مقالات وآراء

انتصار حلب وارتدادات المهزومين

على الرغم من اعتبار الانتصار الساحق للدولة السورية على المجموعات التكفيرية الإرهابية في حلب تأسيساً لتحولٍ إستراتيجي في مسار الحرب الكونية على سورية، غير أن ارتدادات هذا الانتصار على الأطراف الإقليمية والدولية الداعمة لهذه المجموعات والتي كانت تراهن على إسقاط موقع سورية القومي وتغيير دورها بعد إسقاط النظام فيها وتقسيمها، ستدفع من دون شك هذه الأطراف إلى تعديل خططها والانتقال إلى مرحلة جديدة تسمح لها بتعويض خسارة حلب وريف دمشق عبر بوابات أخرى بهدف استعادة الحالة المعنوية وتباعاً الإمساك بمفاصل جغرافية-عسكرية تسمح لها بإعادة التوازن مع الدولة السورية وحلفائها على طاولات التفاوض المحتملة.

كانت تعتقد الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها في منطقة الشرق الأوسط أن الولوج إلى الداخل السوري في ظل ما سُمي «الربيع العربي» فرصة ذهبية لن تعوض أبداً لإعادة استيلاد مشروع «الشرق الأوسط الجديد» والذي أسقطت سورية مفاعيله الدولية عليها يوم قررت قيادتها الانسحاب من لبنان العام 2005 بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 1559 والذي أسقطته المقاومة اللبنانية بدعم علني ولوجستي وميداني سوري من خلال هزيمة العدو الإسرائيلي في عدوان تموز 2006. لكن هذا الاعتقاد تراجع يوماً بعد يوم نتيجة إخفاق الثلاثي التركي-السعودي-القطري المكلف تنفيذ هذا المشروع في إنجاز المهمة كما إخفاق الكيان الإسرائيلي سابقاً، وفي الحالتين كانت الإدارات الأميركية المتعاقبة على الحكم تريد أن تقاتل وتربح الحروب بالوساطة. إلا أن ذلك لا يعني أن المحاولات ستتوقف وخصوصاً مع الانتقال القريب للسلطة في واشنطن إلى إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب وفريقه، حيث بدأ العديد من مراكز «التفكير» الأميركية التنظير لما يجب أن تكون عليه مقاربة هذه الإدارة للأزمة في سورية بهدف تغيير نظرة العالم حول تراجع هيبة الولايات المتحدة الأميركية وانكفائها عن التدخل المباشر في الأزمات التي تراكمت خلال إدارة أوباما والتي سمحت من خلال أدائها الضعيف بصعود قوى إقليمية ودولية «معادية».

انطلاقاً من ذلك، يرى بعض هذه المراكز أن إدارة ترامب ولكي تحقق الأهداف الآنفة الذكر لابد لها من اعتماد خطة مدروسة مكونة من نقاط عدة أولها، إنشاء مناطق «آمنة» بالقرب من الحدود التركية والأردنية لحماية المجموعات المسلحة المسماة «معتدلة»، لذا سارع بعض المسؤولين الأتراك إلى تلقف الفكرة عبر إطلاق تصريحات حول إمكانية تحقيق شراكة مع الإدارة الجديدة لدعم ما يسمى «الجيش السوري الحر» الذي تدعي أنقرة أنه موجود فعلاً وأنها تسانده في عملية «درع الفرات» فقط في هذه العملية ولا تنوب عنه! وثانيها، اتباع سياسة أكثر تشدداً في المفاوضات مع روسيا فيما يعني الأزمة في سورية، غير أن ترامب استبق هذا الاحتمال عبر تعيين وزير خارجية لإدارته على صلة وثيقة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وثالثها، السعي إلى إيجاد تباعد في المقاربات بين روسيا وإيران تجاه الأزمة في سورية، وبعيداً عن إمكانية تحقيق هذا المسعى من عدمه فإنه يبدو أن الإدارة الأميركية الجديدة تضع في مقدمة أولوياتها مواجهة إيران والحد من حضورها ونفوذها الإقليميين، ما يعني أن الساحة السورية ستكون إحدى ساحات التجاذب المتوقعة بين الطرفين مع ضعف احتمال تأثير ذلك في العلاقات بين روسيا وإيران، حيث بلغت هذه العلاقات الإستراتيجية بين البلدين عمقاً وبعداً غير مسبوقين فيما تشكل سورية أحد عناوينها وليس عنوانها الوحيد.

إن أهمية ما حصل في حلب أنه فتح الأبواب للانتقال إلى مرحلة عسكرية-سياسية جديدة في مقاربات الأطراف المتورطة والمعنية بالأزمة في سورية، والأهم أنه حصل في توقيت أميركي وتركي دقيق سيفرض على واشنطن وأنقرة التحرك في مساحة عسكرية-سياسية لاقدرة لهما على التحكم بها لأنهما ليستا من رسم حدودها ولا ديناميتها التفاوضية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock