مقالات وآراء

الخونـــــــة

يبدو أن الحرب الفاشية على بلدنا سورية خلقت إشكالات مفاهيمية وفكرية وسياسية، أثارت الكثير من الجدل وسوء الفهم، ومحاولات التضليل، وغسل الأدمغة بهدف القضاء على قيم وأفكار وإحلال قيم وأفكار أخرى مكانها، ومنها ما سوف أناقشه في مقالي اليوم، وخاصة قضية «الخيانة» التي حاولت وسائل الإعلام الإخونجية والغربية والأميركية والبترودولارية إظهارها على أنها وجهة نظر سياسية، وخلاف سياسي، ومعارضة، محاولين بذلك تشريع، وشرعنة «الخيانة الوطنية» من هذا الباب، والسبب الذي دفعني لتناول هذا الموضوع الذي يراه البعض حساساً، وأراه جديراً بالنقاش على المستويين الوطني والقانوني، أنني تلقيت تسجيلين صوتيين للمدعو كمال اللبواني الذي زار كيان الاحتلال الإسرائيلي أكثر من مرة، واعتبر أن كيان الاحتلال صديق للسوريين، إضافة إلى اتصاله المباشر مع أطراف معادية لسورية، ويقول المدعو اللبواني أنه زار الولايات المتحدة في تشرين الأول وتشرين الثاني 2005 بعد اغتيال الحريري، وتمكن من الوصول للبيت الأبيض، لكن دون أن يوضح لنا كيف ولماذا، ومن أوصله للبيت الأبيض، ومن أجل ماذا؟ وحصل على تمويل لما أسماه المعارضة السورية من الكونغرس والكل يعرف ما الكونغرس، ومن يتحكم به، وما اللوبيات التي تسيطر على القرار هناك، بمبلغ قدره خمسة ملايين دولار بمقاييس عام 2005، ويضيف اللبواني إن الولايات المتحدة حددت له مصادر الصرف لهذا المبلغ في ثلاثة اتجاهات:
 الاتجاه الأول: إنشاء تلفزيون للمعارضة وهو ما كان يعرف بـ«قناة بردى» التي يتهم فيها اللبواني أنس العبدة ممثل الإخوان المسلمين بسرقة المال المخصص لذلك!
 الاتجاه الثاني: تمويل أحزاب وصحف ومواقع الكترونية داعمة لما يسميه المعارضة، مثل «كلنا شركاء»، ملحق «النهار» اللبنانية وغيرها، أي دفع رواتب لمن يكتب ضد الدولة السورية.
 الاتجاه الثالث: إرسال رواتب بحدود 1100 دولار لكل سجين ممن أسماهم المعارضة!
والحقيقة أن اللبواني اتهم جماعة الإخوان المسلمين بالاحتيال وسرقة هذا التمويل، كما اتهم رفاقه في مسار التآمر على سورية بأنهم لصوص ومرتزقة، وبأن بعضهم زار كيان الاحتلال منذ عام 2006 بعلم المخابرات البريطانية، ويقصد «جماعة الإخوان» الذين تحالفوا آنذاك مع عبد الحليم خدام وأنشؤوا ما سمي «جبهة الإنقاذ والخلاص الوطني»!
لم أشعر بكلام اللبواني أنه نادم على فعلته، ولكنه متحسر على ملايين الدولارات التي لم ينله منها شيء باعتبار هو من أمنها من واشنطن، كما أنه لا يشعر بالندم لتآمره على بلده وشعبه، إنما يشعر بالأسى لعدم قدرته على تحصيل حصة مجزية لقاء حصوله على أموال العمالة من واشنطن، والأهم أنه يُقر وكعادة الخونة بعد سقوطهم أن رفاقه خانوه في المال، وليس في الوطن، لأن ما كان يجمعهم هو أنهم جميعاً أجراء لدى جهة واحدة تديرهم.
خلال فترة مواجهة هؤلاء طوال سنوات ثمان كان كثيرون منهم يقولون لنا لا نسمح لكم بأن تخونونا، ولا أن تمنحوا شهادات لنا بالوطنية! وكثيرون حتى ممن كانوا يصنفون بالموالاة كانوا يقولون هؤلاء معارضون، ويجب عدم تخوينهم!
وبصراحة فإن الدلائل القاطعة التي يقدمونها هم عن بعضهم بعضاً، واعترافات المسؤولين الدوليين والخليجيين، وما كتب في الصحافة الغربية، وما نشر من وثائق حول هذه الحرب الفاشية على سورية، تتطلب منا أن نعيد النظر في الكثير من المقاربات تجاه هذه المسألة لأن الخيانة ليست وجهة نظر سياسية، وليست حزباً معارضاً، إنما لابد من توصيفها بشكل دقيق، وملاحقة كل المتورطين في التآمر على وطنهم وشعبهم.
هنا لابد من التوضيح أن الخيانة في المفهوم اللغوي تعني «الغدر، وعدم الإخلاص، وجحود الولاء»، ولكنها من الناحية القانونية تعني كل من يتصل بدولة خارجية بهدف تقويض الأمن والاستقرار في بلاده، ويقاتل مع طرف آخر ضد بلاده، ويتخابر مع دول معادية مسرباً أسرار الدولة، وقد وصف قانون العقوبات السوري ذلك بأنها «الصلات غير المشروعة مع العدو» وتزداد العقوبة عندما تكون البلاد في حالة حرب، وهناك نموذج آخر للخيانة كما هو حال ميليشيات
«قوات سورية الديمقراطية – قسد» وقياداتهم التي تمارس بدعم أميركي جريمة بحق الدستور، ومنها التنازل عن جزء من الأراضي السورية، ونهب وسرقة الموارد الوطنية التي هي ملك عام للشعب في الدستور، وهذا جانب مختصر لأنني لست رجل قانون لأحاكم أو أوصف الجريمة من الناحية القانونية، ولكن كل هؤلاء بنظري خونة، وليسوا أصحاب تيارات سياسية وطنية تهدف لتقدم وتطور البلاد، ذلك أن التعامل مع واشنطن وهي طرف معتدٍ، وتقود مشروعاً لتدمير سورية كدولة، هو خيانة بالمفهوم الوطني، ولا تبرير له.
يحاول بعض المتفلسفين علينا القول إنه في الأنظمة الديكتاتورية قديماً وحديثاً تعني الخيانة إلقاء التهمة على الخصوم السياسيين، والتنكيل بهم لإبعادهم عن مسرح الحياة السياسية، ولكن في النظم الديمقراطية الحديثة أصبحت الدولة شخصية قانونية متميزة عن شخص الحاكم، وأصبحت الخيانة تعني «العبث بأمن الدولة الخارجي والداخلي والتآمر على حقوق الشعب المشروعة، وتسليم البلاد للعدو، أو خلق حالة من الفوضى تسهل تدخل الدول الأجنبية في شؤون الدولة» وفي الولايات المتحدة تتم الإدانة بالخيانة إذا انضم شخص إلى عدو، وثبت ذلك من خلال الاعتراف في محكمة علنية وبشهادة شاهدين، وإذا أخذت بالمعيار الذي يسمونه ديمقراطياً حديثاً، وطبقت هذا التوصيف على من سموا أنفسهم معارضين! كم النسبة التي ستتهم بالخيانة وتدان بتسجيلات صوتية لهم!؟ وإذا أخذنا التعريف الأميركي مثلاً كم النسبة ضمن هؤلاء المعترضين!؟
القضية التي أناقشها هنا لا تتناول ما يدعيه البعض بشخصنة المسألة أي خيانة للرئيس بشار الأسد شخصياً كرئيس للجمهورية، كما حاول البعض أن يقدمها، بل خيانة للدولة، والوطن بالتوصيف اللغوي، والقانوني السوري والدولي، وإذا كان البعض يعتبرنا نظاماً ديكتاتورياً فلماذا أصدر الرئيس الأسد عشرات مراسيم العفو عن هؤلاء، ولماذا لم نتعاطَ مع من سموا أنفسهم معارضين على طريقة جمال خاشقجي مثلاً؟ والأطرف من ذلك أن من قتلوا خاشقجي بسبب اتهامه بالعمالة للإخوان وقطر، ووجدوا فيه خطراً عليهم، هم أنفسهم من يحتضنون ما يسمى «هيئة عليا للتفاوض»، كجسم معارض سوري، ولكنه عميل لأن راتب رئيس الهيئة المدعو نصر الحريري هو 60 ألف ريال عداً ونقداً من ميزانية المملكة السعودية! فكيف يستوي الأمر لدى هؤلاء، ويتنطحون علينا بالوطنية وخطابات الديمقراطية والحرية والكرامة وهم يأكلون على موائد البترودولار وفتاته.
إن الخونة أصبحوا معروفين لدى شعبهم والرأي العام، ولا يحق لهم أن ينزعجوا من تسميتهم خونة وعملاء لأنهم عندما يخرجون من جحورهم ويعترفون بعظمة لسانهم وبكل وقاحة، فلا يجوز لنا أن نتعاطى بتساهل مع هذه القضية وعلى الجهات القضائية السورية والحقوقية أن تتعاطى مع مثل هذه الاعترافات بكل جدية لأن على هؤلاء وغيرهم، أن يدركوا أن عمالتهم للعدو في زمن الحرب هو خيانة مهما حاولوا التستر والتبرير، وأن المعارضة السياسية كما كتبت عشرات المرات في «الوطن» هي حالة صحية في أي نظام سياسي شرط أن تكون تحت سقف الدستور، واحترام مؤسسات الدولة، وعدم الارتباط الخارجي، وهي محترمة منّا جميعاً، أما أمثال اللبواني وغيره فهم خونة وقتلة مهما عملوا على تبرير خياناتهم، وهنا أرى أن البسطاء يمكن التسامح معهم، أما من ادعى الثقافة واليسار والليبرالية، وحمل الشهادات العلمية، وعمل عامداً متعمداً على تهديد أمن بلده واستقرار شعبه، وتسبب بهذا الدمار، وشكل جسراً للعدو، فهو خائن ويجب أن يحاسب حساباً عسيراً، وإذا كان البعض يرى أن التسامح هو عنوان المرحلة القادمة، فأعتقد أن أصعب حكم على هؤلاء سيكون حكم الشعب الذي سيلاحق هؤلاء في كل مكان ليس كمعارضين، إنما كـ«خونة» يجب أن يدفعوا ثمن خيانتهم، لأن الخيانة ليست وجهة نظر كما روج كثيرون خلال هذه السنوات، وكل أموال الخليج، وبرامج الـ«سي أي إيه»، والإعلام العالمي لم تستطع أن تجعل من هؤلاء قادة شعبيين سوريين، لأنهم ببساطة خونة، والشعب السوري سيعاقبهم مهما طال الزمن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock