مقالات وآراء

«الناتو» تحت مجهر الإعلام الإسباني

تشير الوثائق المنشورة في وسائل الإعلام الإسبانية إلى أنه على النقيض من الرواية الرسمية للهجمات التي وقعت في برشلونة في عام 2017، فإن العقل المدبر لهذه الهجمات، المغربي عبد الباقي الساطي هو أصولي متطرف منذ وقت طويل، وأنه كان على صلة بتفجيرات الدار البيضاء عام 2003 وتفجيرات أخرى في العراق، وقد تم تجنيده كمخبر لدى أجهزة المخابرات وأن هذه الأخيرة قامت بتزوير ملفه في القضاء الإسباني لتجنيبه قراراً بالطرد من البلاد بعد إدانته بجرم تهريب مخدرات. وقد قدمت له المخابرات التي عمل لحسابها علبة بريد بلا اسم ليتمكن من الحوار مع الضابط المسؤول عنه، وتختتم وسائل الإعلام الإسبانية بالتأكيد أن أرقام هواتف المتآمرين معه كانت تحت التنصت، وأنها قبل كل شيء، كانت تلاحق الإرهابيين خطوة خطوة، وأنها كانت على معرفة تامة ببنك أهداف هجماتهم، وأنها كانت تراقبهم باستمرار.
والسؤال الذي يطرح نفسه بعد كل هذا السرد: لماذا لم تمنع المخابرات الإسبانية هذه الهجمات؟
لماذا أخفت كل هذه المعلومات؟ ولماذا تكتمت عام 2008 على عناصر مهمة تخص الحرس المدني، اللهم إلا إذا كانت تبتغي حمايته من التحقيقات الجارية حول هجمات مدريد التي وقعت في 11 آذار 2004؟
الآن، بدأت الصورة تتضح لنا أكثر بعد أن تبين أن معظم مرتكبي تفجيرات مدريد كانوا مخبرين لدى البوليس الإسباني.
بتنا نعلم الآن أيضاً أن منظمة حلف شمال الأطلسي «الناتو» نفذت في اليوم السابق للهجمات في العاصمة مدريد تدريبات تحاكي سيناريو الهجوم تماماً، لكن بطريقة لم تسمح للإرهابيين بالتعرف على هذا السيناريو على الرغم من تنفيذهم له. ولعل أكثر ما يلفت الانتباه، حسب تلك الوثائق، هو مغادرة عدد كبير من عناصر الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه» إسبانيا في اليوم التالي للهجمات.
وبطبيعة الحال فقد نسبت السلطات الإسبانية الهجوم إلى انفصاليي الباسك في منطمة إيتا، ثم إلى الإسلاميين في وقت لاحق.
ربما من دون قصد، رجح رئيس الوزراء الإسباني السابق خوسيه ماريا أذنار المعروف بولائه الشديد لحلف شمال الأطلسي، فرضية ضلوع الناتو بتلك الهجمات.
وهو أذنار نفسه الذي كشف في بداية «الربيع العربي» أن زعيم القاعدة في ليبيا عبد الحكيم بلحاج أحد المتورطين بتفجيرات مدريد عام 2004، وبدلاً من أن تصدر بحقه مذكرة اعتقال ويُحاكم، أصبح الحاكم العسكري للعاصمة الليبية طرابلس. ثم طبقاً للصحافة الإسبانية نفسها، فقد أنشأ بلحاج «الجيش السوري الحر» بطلب من فرنسا، ووفقاً للسفير الروسي الراحل لدى مجلس الأمن الدولي، فيتالي تشوركين، فقد نُقل بلحاج ورجاله من ليبيا إلى تركيا بواسطة الأمم المتحدة تحت غطاء المساعدات الإنسانية للاجئين، وأنه بناءً على طلب من المدعي العام المصري هشام بركات إلى الإنتربول الدولي، أصبح بلحاج أمير داعش للمغرب الكبير في عام 2015. وهو الآن يحكم شرق ليبيا بدعم عسكري من تركيا وقطر، وبغطاء سياسي من الأمم المتحدة.
وبالعودة إلى هجمات كاتالونيا، نفاجأ بأن الإرهابي المغربي عبد الباقي الساطي كان عضواً في «جماعة أنصار الإسلام»، وهي جماعة متطرفة انصهرت تدريجياً في بوتقة داعش، وكان يرأسها الكردي الملا كريكار، وهو الآن قيد الإقامة الجبرية في النرويج.
نعلم الآن أيضاً أن وكالة «السي آي إيه» قد نظمت في ذلك الحين اجتماعاً في العاصمة الأردنية عمان للتخطيط لغزو داعش للعراق. ومن الواضح وفقاً لتلك الوثائق أن الملا كريكار كان حينها في السجن في النرويج، لكن ذلك لم يمنعه من المجيء إلى عمان على متن طائرة خاصة تابعة لـ«الناتو» والمشاركة في الاجتماع، ثم العودة بالطريقة ذاتها إلى سجنه.
قد يكون كل ما جرى مجرد مصادفات محضة وليست خططاً محكمة، لكن هذه المصادفات كثيراً ما تكررت حرفياً منذ عام 2001 حتى الآن مهما تغيرت مسارح الأحداث، واللاعبون فيها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock