عربي ودولي

75 عاماً على النصر العظيم: المسؤولية المشتركة أمام التاريخ والمستقبل.. بقلم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

نشر موقع قناة «روسيا اليوم» الإلكتروني مقالاً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحت عنوان «75 عاماً على النصر العظيم: المسؤولية المشتركة أمام التاريخ والمستقبل»، و«الوطن» تعيد نشره كاملاً.

 

«ها قد مرّ 75 عاماً على انتهاء الحرب الوطنية العظمى وخلال هذه السنوات نشأت وترعرعت عدة أجيال وتغيرت الخريطة السياسية لكوكبنا ولم يعد الاتحاد السوفييتي الذي حقق هذا النصر الساحق والعظيم على النازية وأنقذ العالم بأسره موجوداً.

وأصبحت أحداث تلك الحرب حتى بالنسبة للمشاركين فيها من الماضي البعيد ولكن لماذا نحتفل بالـ9 من أيار بأهم عيد في روسيا، بينما تتوقف الحياة في الـ22 من حزيران ونشعر بغصة؟

اعتدنا القول إن الحرب تركت أثراً عميقاً في تاريخ كل أسرة وخلف هذه الكلمات يتكشف مصير ملايين الناس ومعاناتهم وآلام الخسارة ومشاعر الفخر والحقيقة والذاكرة.

هذه الحرب بالنسبة لوالديّ كانت عذابا أليماً من حصار لينينغراد حيث توفي أخي فيتيا بعمر سنتين وبقيت أمي بأعجوبة على قيد الحياة وتطوع أبي، على الرغم من إعفائه من الخدمة لحماية مدينته الأم، لقد تصرف كما الملايين من المواطنين السوفييت.

لقد حارب في منطقة نيفسكي بياتاتشوك (منطقة صغيرة بني فيها جسر العبور على الضفة الشرقية لنهر نيفا) وأصيب بجروح بالغة.

وكلما مرت السنين أصبحت الحاجة أكبر للتحدث إلى الأهل ومعرفة المزيد عن فترة الحرب في حياتهم. ولكن أصبح من المستحيل سؤالهم، لذلك أحتفظ بقداسة في قلبي بكل الأحاديث مع أبي وأمي حول هذا الموضوع وعواطفهما المقتضبة.

ومن المهم بالنسبة لي ولأبناء جيلي أن يدرك أبناؤنا وأحفادنا وأبناؤهم تلك الآلام والعذابات التي مرّ بها أسلافنا وكيف ولماذا تمكنوا من الصمود وتحقيق النصر؟

من أين أتوا بعزيمتهم الفولاذية حقاً والتي أدهشت وأذهلت العالم بأسره؟ نعم إنهم حموا ديارهم وأطفالهم وأقرباءهم وأسرهم، ولكن ما جمعهم هو حب بلادهم، حب الوطن.

إن هذا الشعور الشخصي العميق بكل أبعاده انعكس في ماهية شعبنا وأصبح واحداً من أسباب تضحياته وبطولاته الحاسمة في الحرب ضد النازيين.

غالبا ما يتساءلون: كيف سيتصرف الجيل الحالي في ظروف الأوضاع الحرجة؟ فيتراءى أمام عيني الأطباء الشبان والممرضات وأحيانا طلاب الأمس الذين هم اليوم في (منطقة الخطر) لإنقاذ حياة الناس.

وجنودنا في حربهم ضد الإرهاب الدولي في شمال القوقاز وسورية يتصدون حتى للموت. إنهم شباب يافعون! لقد كان العديد من فرقة المظليين السادسة الخالدة الأسطورية بعمر الـ19 – 20 ولكنهم جميعا أثبتوا أنهم جديرون بمفاخر محاربي وطننا الذين حموه في الحرب الوطنية العظمى.

لذا فأنا واثق من أنه في صفات شعوب روسيا ترسخت تأدية الواجب والتضحية بالنفس إذا تطلبت الظروف ذلك. فالشجاعة والوطنية والحب لمسقط الرأس والأسرة والوطن كل هذه القيم لا تزال تعتبر حتى اليوم بالنسبة للمجتمع الروسي أساسية ومحورية. وسيادة دولتنا قائمة إلى حد كبير على هذه القيم.

لقد ظهرت لدينا تقاليد جديدة أوجدها الشعب، مثل «الفوج الخالد»، وهو مسيرة ذاكرتنا المعبرة عن امتناننا وصلة الدم الحية بين الأجيال.

فالملايين من الناس يخرجون في المسيرة حاملين صور أهلهم الذين دافعوا عن الوطن وقضوا على النازية. وهذا يعني أن حياتهم وعذابهم وتضحيتهم والنصر الذي أهدوه لنا كل ذلك لن ينسى أبداً.

إن مسؤوليتنا أمام الماضي والحاضر تعني القيام بكل شيء لكي لا نسمح بتكرار تلك الفواجع المرعبة.

لذلك وجدت أنه من واجبي أن أقدم هذه المقالة عن الحرب العالمية والحرب والوطنية العظمى. لقد ناقشت مرارا هذه الفكرة خلال محادثاتي مع الزعماء العالميين وقوبلت بتفهمهم.

في نهاية العام الماضي وخلال قمة زعماء بلدان رابطة الدول المستقلة كنا متحدين في أنه من الضروري أن نسلم لأحفادنا الذاكرة حول أن هذا النصر على النازية، قد تحقق قبل كل شيء على يد الشعب السوفييتي، وأنه في هذه المعركة البطولية سواء على الجبهة أو في الجبهة الداخلية وجنباً إلى جنب وقف ممثلو جميع جمهوريات الاتحاد السوفييتي. وعندها تحدثت مع زملائي أيضا عن الفترة الصعبة التي سبقت الحرب.

وهذا الحديث قد أثار ضجة كبيرة في أوروبا والعالم، ما يعني أن التوجه إلى دروس وعبر الماضي أصبح أمراً ضروريا وموضوعيا بالفعل.

ومع ذلك كانت ثمة مشاعر كثيرة وعقد مخفية بشكل سيء واتهامات صاخبة. وبعض السياسيين كعادتهم هرعوا للتصريح بأن روسيا تحاول إعادة كتابة التاريخ.

ولكنهم مع ذلك لم يتمكنوا من نفي أي حقيقة أو تقديم أي حجة وبالطبع من الصعب وحتى من المستحيل تحدي الوثائق الحقيقية التي تحفظ ليس في الأرشيفات الروسية فحسب، بل الأجنبية أيضا.

لذا ثمة حاجة للاستمرار في تحليل الأسباب التي أدت إلى نشوب الحرب العالمية والتعمق في أحداثها المعقدة والفواجع والانتصارات، وفي دروسها وعبرها لبلدنا وللعالم أجمعه.

وهنا أكرر أنه من الضروري

بمكان أن نعتمد فقط على المواد الأرشيفية وشهادات المعاصرين ونحول دون أي تخمينات إيديولوجية أو مسيّسة.

وأذكّر مجدداً بأمر واضح وهو أن الأسباب العميقة للحرب العالمية الثانية تنبثق بشكل أساسي من القرارات التي اتخذت بنتيجة الحرب العالمية الأولى.

فمعاهدة فرساي أصبحت بالنسبة لألمانيا رمزاً لعدم المساواة العميق. والحديث دار عملياً عن نهب الدولة التي كان يجب عليها دفع تعويضات كبيرة للحلفاء الغربيين استنزفت اقتصادها. والقائد الأعلى لقوات الحلفاء المارشال الفرنسي فرديناند فوش وصف فرساي متنبئا: (هذا ليس سلاما وإنما هدنة لعشرين عاما).

إن الإذلال الوطني بالتحديد كان قد هيأ أرضا خصبة للمشاعر الانتقامية والراديكالية في ألمانيا، فلعب النازيون بمهارة على هذه العواطف وبنوا عليها دعايتهم الواعدة بتخليص ألمانيا من (إرث فرساي) وإعادة البلاد إلى قوتها السابقة، بينما قاموا في الواقع بدفع الشعب الألماني إلى حرب جديدة.

ومن المفارقات أن الدول الغربية، وخاصة المملكة المتحدة والولايات المتحدة، قد ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في ذلك، حيث استثمرت مؤسساتهم المالية والصناعية بنشاط في المصانع والمعامل الألمانية التي تصنع المعدات العسكرية.

وكان من بين الطبقة الأرستقراطية والمؤسسة السياسية العديد ممن يدعمون الحركات الراديكالية واليمينية المتطرفة والقومية، التي كانت تقوى وتنتشر في ألمانيا وأوروبا.

تسبب «النظام العالمي» لفرساي في نشوب العديد من الخلافات الضمنية والصراعات الواضحة، التي دارت حول حدود الدول الأوروبية الجديدة التي حددها المنتصرون بشكل عشوائي في الحرب العالمية الأولى.

وتلا ذلك ترسيم الحدود متبوعاً على الفور بالنزاعات الإقليمية والمطالبات المتبادلة التي تحولت إلى (قنابل موقوتة).

ومن أهم نتائج الحرب العالمية الأولى كان إنشاء عصبة الأمم كانت آمال كبيرة تترتب على تلك المنظمة الدولية لضمان السلام الدائم والأمن الجماعي.

كانت تلك الفكرة تقدمية، حيث إنه إذا تم الالتزام بها بثبات، لأمكنها بالفعل الحيلولة دون تكرار أهوال الحرب العالمية.

إلا أن عصبة الأمم التي تهيمن عليها القوى المنتصرة، أي فرنسا والمملكة المتحدة قد أثبتت أنها غير فعالة، وغرقت في مناقشات لا طائل من ورائها. ولم تصغِ عصبة الأمم والقارة الأوروبية بشكل عام للنداءات المتكررة من قبل الاتحاد ال سوفييتي لإنشاء نظام أمن جماعي عادل، وبشكل خاص، التوقيع على ميثاق أوروبا الشرقية واتفاقية المحيط الهادئ لمنع العدوان وتم تجاهل هذه المقترحات.

كما فشلت عصبة الأمم في منع الصراعات في أنحاء مختلفة من العالم، مثل هجوم إيطاليا على إثيوبيا، والحرب الأهلية في إسبانيا، والعدوان الياباني على الصين، وضم النمسا إلى ألمانيا (أنشلوس النمسا).

علاوة على ذلك، وفي مؤامرة ميونخ التي شارك فيها إضافة إلى هتلر وموسوليني، قادة بريطانيون وفرنسيون، وبموافقة كاملة من عصبة الأمم تم تقسيم تيشكوسلوفاكيا.

أود أن أشير في هذا الصدد إلى أنه، على عكس العديد من القادة الأوروبيين الآخرين في ذلك الوقت، لم يلطخ ستالين نفسه بلقاء مباشر مع هتلر، الذي كان معروفا بين الدول الغربية كسياسي حسن السمعة، وكان ضيفاً مرحبا به في العواصم الأوروبية.

كما شاركت بولندا في تقسيم تشيكوسلوفاكيا إلى جانب ألمانيا. فقد قرروا معاً مسبقا من سيحصل على أي قطعة من الأراضي التشيكوسلوفاكية.

في 20 أيلول عام 1938، أبلغ السفير البولندي في ألمانيا جوزيف ليبسكي، وزير خارجية بولندا جوزيف بيك، بشأن التأكيدات التالية التي قدمها هتلر: (… في حال تطورت الأوضاع بين بولندا وتشيكوسلوفاكيا حول مصالحنا في تيشين إلى نزاع، فإن الرايخ سيقف إلى جانب بولندا). حتى أن الزعيم النازي قدم نصائح بألا تبدأ بولندا بأي رد فعل (إلا بعد أن يحتل الألمان جبال السوديت).

كانت بولندا تدرك أنه من دون دعم هتلر، ستفشل كل خططها الاستعمارية التي وضعتها. وهنا أود أن أقتبس من تسجيل للمحادثة بين السفير الألماني في وارسو هانز أدولف فون مولتك وجوزيف بيك التي جرت في 1تشرين الأول عام 1938، وركزت على العلاقات البولندية التشيكية وموقف الاتحاد السوفييتي من هذه المسألة. تقول المحادثة: (أعرب السيد بيك عن امتنانه الكبير على التوضيح الداعم الذي منح للمصالح البولندية في مؤتمر ميونيخ، فضلا عن صدق العلاقات خلال الصراع التشيكي. وقدرت الحكومة والشعب “في بولندا” عالياً موقف الفيورر ومستشار الرايخ).

كان تقسيم تشيكوسلوفاكيا وحشياً ولا أخلاقياً. وقوضت (مؤامرة) ميونيخ تلك الضمانات الرسمية الهشة التي بقيت في القارة. وبينت أن الاتفاقات المتبادلة لا قيمة لها. كانت مؤامرة ميونيخ بمنزلة الزناد الذي جعل الحرب الكبرى في أوروبا حتمية.

يرغب السياسيون الأوروبيون، والقادة البولنديون على وجه الخصوص، اليوم (في الصمت) عن مؤامرة ميونيخ. لماذا؟ ذلك ليس لأن بلادهم قد خرقت التزاماتها ذات مرة ودعمت مؤامرة ميونيخ، وبعضهم شارك في تقسيم الغنيمة فحسب، بل لأ

نه من المحرج نوعاً ما أنه خلال تلك الأيام الدرامية لعام 1938، كان الاتحاد السوفييتي هو الوحيد الذي دعم تشيكوسلوفاكيا.

حاول الاتحاد السوفييتي ووفقا لالتزاماته الدولية، بما في ذلك الاتفاقات مع فرنسا وتشيكوسلوفاكيا، منع وقوع تلك المأساة بينما كانت بولندا، وفي سعيها لتحقيق مصالحها، تبذل قصارى جهدها لعرقلة إنشاء نظام أمن جماعي في أوروبا.

وكان وزير الخارجية البولندي جوزيف بيك قد كتب بصراحة عن ذلك في رسالته المؤرخة في 19 أيلول 1938 إلى السفير المذكور جوزيف ليبسكي قبل اجتماعه مع هتلر: (في العام الماضي، رفضت الحكومة البولندية أربع مرات اقتراح الانضمام إلى الجهود الدولية للتدخل من أجل الدفاع عن تشيكوسلوفاكيا).

اختارت بريطانيا، وكذلك فرنسا، التي كانت في ذلك الوقت الحليف الرئيسي للتشيك والسلوفاك، سحب ضماناتهما وترك هذا البلد الأوروبي الشرقي إلى مصيره. وليس التخلي عنه وحسب، بل سعت إلى توجيه النازيين شرقا بهدف جعل تصادم ألمانيا والاتحاد السوفييتي حتمياً وإراقة المزيد من الدماء.

هذا هو جوهر سياسة «الاسترضاء» الغربية، التي تم اتباعها ليس فقط تجاه الرايخ الثالث ولكن أيضا تجاه المشاركين الآخرين فيما يسمى بميثاق مناهضة الكومنترن – إيطاليا الفاشية واليابان العسكرية.

وبلغت هذه السياسة ذروتها في الشرق الأقصى في إبرام الاتفاق الأنجلو-ياباني في صيف عام 1939، والذي أطلق العنان لطوكيو للتصرف بحرية في الصين. كانت القوى الأوروبية الرائدة غير راغبة في الاعتراف بالخطر المميت الذي تشكله ألمانيا وحلفاؤها على العالم كله. كانوا يأملون بألا تمسهم الحرب.

أظهرت مؤامرة ميونيخ للاتحاد السوفييتي أن الدول الغربية ستتعامل مع القضايا الأمنية دون أخذ مصالحه بعين الاعتبار. وإذا سنحت الفرصة لهم يمكنهم حتى إنشاء جبهة معادية للسوفييت.

ومع ذلك، بذل الاتحاد السوفييتي قصارى جهده لاستغلال أي فرصة لإنشاء تحالف مناهض لهتلر. على الرغم من – سأقولها مرة أخرى – التعامل المزدوج من جانب الدول الغربية. على سبيل المثال، أبلغت المخابرات القيادة السوفييتية بمعلومات تفصيلية عن الاتصالات من وراء الكواليس بين بريطانيا وألمانيا في صيف عام 1939.

وألفت الانتباه إلى أن تلك الاتصالات كانت نشطة تماما وتزامنت عملياً مع المفاوضات الثلاثية بين فرنسا والمملكة المتحدة والاتحاد السوفييتي، والتي على العكس من ذلك، كان الشركاء الغربيون يماطلون بها.

وفي هذا الصدد، سأذكر وثيقة من الأرشيف البريطاني وهي عبارة عن تعليمات للبعثة العسكرية البريطانية التي جاءت إلى موسكو في أغسطس عام 1939.

وتنص بشكل مباشر على أنه على الوفد (أن يشرع في المفاوضات ببطء شديد)، و(أن حكومة المملكة المتحدة ليست مستعدة لتحمل أي التزامات محددة بالتفصيل وتقييد حريتها تحت أي ظرف من الظروف).

وسأشير أيضا إلى أنه خلافا للوفدين البريطاني والفرنسي، كان الوفد السوفييتي برئاسة كبار قادة الجيش الأحمر الذين لديهم كل الصلاحيات اللازمة (لتوقيع اتفاقية عسكرية بشأن تنظيم الدفاع العسكري عن إنجلترا وفرنسا والاتحاد السوفييتي ضد العدوان في أوروبا).

لقد لعبت بولندا التي لم تكن تريد أي التزامات تقيدها تجاه الجانب السوفييتي، لعبت دورها في إفشال المفاوضات. وحتى تحت ضغط الحلفاء الغربيين، رفضت القيادة البولندية القيام بأي أعمال مع الجيش الأحمر في مواجهة الفيرماخت.

وفقط عندما بات وصول ريبنتروب إلى موسكو معروفاً، قام جوزيف بيك على مضض وبشكل غير مباشر بإبلاغ الجانب السوفييتي عن طريق الدبلوماسيين الفرنسيين بما يلي: (… في حالة العمل المشترك ضد العدوان الألماني، فإن التعاون بين بولندا والاتحاد السوفييتي، في ظل الشروط التقنية التي يجب تحديدها، ليس مستبعدا)، وفي الوقت نفسه، قال لزملائه موضحا: (.. أنا لست ضد هذه الصيغة فقط من أجل تسهيل التكتيكات، ووجهة نظرنا المبدئية في ما يتعلق باتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية نهائية وتبقى دون تغيير).

في هذا الوضع الذي تشكل، وقع الاتحاد السوفييتي معاهدة عدم الاعتداء مع ألمانيا، وفي الواقع كان (الاتحاد السوفييتي) الأخير بين الدول الأوروبية الذي فعل ذلك. علاوة على أنه فعل ذلك على خلفية خطر حقيقي يوحي بمواجهة حربٍ على جبهتين، مع ألمانيا في الغرب ومع اليابان في الشرق، حيث كانت هناك معارك شديدة تدور بالفعل عند نهر خالخين- غول.

حقيقة، يستحق ستالين والدائرة المقربة منه الكثير من الاتهامات العادلة. فنحن نتذكر جرائم هذا النظام ضد شعبه وأهوال القمع الجماعي. أكرر، يمكن لوم الزعماء السوفييت على الكثير من الأمور، لكن لا يمكن اتهامهم بعدم فهم طبيعة التهديدات الخارجية.

لقد رأوا أن هناك محاولات لترك الاتحاد السوفييتي بمفرده أمام ألمانيا وحلفائها، وتصرفوا انطلاقا من إدراكهم لهذا الخطر الحقيقي من أجل كسب وقت ثمين لتعزيز دفاع البلاد.

هناك الآن الكثير من الأحاديث والاتهامات التي توجه ضد روسيا الحديثة على وجه التحديد بشأن معاهدة عدم الاعتداء المب

رمة في ذلك الوقت. نعم، روسيا هي الوريث الشرعي للاتحاد السوفييتي، والحقبة السوفييتية بكل انتصاراتها ومآسيها تعد جزءاً لا يتجزأ من تاريخنا الذي يمتد لألف عام. لكنني أذكّر أيضا بأن الاتحاد السوفييتي أعطى تقييما قانونيا وأخلاقياً لما يسمى باتفاق مولوتوف – ريبنتروب.

ففي القرار الصادر عن المجلس الأعلى في 24 كانون الأول 1989 تمت إدانة البروتوكولات السرية رسميا باعتبارها (فعلاً شخصياً)، لم يكن يعبر على الإطلاق عن «إرادة الشعب السوفييتي، الذي لا يتحمل المسؤولية عن هذه المؤامرة».

في ذات الوقت، تفضل الدول الأخرى عدم تذكر الاتفاقات التي تحمل توقيعات النازيين والسياسيين الغربيين، بل لا تلمح لإمكانية القيام بتقييم قانوني أو سياسي لهذا التعاون، بما في ذلك الموافقة الضمنية لبعض القادة الأوروبيين على الخطط الهمجية للنازيين، وصولاً إلى التشجيع المباشر لها.

يكفي أن نتذكر العبارة الساخرة للسفير البولندي في ألمانيا جوزيف ليبسكي، التي قالها في حديث له مع هتلر في 20 أيلول 1938: (… إذا حل المسألة اليهودية، سنقيم له “نحن البولنديون” نصبا تذكاريا رائعا في وارسو..).

كما أننا لا نعرف ما إذا كانت هناك أي (بروتوكولات سرية) وملاحق لاتفاقيات عدد من البلدان مع النازيين. يتبقى لنا فقط أن (نصدق كلامهم). فعلى وجه الخصوص، لم يتم حتى الآن رفع السرية عن الوثائق المتعلقة بالمفاوضات الأنجلو-ألمانية السرية. لذلك، نحث جميع الدول على تنشيط عملية فتح أرشيفاتها، ونشر الوثائق التي لم تكن معروفة من قبل عن فترات ما قبل الحرب وفترة الحرب ذاتها، مثلما فعلت روسيا في السنوات الأخيرة. نحن هنا على استعداد للتعاون الواسع، بل أيضاً لتنفيذ مشاريع بحثية مشتركة بين العلماء والمؤرخين.

ولكن دعونا نعد إلى الأحداث التي سبقت الحرب العالمية الثانية مباشرة. لقد كان من السذاجة الاعتقاد أنه بعد احتلال تشيكوسلوفاكيا لن تظهر لدى هتلر أطماع في أراض جديدة. وهذه المرة تجاه شريكه الجديد في تقسم تشيكوسلوفاكيا، وأعني بولندا. بالمناسبة، كان الدافع هنا أيضاً هو إرث فرساي، أي مصير ما يعرف بممر دانزيج. إن المأساة اللاحقة لبولندا تقع كلياً على ضمير القيادة البولندية آنذاك، والتي أعاقت إبرام التحالف العسكري الأنجلو-الفرنسي-السوفييتي، بل ومنت النفس بأمل الحصول على مساعدة الشركاء الغربيين، فوضعت بذلك رقاب شعبها تحت عجلات آلة التدمير الهتلرية.

لقد تطور الهجوم الألماني وفقا لعقيدة بيلتزكريغ. وعلى الرغم من المقاومة البطولية الشرسة التي أبداها الجيش البولندي، إلا أنه بعد أسبوع فقط من بدء الحرب، وتحديدا في 8 أيلول 1939، كانت القوات الألمانية على مشارف وارسو. وهربت النخبة العسكرية والسياسية البولندية إلى رومانيا بحلول 17 أيلول، مرتكبة بذلك فعل الخيانة لشعبها، الذي واصل حربه ضد الغزاة.

كان أمل بولندا في المساعدة من قبل حلفائها الغربيين هباء. فبعد إعلان الحرب ضد ألمانيا، تقدمت القوات الفرنسية على بعد عشرات الكيلومترات فقط في عمق الأراضي الألمانية. كل ذلك بدا مجرد عرض للعمل النشط. علاوة على ذلك، قرر المجلس الأنجلو-فرنسي العسكري الأعلى، الذي عقد أول اجتماع له في 12 أيلول 1939 في مدينة أبفيل الفرنسية، قرر إيقاف الهجوم تمامًا نظرًا للتطورات السريعة في بولندا. وبدأت الحرب الزائفة سيئة السمعة. وفي الواقع ما هي إلا خيانة صارخة من جانب بريطانيا وفرنسا لالتزاماتهما تجاه بولندا.

في وقت لاحق، وخلال محاكمات نورمبرغ، فسر الجنرالات الألمان نجاحهم السريع في الشرق. واعترف الرئيس السابق لأركان العمليات في القيادة العليا للقوات المسلحة الألمانية، الجنرال ألفريد جودل قائلا: (إن لم نعاني من الهزيمة في عام 1939 فهذا يعود إلى أن حوالي 110 فرقة فرنسية وبريطانية متمركزة في الغرب ضد 23 فرقة ألمانية خلال حربنا مع بولندا ظلت خاملة تماما).

لقد طلبتُ إخراج المجموعة الكاملة من المواد المتعلقة بالاتصالات بين الاتحاد السوفييتي وألمانيا في الأيام الكارثية من آب وأيلول1939 من الأرشيف. كما تظهر الوثائق ووفقا للفقرة 2 من البروتوكول السري التابع لميثاق عدم الاعتداء بين الاتحاد السوفييتي وألمانيا والمؤرخ في 23 آب 1939 فأنه في حالة إعادة التنظيم الإقليمي السياسي للمناطق المكونة للدولة البولندية، فإن حدود مجالات مصالح البلدين ستسير (تقريبا على طول أنهار نيرو وفيستولا وسان). وبعبارة أخرى، فإن مجال النفوذ السوفييتي لم يشمل فقط المناطق التي كان معظم سكانها من الأوكرانيين والبيلاروسيين، ولكن الأراضي البولندية التاريخية في فيستولا وبوغ أيضا. وهذه الحقيقة معروفة لدى قلة قليلة هذه الأيام.

وبالمثل، لا يعرف سوى عدد قليل جداً أنه فور الهجوم على بولندا، في الأيام الأولى من أيلول 1939، دعت برلين بقوة وبشكل متكرر موسكو للانضمام إلى العمل العسكري. ومع ذلك، تجاهلت القيادة السوفييتية تلك الدعوات وخططت لتجنب الانخراط في التطورات الكارثية لأطول فترة ممكنة.

وعندما أصب

ح من الواضح تماما أن المملكة المتحدة وفرنسا لن تساعدا حليفتهما، وأنه يمكن للفيرماخت أن يحتل بسرعة بولندا بأكملها، وبالتالي يقترب من مداخل مينسك، عندها فقط قرر الاتحاد السوفييتي في صباح يوم 17 أيلول إرسال وحدات الجيش الأحمر إلى ما يسمى بخطوط الحدود الشرقية، والتي تشكل في الوقت الحاضر جزءاً من أراضي بيلاروسيا وأوكرانيا وليتوانيا.

من الواضح أنه لم يكن هناك بديل. وإلا فإن الاتحاد السوفييتي سيواجه مخاطر متزايدة بشكل كبير لأنه – سأقول ذلك مرة أخرى – الحدود السوفييتية البولندية القديمة كانت تمتد على بعد بضع عشرات من الكيلومترات من مينسك. وسيتعين على البلاد الدخول في الحرب التي لا مفر منها مع النازيين من مواقع إستراتيجية سيئة للغاية، وكان الملايين من الناس من جنسيات مختلفة، بما في ذلك اليهود الذين يعيشون بالقرب من بريست وغرودنو، وبرزيميول، ولفوف وويلنو، سيتركون ليموتوا على أيدي النازيين وشركائهم المحليين – من المعادين للسامية والقوميين المتطرفين.

وحقيقة أن الاتحاد السوفييتي سعى إلى تجنب الانخراط في الصراع المتزايد لأطول فترة ممكنة ولم يكن راغباً في القتال جنباً إلى جنب مع ألمانيا هو السبب في أن المواجهة الحقيقية بين القوات السوفييتية والألمانية قد حدثت في منطقة أبعد بكثير شرقا من الحدود المتفق عليها في البروتوكول السري.

لم تكن على نهر فيستولا ولكنها كانت أقرب إلى ما يسمى بخط كرزون، الذي أوصى به الميثاق الثلاثي في عام 1919 ليكون حدود بولندا الشرقية.

كما هو معروف، ليس هناك أي فائدة من استخدام الصيغة الشرطية عندما نتحدث عن الأحداث الماضية.

سأقول فقط، في أيلول 1939، كان لدى القيادة السوفييتية فرصة لتحريك الحدود الغربية لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية أبعد غرباً، وصولاً إلى وارسو، لكنها قررت عدم فعل ذلك.

اقترح الألمان إضفاء الطابع الرسمي على الوضع الراهن الجديد. في 28 أيلول 1939، وقع ريبنتروب ومولوتوف في موسكو على معاهدة الحدود والصداقة بين ألمانيا والاتحاد السوفييتي، إضافة إلى البروتوكول السري لتغيير حدود الدولة، والذي تم بموجبه الاعتراف بخط ترسيم الحدود، حيث وقف الجيشان بحكم الواقع.

في خريف عام 1939، بدأ الاتحاد السوفييتي، سيًا وراء أهدافه العسكرية والدفاعية الاستراتيجية، عملية إدراج لاتفيا وليتوانيا وإستونيا. وتم إعلان انضمامها إلى الاتحاد السوفييتي على أساس تعاقدي، بموافقة السلطات المنتخبة في تلك البلدان.

كان هذا يتماشى مع القانون الدولي وقانون الدولة في ذلك الوقت. إلى جانب ذلك، في تشرين الأول 1939، أعيدت مدينة فيلنا والمنطقة المحيطة بها، التي كانت في السابق جزءاً من بولندا، إلى ليتوانيا.

وحافظت جمهوريات البلطيق داخل اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية على هياكلها الحكومية ولغاتها وكان لها تمثيل في هياكل الدولة العليا للاتحاد السوفييتي.

خلال كل هذه الأشهر لم يتوقف الصراع الدبلوماسي والسياسي – العسكري غير المرئي والعمل الاستخباراتي وفهمت موسكو أنها كانت تواجه عدواً شرساً وقاسيا، وأن حربا سرية ضد النازية كانت قد بدأت بالفعل. ولا يوجد سبب لأخذ التصريحات الرسمية والمذكرات البروتوكولية الرسمية في ذلك الوقت كدليل على «الصداقة» بين الاتحاد السوفييتي وألمانيا.

كان للاتحاد السوفييتي اتصالات تجارية وتقنية نشطة ليس فقط مع ألمانيا، ولكن مع دول أخرى أيضاً، على حين حاول هتلر مراراً وتكراراً جذب الاتحاد السوفييتي إلى مواجهة مع المملكة المتحدة لكن الحكومة السوفييتية صمدت أمام تلك المحاولات.

المحاولة الأخيرة لإقناع الاتحاد السوفييتي بالعمل معا قام بها هتلر خلال زيارة مولوتوف إلى برلين في نوفمبر 1940.

لكن مولوتوف اتبع بدقة تعليمات ستالين وحصر نفسه في مناقشة عامة للفكرة الألمانية حول انضمام الاتحاد السوفييتي إلى الميثاق الثلاثي الذي وقعت عليه ألمانيا وإيطاليا واليابان في سبتمبر 1940 والموجه ضد المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية.

لا عجب أنه في 17 تشرين الثاني أعطى مولوتوف التعليمات التالية لممثل مفوض الاتحاد السوفييتي في لندن إيفان مايسكي التي كان مفادها: (أحيطك علما… لم يتم توقيع أي اتفاق أو كان من المقرر التوقيع عليه في برلين. لقد تبادلنا وجهات نظرنا في برلين فقط… وكان من الواضح أن الألمان واليابانيين حريصون على دفعنا نحو الخليج والهند. ورفضنا مناقشة هذا الأمر لأننا نعتبر هذه النصيحة من جانب ألمانيا غير مناسبة). وفي 25 تشرين الثاني، وضعت القيادة السوفييتية نقطة في القضية، حيث طرحت شروطاً غير مقبولة للنازيين رسمياً على برلين، بما في ذلك انسحاب القوات الألمانية من فنلندا، ومعاهدة المساعدة المتبادلة بين بلغاريا والاتحاد السوفييتي، وعدد من البنود الأخرى.

وبالتالي استبعدت عمدا أي إمكانية للانضمام إلى الميثاق الثلاثي. ثبّت هذا الموقف بالتأكيد عزم فيورر بشن حرب على الاتحاد السوفييتي. وفي ديسمبر، وضع جانباً تحذيرات خبرائه الاستراتي

جيين حول الخطر الكارثي المتمثل في وجود حرب على جبهتين، ووافق على خطة (بربروسا).

وفعل ذلك مع العلم أن الاتحاد السوفييتي كان القوة الرئيسية التي تصدت له في أوروبا وأن المعركة القادمة في الشرق ستحسم نتيجة الحرب العالمية ولم يكن لديه شك في سرعة ونجاح الحملة على موسكو.

وهنا أود أن أسلط الضوء على ما يلي: الدول الغربية في الواقع، وافقت في ذلك الوقت على الإجراءات السوفييتية واعترفت بنية الاتحاد السوفييتي ضمان أمنه القومي. وفي 1 تشرين الأول 1939 قال ونستون تشرشل، اللورد الأول السابق للأميرالية البريطانية آنذاك، في خطابه في الإذاعة: «اتبعت روسيا سياسة باردة للمصالح الذاتية… ولكن لحماية روسيا من التهديد النازي من الواضح أنه كان يجب على الجيوش الروسية أن تقف على هذا الخط “المقصود هنا الحدود الغربية الجديدة”). وفي 4 تشرين الاول 1939 تحدث وزير الخارجية البريطاني هاليفاكس في مجلس اللوردات قائلا: (… يجب التذكير بأن تصرفات الحكومة السوفييتية كانت تكمن في نقل الحدود بشكل أساسي إلى الخط الذي أوصى به اللورد كرزون في مؤتمر فرساي… أنا أستشهد فقط بالحقائق التاريخية وأظن أنها لا تقبل الجدل). وأكد السياسي البريطاني البارز ورجل الدولة د. لويد جورج على أن (الجيوش الروسية احتلت الأراضي غير البولندية والتي استولت عليها بولندا بالقوة بعد الحرب العالمية الأولى… سيكون من الجنون الإجرامي وضع التقدم الروسي على قدم المساواة مع التقدم الألماني).

هذا وكان الدبلوماسيون البريطانيون والسياسيون رفيعو المستوى يتكلمون بصراحة أكبر في أحاديثهم غير الرسمية مع الممثل المفوض السوفييتي إ. مايسكي. ففي 17 تشرين الأول 1939، قال له نائب نائب وزير الخارجية البريطاني ر. أ. بتلر ما يلي: (.. إن الدوائر الحكومية البريطانية تعتقد أنه لا يمكن أن يكون هناك شك في مسألة إرجاع غرب أوكرانيا وبيلاروسيا إلى بولندا. إذا كان من الممكن إقامة دولة بولندية على أساس إثني ذات حجم متواضع، في ظل تقديم ضمانات من جانب ليس فقط الاتحاد السوفييتية وألمانيا، ولكن أيضًا بريطانيا وفرنسا، لكانت الحكومة البريطانية تعتبر نفسها راضية تماماً).

وفي 27تشرين الأول 1939، قال كبير مستشاري تشامبرلين، إتش. ويلسون: (يجب استعادة بولندا كدولة مستقلة على أساسها الإثنوغرافي، ولكن من دون غرب أوكرانيا وبيلاروسيا).

ومن الجدير بالذكر أنه اتضح خلال هذه المحادثات عن توافر تربة خصبة لتحسين العلاقات البريطانية السوفييتية. وقد ضعت هذه الاتصالات إلى حد كبير الأساس للتحالف المستقبلي والتحالف ضد هتلر. برز تشرشل بين سياسيين آخرين مسؤولين وبعيدي النظر، وعلى الرغم من كراهيته المعروفة للاتحاد السوفييتي، إلا أنه كان يدعو حتى قبل هذا الوقت إلى التعاون مع السوفييت. ففي أيار 1939، قال في مجلس العموم: (سنكون في خطر مميت إذا فشلنا في إنشاء تحالف كبير ضد العدوان. أسوأ حماقة هو إبعاد أي تعاون طبيعي مع روسيا السوفييتية). وبعد اندلاع القتال في أوروبا، في اجتماعه مع ماييسكي في 6 تشرين الأول 1939، قال: ( .. لا توجد تناقضات جدية بين المملكة المتحدة والاتحاد السوفييتي، وبالتالي، ليس هناك سبب لعلاقات متوترة أو غير مرضية. إن الحكومة البريطانية تعرب عن رغبتها في تطوير العلاقات التجارية. وهي على استعداد لمناقشة أي إجراءات أخرى من شأنها تحسين العلاقات).

لم تقع الحرب العالمية الثانية بين عشية وضحاها، ولم تبدأ بشكل مفاجئ. ولم يأت العدوان الألماني على بولندا من العدم. بل كانت نتيجة للكثير من النزعات والعوامل المتراكمة في السياسة العالمية في ذلك الوقت.

لقد تراصت جميع أحداث ما قبل الحرب في سلسلة واحدة مميتة لكن، بلا شك، كانت العوامل الرئيسية التي حددت مسبقاً أكبر مأساة في تاريخ البشرية هي أنانية الدولة، والجبن، واسترضاء المعتدي الذي كان يزداد قوة يوماً بعد يوم، فضلاً عن عدم استعداد النخب السياسية للبحث عن حلول وسط.

لذلك، ليس من العدل الادعاء بأن زيارة وزير الخارجية النازي ريبنتروب التي استغرقت يومين إلى موسكو كانت السبب الرئيسي في اندلاع شرارة الحرب العالمية الثانية. إن جميع الدول الكبرى لها نصيب من المسؤولة على اندلاعها. كل واحدة منها ارتكبت أخطاء قاتلة، معتقدة بعنجهية أنه يمكنها التفوق على الآخرين، وضمان مزايا أحادية الجانب لنفسها أو تجنب الكارثة العالمية الوشيكة. لقد كلف قصر النظر هذا، فضلاً عن رفض إنشاء نظام أمن جماعي، كلف البشرية ملايين الأرواح وخسائر فادحة.

إنني أكتب هذا الكلام وليس لدي أدنى نية بأي حال من الأحوال لعب دور القاضي أو اتهام أي شخص أو تبرئته، ناهيك عن التسبب في إطلاق جولة جديدة من المواجهة الدولية للمعلومات في المجال التاريخي والتي يمكن أن تزرع بذور الخلاف بين البلدان والشعوب.

أعتقد أن من يجب أن يبحث عن تقييم متوازن لما حدث هو المجتمع الأكاديمي الذي يضم تمثيلاً واسعاً من العلماء المحترمين من مختلف دول العالم. فكلنا بحاجة إلى الحقيقة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock