغير السورية القدماء خلال سنوات الثورة منذ العام ٢٠١١ حتى التحرير في الجامعات والمعاهد الحكومية وإتاحة الفرصة لهم لإكمال تحصيلهم العلمي بعد سنوات من الإجحاف بحقهم لأسباب متعددة منها الخاص بهم لقلة ذات اليد أمام الرسوم الباهظة للجامعات الخاصة أو عدم تحملهم وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المُنقلب لبعضهم في معتقلات وسجون نظام الأسد البائد.

رفع ذلك الإعلان مقياس التفاؤل لدى الخريجين القدامى ١٠٠٠ درجة وباتوا يحسون بكينونتهم كمواطنين ذوي حقوق تهتم بهم دولتهم الجديدة ومؤسساتها الأكاديمية والتعليمية وتقدرهم حق قدرهم وهو ماكان حلماً لديهم ، مرت الأيام عليهم بترقب حتى صدور قرارات المفاضلة الخاصة بهم والتي كان أول عقدها قبولهم في التعليم الموازي فقط وليس العام، حوقل الغالبية العظمى منهم وبدؤوا بمعادلة شهاداتهم الدراسية والتسجيل في موقع المفاضلة وقد أطمعتهم المعدلات المطلوبة المعلنة بتحقيق حلم دراسة التخصص الذي يرغبون فيه بعد تلك السنوات من العجز واليأس الكلي عن تحقيق ذلك الحلم.

أعلنت الوزارة تمديد المفاضلة عدة مرات وكان ذلك الإعلان مبشراً بقدرة الوزارة ورغبتها الصادقة على استيعاب الجميع واتاحة الفرصة لهم ، انتهت المهل وأقفل باب التقديم والتعديل وأعلن أن المفاضلة لهذا العام واحدة لا ثاني لها وبدأ الانتظار الثقيل مشوباً بأمل جميل يداعب النفوس ثم أعلنت النتائج في ساعات الصباح الأولى وياليتها لم تعلن! النتائج التي جعلت الأغلبية تقول يا ليت هذه المبادرة المعسولة التغريرية لم تكن من الأصل!

تخصصات في المعاهد كان مطلوباً لها معدلات ٥٠٪ أصبح مطلوباً لها ما يقارب ١٠٠٪!! التخصصات الهندسية في مختلف الجامعات صعدت من ٧٥٪ إلى أكثر من ٩٩٪!! ولا حاجة للعلم أن السنة التحضيرية الطبية صعدت من ٨٠٪ إلى ١٠٠٪ عدا أجزاء يسيرة!!

تلقى الجميع صدمة كبيرة وكأنها ضربة على الرأس فالأغلبية العظمى وضعت رغباتها حسب المعدلات المعلنة وصدمت بأن لا رغبة من الرغبات تحققت! طلبة بمعدلات تتعدى ٩٥٪ لم تتحقق لهم أي رغبة في أي جامعة مع أن اختياراتهم المحددة في المفاضلة تجاوزت الـ٣٠ رغبة!!

ماهذا يا وزارة التعليم العالي؟!! ماهذا الفن الراقي والأداء العالي والمهنية المبهرة؟! أين مبدأ إتاحة الفرصة بحق للمحرومين والمتضررين خلال سنوات الثورة؟! لماذا فتحتم هذا الباب واضطلعتم بهذه المسؤولية وأنتم غير قادرين على تحملها والوفاء بها؟! ألا يكفي الناس ما تحملت من ألم وتحطيم خلال السنوات السابقة حتى تكملوا على البقية الباقية من أمل في النفوس؟

لابد من إيجاد علاج سريع لهذه الحالة التي أنتجتموها بسوء تقديراتكم واحتواء هؤلاء الطلاب المجتهدين ذوي الدرجات العالية في الجامعات والمعاهد الحكومية المناسبة لهم -وليس ملء الشواغر بعدد محدود منهم خلاف مهاراتهم ورغباتهم – وإعادة الأمل إلى نفوسهم وإشعارهم بأن لهم دولة جديدة بمؤسسات أكاديمية وتعليمية تهتم بهم وهي معهم لا عليهم، فهم في الحقيقة بناة الغد وأمل المستقبل وثروة البلاد الحقيقية والاستثمار بهم أولى الأولويات، وإلا فوجب عليكم فتح تخصص جديد في الجامعات مختص بفنون تخييب الآمال وتحطيم الأحلام وإهدار الثروة البشرية يشرف عليه معالي الوزير شخصياً.

د. أنس ضميرية- أكاديمي ومستشار إعلامي

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock