مقالات وآراء

صفقة القرن

بعد إطلاق سراح رئيس شركة خاصة فلسطيني كان حاضراً في ورشة عمل المنامة، يُعد الرئيس محمود عباس في الوقت الحالي وفداً للذهاب إلى واشنطن، لجس نبض البيت الأبيض. وإذا لم يتغير رأيه حول «صفقة القرن»، فسوف يبدو أنه لم يعد ينظر بيقين إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أنه عدو أسوأ من الرئيس الأسبق جورج بوش الابن.
رحبت أغلبية وسائل الإعلام العربية بنقل السفارة الأميركية إلى القدس وتعليق تمويل الولايات المتحدة للأونروا، لكنها توقفت عند اقتراح وساطة دونالد ترامب باعتبارها انتهاكات للقانون الدولي على حساب حقوق الفلسطينيين. لذلك قال إن أحداً لم يتوصل إلى إنجاز السلام منذ سبعين سنة خلت، ولم يقل إنه يرفض القانون الدولي.
يقف دونالد ترامب على النقيض من جميع رؤساء الولايات المتحدة السابقين، باستثناء أندرو جاكسون، لذلك علق صورة له في المكتب البيضاوي بمحاذاة مكتبه، وكان أندرو جاكسون شخصية مثيرة للجدل، لدرجة أن أحد المؤرخين الرسميين وصفه «بالمختل عقلياً».
ولعله من الخطأ بمكان تفسير بعض التصرفات الغريبة لهذين الرجلين بالمقارنة مع الرؤساء الأميركيين الآخرين.
كان جاكسون رئيساً للولايات المتحدة في الفترة من 1829 إلى 1837، أي قبل نشوب الحرب الأهلية. ففيما يتعلق بمسألة «الهنود الحمر»، حاول إيجاد حل لوضع لا يمكن أن يكون حلاً سلمياً.
إذا كانت القارة الأميركية غير مأهولة إلى حد كبير، وفيها مساحات شاسعة خالية من السكان، فمرد ذلك إلى الهوة الثقافية العميقة التي كانت تفصل بين المستوطنين الأوروبيين والسكان الأصليين. ومع ذلك، كان ثمة تعاون بينهما في بعض المناطق، على حين كانت الحرب مندلعة في مناطق أخرى.
يعتقد «الهنود الحمر» أن الأرض مقدسة، ولا يمكن لأحد امتلاكها، فما بالك ببيعها؟ وحاول جاكسون الاستعاضة عن الحروب بالمعاهدات، لكنه اصطدم بسوء في الفهم من كلا المعسكرين، وباءت جميع مساعيه بالفشل إثر موت الآلاف من «الشيروكيين» برداً وجوعاً على «طريق الدموع»، أثناء ترحيلهم إلى غرب الميسيسيبي. فاعتُبرَ الرئيس جاكسون مهندس تلك الإبادة الجماعية في ذلك الحين، وهذا لم يحصل إطلاقاً. ما حصل فعلاً هو أنه بعد ثلاثين عاماً من الحرب الأهلية وانتصار الشماليين، قاد الجنرال كستر سياسته المتمثلة في الإبادة المنهجية للهنود الحمر تحت شعار «الهندي الجيد، هو الهندي الميت».
لذلك قال دونالد ترامب إنه قدم كل ما في وسعه للإسرائيليين، وإنه جاء دور الفلسطينيين لكي «يدللهم».
عندما اقترح تطوير غزة والضفة الغربية اقتصادياً، بتمويل كامل من مشيخات الخليج، كان يعتقد أنه من خلال دمج الفلسطينيين في «السوق» سوف يحقق السلام، وهو بذلك يعارض الإستراتيجية الإسرائيلية، التي يدعمها الملياردير شيلدون أدلسون، الرامية إلى تخريب الاقتصاد الفلسطيني، ودفع السكان الأصليين إلى الفرار من أجل البقاء على قيد الحياة.
وعندما رفض دونالد ترامب دعم حل الدولتين، وأحال هذه القضية إلى المفاوضات بين الأطراف المعنية، فقد تصرف تماماً مثل أندرو جاكسون خلال مفاوضات المعاهدة المبرمة مع السكان الأصليين للقارة الأميركية، وهو بذلك أيضاً يعارض السياسة الإسرائيلية، منذ اتفاقات أوسلو وسياسة نائبه الإنجيلي مايك بينس.
إنه لخطأ فادح إهانة شخص حاول، بحسن نية، أن يفتح باباً، لكنه فتح الباب الغلط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock