وزير الاقتصاد السابق يتحدث عن التأثير النفسي لتبديل العملة

في خطوة استراتيجية تهدف إلى تحسين الوضع النقدي والاقتصادي، أعلن مصرف سوريا المركزي عن قراره بحذف صفرين من العملة السورية. هذا القرار، الذي يأتي في وقت يشهد فيه الاقتصاد السوري تحديات اقتصادية كبيرة، يهدف إلى مواجهة التضخم المستمر وتبسيط التعاملات النقدية، وتخفيف الأعباء التي تتحملها الحكومة والمواطن على حد سواء. وفي هذا الإطار، تواصلت «الوطن» مع الدكتور عبد الحكيم حسين المصري، وزير الاقتصاد السابق في الحكومة المؤقتة الذي قدم لنا تحليلاً شاملاً حول هذا التغيير وأبعاده الاقتصادية، موضحاً أبرز التوقعات والتحديات التي قد تواجه الاقتصاد السوري بعد تنفيذ القرار.
تحليل القرار:
- التأثير النفسي على القيمة الشرائية: على الرغم من أن حذف الأصفار لا يغير القيمة الحقيقية للعملة، إلا أن هذا الإجراء سيسهم في تحسين التصور العام لدى المواطنين حول قيمة الليرة. فالتأثير النفسي الناتج عن تحويل 100 ليرة قديمة إلى ليرة واحدة جديدة، سيسهم في تقليص حجم الأوراق النقدية المتداولة، ما يسهل عمليات الدفع والمعاملات اليومية. ولكن، في البداية، من المحتمل أن يواجه السوق بعض التحولات النفسية التي قد تؤدي إلى زيادة مؤقتة في الأسعار، حيث قد يتوقع التجار والمواطنون أن التغيير في العملة سيؤدي إلى تغييرات في القيمة الشرائية.
- تحديات تعديل الحسابات البنكية وأجهزة الصراف الآلي: أحد التحديات الرئيسة التي قد تواجه الاقتصاد هو التغيير في حسابات الأفراد والشركات بين العملة القديمة والعملة الجديدة، حيث سيكون على المصارف والبنوك تحديث أنظمتها بالكامل، بما في ذلك أجهزة الصراف الآلي، لضمان توافق التعاملات مع النظام الجديد.. وقد تسبب هذه العملية بعض الارتباك في البداية، حيث يحتاج المواطنون إلى التكيف مع التحويلات الحسابية بين العملتين.
- تأثير التعديل على التضخم وسعر الصرف: حذف الأصفار من العملة لا يعني بالضرورة تغييراً في القيمة الحقيقية للعملة أو تقليل التضخم بشكل مباشر، ما لم يتم اتخاذ خطوات موازية لاحتواء التضخم مثل تقليص الكتلة النقدية وزيادة الإنتاج المحلي، بينما قد يسهم التعديل في تقليل تكاليف طباعة النقود، إلا أن عامل التضخم مرتبط ارتباطاً وثيقاً بعدد من العوامل الأخرى، بما في ذلك السياسات المالية والنقدية، وتحسن الوضع الاقتصادي المحلي، ورفع العقوبات الاقتصادية عن المؤسسات المالية.
- تعزيز الاستقرار المالي والنقدي: فيما يخص استقرار سعر الصرف، أكد الدكتور حسين أن خطوة حذف الأصفار لن تكون كافية بمفردها لضمان استقرار العملة، ومن الضروري أن تتبنى الحكومة استراتيجية شاملة تركز على زيادة الإنتاج المحلي، وتحسين البيئة الاستثمارية، وتشجيع الاقتصاد الرقمي، فضلاً عن تعزيز التعاون بين وزارة المالية والمصرف المركزي لضمان استقرار سعر الصرف على المدى الطويل. كما يجب أن تكون هناك مراقبة مستمرة لسوق الصرف، لا سيما في السوق السوداء، لضمان استقرار العملة الجديدة في كل التعاملات.
- آثار المدى الطويل على الاقتصاد: بالنسبة للأثر الطويل المدى، يرى الدكتور حسين أن حذف الأصفار يعد خطوة تجميلية تهدف إلى تقليص حجم الكتلة النقدية المتداولة، وبالتالي تقليل التكاليف المرتبطة بطباعة الأوراق النقدية، وعلى الرغم من أن هذا التعديل قد يسهم في تسهيل العمليات اليومية للأفراد، إلا أنه لن يكون العامل الحاسم في تحسين الاقتصاد بشكل جذري. لذلك يُنصح بتوجيه التركيز إلى تحسين السياسات الاقتصادية الشاملة، مثل دعم القطاعات الإنتاجية، تعزيز صادرات البلاد، وتحقيق استقرار في سوق العمل.
- تعزيز الشفافية وتعامل المواطنين مع البنوك: من أهم الفوائد المحتملة لهذا القرار هو تحسين شفافية التعاملات المالية وتسهيل عمليات الدفع الإلكتروني.. كما أن تقليص الأوراق النقدية ذات الفئات الكبيرة سيجعل المواطنين أكثر ميلاً للتعامل مع البنوك والمصارف، وهو ما سيعزز الاستقرار المالي ويقلل من التعاملات النقدية غير الرسمية. ولكن هذا يتطلب تطوير البنية التحتية للبنوك وتحسين وصول المواطنين إلى الخدمات المالية، لا سيما في المناطق النائية.
وخلص الدكتور حسين المصري في حديثه إلى أن حذف الأصفار من العملة السورية خطوة نحو تبسيط التعاملات المالية، لكن نجاحها يعتمد على استقرار الاقتصاد الكلي وتحسين السياسات النقدية والمالية.. فالقرار ليس حلاً سحرياً لمشكلات التضخم، بل هو جزء من سلسلة من الإجراءات التي يجب أن تركز على زيادة الإنتاج المحلي وتحسين البيئة الاقتصادية، مؤكداً أن خطوة حذف الأصفار يجب أن تُعزز من خلال خطوات أخرى تشمل تحفيز الاقتصاد الوطني، وتثبيت سعر الصرف، وتنفيذ إصلاحات شاملة في القطاع المصرفي.. ومن دون تحسين الظروف الاقتصادية الكلية لن تؤدي هذه الخطوة إلى تغيير جذري في الواقع الاقتصادي السوري.
هناء غانم