محلي

وزير الاتصالات: الدفع الإلكتروني في مراحله الأخيرة “للحكومة الإلكترونية”

رغم الأهمية البالغة لورشة عمل (قواعد البيانات الكبيرة/ بيغ داتا) التي أقامتها الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية بدمشق، إلا أن مجرياتها ألمحت إلى الآمال (الكبيرة) المعلقة على هذا الطراز من النشاطات لاستعادة (الفردوس المعلوماتي المفقود) الذي كان للجمعية دور بارز في تكريسه قبل الحرب وما ساقته من سلسلة انتكاسات ذاتية وموضوعية عصفت بحضورها خلال السنوات الأخيرة.
مدرج مكتبة الأسد الوطنية، يعد المنصة الأنسب لاستعادة الجمعية السورية للمعلوماتية دورها ذاك، فمنه انطلقت قبل ثلاثة عقود، ومنه قد تعود إلى سابق عهدها كإحدى أهم المنظمات الوطنية الداعمة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

بطبيعة الحال، يجسد عنوان الورشة (الكبير) نقطة استرجاع للدور (المفقود) على الصعيدين التقني والتثقيفي، فهو يجمع بين بعدين لطالما نشطت السورية للمعلوماتية في تعزيزهما: التثقيفي العام، والمؤسسي التقني الذي يتناول المفاهيم الأكثر حداثة في الميدان الرقمي.
خلال الورشة، بدا أمر الـ(بيغ داتا) ملتبسا قياسا بحالنا اليوم: بيانات محلية تتخذ منحى انفجاريا دون قدرة على الاستفادة منها وطنيا، لا بل قد تكون مشكلتنا أكثر تعقيدا من ذلك تبعا لتسلسل الأولويات التي يمكن العمل عليها لتلافي الانقطاع المؤسسي النسبي عن تطورات التكنولوجيا الرقمية العالمية خلال سنوات الحرب.

الخطيب: «الإلكترونية» على نار هادئة
خلال كلمته في افتتاح الورشة، أشار وزير الاتصالات والتقانة إياد الخطيب إلى أن (انترنت الأشياء) تعد أحد أكبر الرافدين لـ(بيغ دتا).. وهذا المصطلح يُقصد به الجيل الجديد من الإنترنت الذي يتيح التفاهم بين الأجهزة المترابطة مع بعضها، ويتيح للإنسان التحرر من المكان عبر التحكم في الأدوات من دون الحاجة إلى التواجد في مكان محدّد.
في الشق المحلي، كان الخطيب أشد وضوحا إزاء نية الحكومة السورية دعم الجمعية السورية للمعلوماتية وإعادتها إلى ألقها، مؤكداً أنها (الصرح الكبير) الذي (كانت.. وستبقى)، في هذا السياق، وخلال 6 دقائق فقط من كلمته، كرر الوزير (الدعم الحكومي للجمعية لأربع مرات متتالية.
وفي تصريح لـ(الوطن)، أكد وزير الاتصالات أن الوزارة ستبقى من الرعاة الأساسيين للجمعية المعلوماتية، وأن نجاح الوزارة هو نجاح للجمعية والعكس بالعكس، في سياق تنافسي يحتاجه كل منهما لتطوير أعماله.
وبين الوزير أن المؤسسات الوطنية لديها نوعان من البيانات: مؤرشفة وغير مؤرشفة، مشيراً إلى أن تصنيع البيانات الكبيرة أمر بالغ الأهمية للحكومات لأنها تستنبط من خلالها معلومات ثمينة جداً بعد تحليل البيانات الهائلة المتدفقة يوميا، مؤكداً أن أهم استثماراتها (بيغ داتا) تتمثل بدعم اتخاذ القرار.
وأوضح الخطيب أن مشروع الحكومة الإلكترونية السورية توقف لبضعة سنوات بسبب الحرب الإرهابية على سورية، مستدركا: «إلا اننا عدنا (والعود أحمد) في عام 2017، بعدما تم إطلاق المشروع على المستوى الوطني بقيادة رئاسة مجلس الوزراء ولجنة توجيهية عليا»، مضيفاً بأن كتلة المتطلبات التي تعتمد عليها الحكومة الإلكترونية والمناطة بوزارة الاتصالات والتقانة يتم العمل عليها بشكل حثيث وفي مقدمها مركز البيانات الحكومية (Data Center) الذي تم استلامه ووضعه بالخدمة، إلى جانب شبكة الاتصالات الحكومية الآمنة بين المؤسسات ومنظومة الدفع الإلكتروني التي باتت في مراحلها الأخيرة، إلى جانب التوقيع الرقمي الذي وصلت تجهيزاته إلى سورية وتم البدء بنصب أنظمته.
وبين وزير الاتصالات بأن هذه المجموعة التقنية الأساسية لعمل الحكومة الإلكترونية، باتت قاب قوسين من وضعها في الخدمة، مشيراً إلى أن البيانات الحكومية التي تتوزع اليوم على مؤرشفة وغير «مؤرشفة، تم البدء بتحويلها رقميا عبر برنامج يشمل جميع الوزارات، تمهيدا لضمها إلى مركز البيانات الحكومية بما يؤسس للنهوض بـ(بيغ داتا) سورية خاصة لحاقا بالدول المجاورة.
وألمح الخطيب في ختام حديث لـ«الوطن» إلى تأثير «الحصار وقلة الاعتمادات على (تأخر بعض مشاريعنا ذات المنعكسات الشعبية).

«بيغ داتا» أسباب وتحديات
وتركزت محاور الورشة على الجوانب التعريفية والإحصائية لـ(بيغ داتا) كمفهوم عالمي كرسه التزايد المضطرد في البيانات المتوالدة عن اتساع رقعة استخدام التطبيقات والشبكات.
وخلال الجلسة الافتتاحية التي ترأسها مدير المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا ماهر سليمان، قدم رئيس اللجنة الإدارية للجمعية المعلوماتية بدمشق باسل خشي مدخلا إحصائيا إلى مفهوم (البيانات الكبيرة)، فيما تناول عميد كلية المعلوماتية في جامعة القلمون، سائد الناظر، محورا ثانيا حول تحديات الأمان والخصوصية التي كرستها الـ(بيغ داتا).
الجلسة الثانية التي ترأسها عميد الجامعة الافتراضية خليل عجمي، تحدث خلالها مدير مركز المعطيات في الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية لؤي قزاز عن بعض التطبيقات العملية لـ(بيغ داتا)، ليلي ذلك محور خاص تناول توفيق هارون (شركة MTN) من خلاله تطبيقات الذكاء الصنعي في عالم الاتصالات، قبل أن تختتم الجلسة بمحاضرتين عن (بيغ داتا في المجال الطبي الحيوي) و(تجربة المعهد العالي في تطبيق البيانات الكبيرة) قدمهما على التوالي كل من ياسر خضرا (جامعة اليرموك الخاصة)، وكادان جمعة مدير التطوير البرمجي في المعهد العالي للعلوم التطبيقية.
في الجلسة الثالثة التي ترأسها معاون وزير الاتصالات مازن محايري تحت عنوان (البيانات الكبيرة وعلاقاتها بالتقانات الحديثة)، طرح غسان سابا معاون وزير الاتصالات خلال محورها الأول قضية (البيانات الحكومية المفتوحة وعلاقتها بالبيانات الكبيرة)، ليلي ذلك محاضرة حول (حوسبة البيانات الكبيرة في العالم السحابي) لـوسيم جنيدي (مركز الدراسات والبحوث العلمية).
وخلال المحور الأخير للورشة، تناول محمد جنيدي (مركز الدراسات والبحوث العلمية) الدور الكبير الذي لعبته (إنترنت الأشياء) في ظهور (بيغ داتا).

الذهب المخبأ
يمكن -باختصار- تعريف الـ(بيغ داتا) على أنها قواعد بيانات تقليدية أصابتها العملقة على خلفية التطور العالمي المذهل في ميدان تقانات المعلومات والاتصالات خلال السنوات الأخيرة.
و(بيغ داتا) التي تحاكي حالة انفجارية عالمية راهنا، وفق ما وصفها رئيس اللجنة الإدارية للجمعية باسل خشي خلال محاضرته الافتتاحية للورشة، تتجسد عملياً عبر سلسلة الإحصاءات التي تؤكد أن البشر يرسلون في كل دقيقة نحو 204 ملايين بريد إلكتروني و1.8 مليون (لايك) عبر فيسبوك و278 ألف تغريدة في تويتر ويتم رفع 200 ألف صورة على الفيسبوك.
وأشار خشي في محاضرته إلى أن (غوغل) يعالج لوحده نحو 40 ألف بحث كل ثانية، كما أن هناك 100 ساعة من الفيديو يتم تحميلها عبر يوتيوب كل دقيقة، فيما يحتاج المرء لـ15 عاماً لكي يتابع ما ينشر على هذه المنصة خلال يوم واحد، مبيناً أن 90% من البينات الرقمية حول العالم تم توليدها خلال العامين الماضيين، وأن حجم البيانات الرقمية المصنعة يتضاعف كل 1. 2 سنة.
وبين خشي أن العام 2020 سيشهد تزايدا كبيراً في نصيب الفرد من المعلومات المولدة عبر الانترنت لتصل إلى 1.5 غيغا بايت، فيما ستولّد السيارات ذاتية القيادة نحو 4 تيرا بايت، والطائرات 5 تيرا بايت، والمصانع الذكية نحو 1 بيتا بايت، أما مزودات الفيديو السحابية فستولد 750 بيتا بايت يوميا، مشيراً إلى أن انفجار البيانات خلال العامين الأخيرين جاء نتيجة انتشار الأجهزة الذكية واتصالات الانترنت والشبكات الاجتماعية والإعلامية، إضافة لانترنت الأشياء والرخص الكبير في وسائط تخزين ومعالجة البيانات.
خشي ختم محاضرته بأن الحاجة إلى (بيغ داتا) يتركز في الحصول على الذهب المخبأ فيها على شكل استثمارات اقتصادية وأمنية واجتماعية هائلة، الأمر يتطلب تركيز تكنولوجيات تخزين هائلة وقنوات نقل إلى جانب تقنيات التحليل والمعالجة.

بركة: بركان «بيغ داتا»
رئيس الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية أسعد بركة قال لـ«الوطن» إن العالم بشهد بركانا من المعلومات التي تتيح السيطرة على تدفقاتها تحويل حممه إلى استثمارات كبيرة، مؤكداً تزايد حاجتنا الوطنية إلى (بيغ داتا) في مرحلة إعادة الإعمار.
وأضاف بركة أن معالجة البيانات تشهد قفزات متلاحقة، ضاربا عملية (فك الجين البشري) مثالا: ففي حين كانت تتطلب نحو 10 سنوات سابقا، باتت اليوم تتم خلال أسبوع واحد إثر تطور تقانات المعالجة الرقمية.
وأشار بركة إلى نجاح الجمعية في تعزيز نشاطاتها خلال الأشهر التسعة الأخيرة بما في ذلك إقامة ورشات العمل التي توقفت لـ8 سنوات، إلى جانب تطوير مشاريعها كمزود الخدمة الذي تم تحديث عمله وتحويله إلى شركة مستقلة مؤخرا، والسعي إلى اصطناع فحص وطني يعادل شهادة (ICDL).

سليمان: لكل البيانات قيمتها
من جهته، نوه مدير المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا ماهر سليمان، بضرورة العمل على سياقات متوازية لإنشاء قواعد البيانات الوطنية، مشيراً إلى مسابقة المحتوى الرقمي التي أطلقتها الجامعة الافتراضية السورية قبل أيام، وترابطها العضوي مع ســياق إنتـــاج قواعــد (البيانات الكبيرة).
وأوضح سليمان لـ«الوطن» أن قواعد البيانات يمكن أن تبدأ صغيرة وتكبر، فيما أخرى تولد ضخمة وتتسم بالتدفق المستمر كما في شركات الاتصالات والمصارف وشركات التأمين، معتبراً أن إعادة إنتاج هذه المعطيات المتراكمة وتحليلها يفتح آفاقا اقتصادية واجتماعية هامة.
وبين سليمان أن البيانات عموماً وعلى اختلاف أحجامها، تعد مهمة وتحمل قيمة بذاتها، ففي الوقت الذي تبدو فيه بعض البيانات غير مهمة، فإن مجرد تحليلها ومقارنتها قد ينطويان على قيمة كبيرة لقطاع ما، وساق مثالا لذلك تركز الاتصالات التي تجري بين سورية والمملكة السعودية ليلا، بما يدل على علاقات اجتماعية لا اقتصادية بين البلدين.

قزاز: جاهزون لاستقبال البيانات
بدوره قال مدير مركز البيانات الحكومية في وزارة الاتصالات لؤي قزار لـ«الوطن» إن البنية التحتية للمركز باتت جاهزة تماما بقدرة استيعابية (120 كابينت)، تم تنفيذ 40 منها حالياً تحسبا للتكلفة العالية والتطورات العالمية المتسارعة التي قد تتطلب ضرورة إجراء تطويرات عليها.
وأكد قزاز أن المركز بات جاهزا لاستضافة البيانات الحكومية وتخديم المؤسسات الرسمية والخاصة عبر تقنيات السحابة، مشيراً إلى تجهيز المركز بأحدث التقانات والتطبيقات العالمية ذات الصلة.
وبين قزاز أن المركز يعالج أزمة تمويلية على الصعيد المحلي، إذ إن أغلب المؤسسات الحكومية اتجهت لتأسيس مراكز بيانات خاصة بأكلاف تشغيل عالية، ما يتعارض مع محدودية الموارد وتسلسل الأولويات خلال إعادة الإعمار.

الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock