العناوين الرئيسيةسياسة

من البحر إلى الوجدان.. التضامن السوري مع فلسطين يتجدّد بقصة عبد الرحمن دالاتي

لم يكن الإفراج عن الناشط السوري عبد الرحمن الدالاتي من معتقلات الاحتلال الإسرائيلي مجرّد خبرٍ عابر في زحمة الأحداث المتسارعة، بل محطة إنسانية وسياسية أعادت إلى الواجهة عمق الوجدان السوري تجاه فلسطين، وصلابة الموقف الشعبي السوري في مواجهة الاحتلال، منذ عقود وحتى اليوم.
فالدالاتي، الذي اعتُقل الأربعاء الماضي أثناء مشاركته في أسطول الحرية لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة، لم يكن يبحث عن مجدٍ شخصي، بل عن معنى إنساني للحرية التي تشترك بها الشعوب.
فعلى متن السفينة التركية “الضمير”، رفع الدالاتي يده عالياً قبل أن تطفئ البحرية الإسرائيلية الكاميرات، وقال في آخر رسالة صوتية قبل اعتقاله: “سنرفع أيدينا التي جاءت لإطعام إخواننا في الهواء، وسيرى العالم كل شيء حتى يطفئ الاحتلال الكاميرات.”
تلك الكلمات، التي دوّت في فضاء الإنترنت بعد انقطاع الاتصال، اختزلت جوهر التضامن السوري — تضامن لا تصنعه البيانات، بل يصنعه الفعل والموقف.
رحلة الدالاتي من ميناء إزمير إلى المياه الفلسطينية كانت امتداداً لتاريخٍ طويل من الحضور السوري في معركة الوعي ضد الاحتلال الإسرائيلي، فمنذ شهداء 1948 الذين قاتلوا دفاعاً عن فلسطين، مروراً بمئات النشطاء السوريين الذين نذروا دمهم وأقلامهم وعدساتهم وحناجرهم لنصرة الشعب الفلسطيني في كل عدوان إسرائيلي، كان الشعب السوري يرى في فلسطين جزءاً من هويته لا من حدوده.
وخلال العدوان الإسرائيلي على سفن أسطول الصمود العالمي لكسر الحصار عن قطاع غزة، عادت قصة عبد الرحمن دالاتي لتذكّر بأن السوريين، رغم ما واجهوه من أوجاعٍ الحرب القاسية، ما زالوا ينظرون إلى فلسطين كقضية مركزية في وعيهم وروحهم.
وتبقى مشاهد التضامن الشعبي في المدن السورية، من الوقفات الطلابية إلى المبادرات الإغاثية، تعبّر عن أن ما يجمع دمشق والقدس وغزة ليس شعاراً سياسياً بل وجعاً واحداً ومصيراً واحداً.
واللافت أن تجربة دالاتي لم تكن الأولى، فقبلها شهدنا أسماء سورية عديدة تركت بصمتها في مسيرة النضال الفلسطيني، من حناجر وطنية غنّت للمقاومة، إلى أقلام وأصوات نقلت وجدان الأمة في المحافل الأممية، وصولاً إلى مئات المتطوعين السوريين الذين انخرطوا في حملات الإغاثة والدعم والإسناد خلال الحروب الإسرائيلية المتكررة على الضفة الغربية وقطاع غزة.
هؤلاء جميعاً شكّلوا، مع دالاتي اليوم، جسراً إنسانياً، بين من يرفض الحصار في غزة ومن كسره في سوريا.
إن إفراج الاحتلال الإسرائيلي عن عبد الرحمن دالاتي بعد اعتقاله في المياه الدولية لم يكن فقط انتصاراً لإنسانٍ مسالم أراد كسر الحصار بالطعام والدواء، بل هو أيضاً انتصار رمزي للإرادة السورية الحرة التي لم تنكسر رغم كل الظروف، وفي الوقت الذي يستمر فيه الاحتلال في ممارسة القمع والقرصنة، يثبت السوريون مجدداً أنهم جزء أصيل من الجبهة الأخلاقية العالمية المناهضة للاحتلال، وأن الضمير الذي حملته سفينة “الضمير” هو ذاته ضمير سوريا الحيّ.

الوطن

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock