مقالات وآراء

في الذكرى السنوية للثورة المزعومة

يوم غد الجمعة الخامس عشر من آذار عام 2011، والبعض يتحدث عن الحادي عشر من آذار، هي بالنسبة لي ولملايين السوريين ذكرى ترتبط بأكبر كارثة عدوانية تشهر على شعب، ودولة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، إنها ذكرى ما يسمى «ثورة سورية» حسب المصطلح الذي روج له داعموها ومروجوها وممولوها!
احتاج الأمر للأسف لوقت طويل، ودماء غزيرة كي يفهم كثيرون أن ما يجري في سورية منذ عام 2011 هي حرب، أو بالأصح عدوان موصوف لكن بأدوات غير تقليدية بمعنى أنه عدوان بأدوات: الإرهاب المتعدد الجنسيات، والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، والحصار الاقتصادي، والحرب الدبلوماسية والحرب الاستخبارية، والمنظمات غير الحكومية، والكثير من الأدوات التي طبقت في حالة سورية وشكلت درساً، لا بل دروساً للعالم أجمع، وللكثير من الدول التي اجتاحتها مخططات قلب الأنظمة، وتغييرها للوصول إلى أهداف جيوسياسية ترتبط بمنظومة الهيمنة الأميركية، والإمبريالية الغربية.
الآن، ونحن ندخل العام التاسع من هذا العدوان المتعدد الوجوه والأشكال، نطرح على أنفسنا أسئلة جوهرية لأخذ العبر والدروس المستخلصة، وللوصول إلى خلاصات لابد منها، ودعوني أتحدث عن بعضها لتثبيت قناعات سنوات ثمان مضت، ومنها:
أولاً: انكشاف أهداف «الثورة المزعومة» التي يجب أن نسميها عدواناً وليست حراكاً سلمياً، إنما عدوان ممول حسب وزير خارجية قطر السابق حمد بن جاسم، أنفق عليه أكثر من 137 مليار دولار.
ثانياً: إنه عدوان قادته الولايات المتحدة والصهيونية العالمية وقوى الاستعمار التقليدي، بأدوات وهابية إخوانية ورجعية عربية ومحلية.
ثالثاً: سقوط العناوين الأساسية، والشعارات البراقة التي رُفعت في بداية العدوان مثل: الأبعاد المذهبية للصراع أو الأبعاد الإصلاحية وغيرها، وكتب روبيرت مالي في «نيويوركر» في 11 آذار الجاري عن سقوط البعد المذهبي في الصراعات فيما نسميه الشرق الأوسط الكبير، ويضرب أمثلة على ذلك الصراع السعودي القطري، الإرهاب الذي يضرب مصر، ما يحدث في ليبيا وفي تونس، الصراع التركي السعودي.. الخ.
رابعاً: انفضاح الدور القذر لأجهزة الاستخبارات الأميركية، والغربية والإسرائيلية، والتركية في تأسيس، وتركيب، وتحريك واستخدام الجماعات الإرهابية المتأسلمة مثل داعش وجبهة النصرة، وأخواتها بمختلف تسمياتهم.
خامساً: إن الحرية المزعومة لدى أولئك الثورجيين ظهر أنها حرية بيع الأوطان لقوى الهيمنة العالمية، وتحويل سورية إلى ألعوبة، وإعادتها إلى نموذج الخمسينيات والستينيات، حيث الانقلابات العسكرية، وأجهزة الاستخبارات الغربية وأموال النفط، ومصالح الشركات.
سادساً: كيف يمكن لـ«ثورة شعبية» مزعومة ذات شعارات براقة، أن تتلقى دعماً من أميركا، بريطانيا، فرنسا، كيان الاحتلال الإسرائيلي، السعودية، قطر، تركيا وغيرهم الكثير، ليطرح السؤال: ما الذي يجمع كل هؤلاء دستورياً، وديمقراطياً، وأنظمة سياسية وقوميات وأدياناً، شيء غريب عجيب!
سابعاً: إن العدوان على سورية باسم «ثورة» مزعومة لم يكن إلا وسيلة لإنتاج نظام سياسي موال لأميركا ومنبطح أمام إسرائيل وفاقد لعناصر السيادة والاستقلال، والهدف اللاحق استهداف روسيا والصين وإيران وأي دولة تشكل تهديداً أو منافسة للهيمنة الأميركية.
ثامناً: إن التدمير الممنهج الذي نُفذ في سورية كان مخططاً ومبرمجاً ومقصوداً بهدف إركاع الشعب السوري، ودفعه للاستسلام، وجعل أسس الحياة مستحيلة كما كان وما زال يعمل أعداؤنا وخصومنا، وهناك من الأدلة والأرقام ما يجعل أي مراقب موضوعي يقف مذهولاً لحجم الحقد على سورية وشعبها.
تاسعاً: العدوان على سورية لم يكن بهدف شخصي كما ادعى منفذوه، أي استهداف شخص الرئيس بشار الأسد، وإنما الهدف هو سورية بكاملها قيادة وشعباً وتاريخاً وهوية وتراثاً، وفي النهاية دوراً إقليمياً ووزناً تاريخياً نوعياً تحمله هذه الأرض، كما أشار الرئيس الأسد في إحدى كلماته.
عاشراً: لقد كشف العدوان على سورية، أي «الثورة» المزعومة، أن الإعلام الغربي منافق وكذاب، وأنه مجرد أداة قذرة من أدوات العدوان، وأن ما كان في «لا وعي» كثير من النُخب والمواطنين لابد من شطبه وخاصة أن هذه المؤسسات الإعلامية الغربية تعترف اليوم بشكل غير مباشر بسفالتها، وتطرد أشهر إعلامييها لأنهم زوروا أحداثاً، ومقابلات «دير شبيغل» الألمانية نموذجاً، أي بمعنى أنه لا حرية إعلامية في العالم كما كان يروج إنما هناك حرفية ومهنية في التذاكي، والاستغباء وتمرير الأجندات الخفية.
حادي عشر: تبين أن هذه الأنظمة الغربية التي تطالب بالحرية والديمقراطية للآخرين، مستعدة للقمع والقتل وإنزال المصفحات والقناصة، عندما يتعلق الأمر بأمنها القومي، وتوجهاتها السياسية والاقتصادية، وهنا لدينا نموذج السترات الصفراء في فرنسا، وأحداث بريطانيا.. الخ.
نستطيع أن نعدد الكثير من الخلاصات العامة، والدروس والفضائح والقصص والروايات، ولكن سأعرج هنا على عدة نقاط كـ«دروس» مستخلصة لنا كسوريين، وهي أكثر من ضرورية بعد هذه السنوات الثماني من العدوان الهمجي على بلادنا، ومنها:
1- إن العامل الأساسي في صمودنا الأسطوري هو أن أغلب السوريين تمسكوا بوطنهم، ووقفوا بوجه هذا العدوان الهمجي، واحتضنوا جيشهم البطل، وساندوا رئيسهم في أصعب مرحلة بتاريخ سورية.
2- لقد شكلت الشراكة مع حلفائنا الروس والإيرانيين وفصائل المقاومة مثل حزب الله وفصائل عراقية، وفلسطينية، وغيرها، حائط سد قوياً لمنع انتصار مشروع العدوان، وإسقاط أهدافه السياسية، مع الإشارة إلى أن ما أنجح هذه الشراكة هو ثبات، وصبر، وصمود الشعب العربي السوري على امتداد الوطن.
3- بالطبع كشفت سنوات العدوان على بلادنا نقاط ضعف عديدة لابد من معالجتها وإغلاقها، لأن قوى العدوان تسللت من هذه النقاط والثغرات، ومنها أن لدينا مشكلات تنموية، ومشكلات توعوية، وقضايا خدمية والأخطر الفساد وانتشاره، لأنه البوابة التي تدلت من خلالها أصابع العدوان والإجرام.
4- إن الحاجة للتطوير والإصلاح هي حاجة وطنية سورية بحتة، ولا علاقة لها بمطالب دول خارجية، أو أجندات أخرى، لأن الزمن تغير، والعالم يتطور بسرعة تحتاج منا طريقة تعاط مختلفة، وديناميات سريعة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
أخيراً لابد أن ندرك أن هذه الحرب العدوانية على بلادنا تدخل عامها التاسع، لكن لم تنته بعد، وأمامنا سنتان أو أكثر من النضال، والكفاح الوطني الذي يتطلب وحدة الكلمة، والاصطفاف الوطني لأنني أعتقد أننا أمام مرحلة قادمة لا تقل صعوبة عما مضى، لكن ستتم بأدوات أخرى، فالعدوان مستمر لكن بعناوين جديدة، وما يدعو للتفاؤل هو الإنجازات الهائلة للجيش العربي السوري، والوعي الذي بدأ يأخذ مجراه بين صفوف الناس، والأمن والاستقرار الذي عاد لأجزاء واسعة من سورية، ولكن الأكثر ضغطاً علينا جميعاً هو عدم إدراك البعض حجم مسؤولياته، والتحديات القادمة علينا، وعدم ارتقاء البعض الآخر لمستوى المسؤولية والتحدي، وخاصة في مجال الخدمات للمواطنين، وانتشار الفساد الذي يدمر كل شيء من دون أن نشعر.
في كل الأحوال لا يسعني إلا أن أقول إنني أشعر بالعار والخجل من بعض السوريين الذين انخرطوا بالتآمر على بلدهم وشعبهم، ودعوا لاحتلال بلادهم من أجل شعارات كاذبة ومنافقة، ولكنني في الوقت نفسه أشعر بالفخار والعزة والكبرياء أمام أغلبية أبناء شعبنا وخاصة الذين ضحوا واستشهدوا أو جرحوا أو تحملوا وصبروا وعانوا وأمام الجيش العربي السوري العظيم، وقائده الرئيس بشار الأسد.
وما زال لدي الإيمان والتفاؤل والتطلع لمستقبل أفضل نبنيه جميعاً كسوريين رجالاً ونساءً، أذهلوا العالم بصبرهم وإبداعهم وثباتهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock