مقالات وآراء

لا تثق بـ«إخونجي»!

لم ينتظر كثيراً رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان حتى يكشف عن نياته المبيتة تجاه أصدقائه المفترضين أو حلفائه الظرفيين: روسيا وإيران. فالرجل لم يعتد الصدق والوفاء في تعامله حتى مع من كان لهم الفضل الأساس في وصوله إلى حكم تركيا بدءاً من مؤسس التيار الإسلاموي نجم الدين أربكان مروراً بحليفه التاريخي فتح اللـه غولن وصولاً إلى عبد الله غول رئيسه السابق وآخرهم شريكه المقصى أحمد داوود أوغلو.

لاشك أن أردوغان تمكن حتى الآن من حذف سيرة بعض هؤلاء من تاريخ تركيا الإسلاموي الحديث كذلك نجح في عزل البعض الآخر في الخارج ومحاصرة المتبقين في الداخل عبر الترهيب، كما فعل مع الصحافة والأحزاب السياسية المعارضة لتوجهاته الشخصية السلطوية التي يسعى لتكريسها في استفتاء شعبي حول تغيير النظام السياسي البرلماني القائم حالياً إلى نظام رئاسي تنفيذي في السادس عشر من شهر نيسان المقبل. وقد يتمكن أيضاً من إخضاع الشعب التركي لحكمه المستبد والإلغائي لسنوات عدة مقبلة في حال نجح صدقاً أو زوراً في كسب تأييد هذا الشعب ولو بنِسَبٍ قليلة. لكن بالتأكيد أن هذا التوصيف لإحكامه السيطرة على الداخل التركي وتلك الآليات التي اعتمدها حتى الآن للتخلص من أساتذته وحلفائه وأصدقائه في الداخل لا يمكن أن تنطبق بأي شكل من الأشكال على نمط وآليات علاقاته مع الخارج وبالأخص مع طرفين أساسيين صاعدين وفاعلين في المنطقة وفي سورية تحديداً هما روسيا وإيران.

منذ بداية المشاركة الروسية في القتال ضد الإرهابيين التكفيريين في سورية، حاول الرئيس فلاديمير بوتين احتواء أردوغان وطمأنته بأن هذه المشاركة لن تنال من المصالح التركية أو من الأمن القومي التركي خصوصاً فيما يتعلق بالصراع الدائر مع المجموعات الكردية. وكان يأمل بوتين أن يصل إلى شراكة مع تركيا تعوض انكفاء الإدارة الأميركية السابقة برئاسة باراك أوباما عن الشراكة المفترضة في منع انزلاق المنطقة بأكملها إلى حروب متنقلة تهدد مصالح واشنطن وموسكو معاً. وفي الواقع كان الرئيس الروسي متسامحاً جداً مع أردوغان ومستوعِباً لتهوره وآملاً أن يفضي هذا التسامح إلى صياغة تفاهم يُمَكِنُهُ من تحويل تركيا من ممر ومقر للإرهابيين إلى شريك في صنع السلام في سورية. ولتحقيق هذه الغاية ابتدع بوتين الثلاثية الروسية- الإيرانية- التركية المعروفة التي شكلت راعياً ومحركاً لاجتماعات أستانا، حيث تم منح الاستخبارات التركية وحدها حق اختيار وتسمية ممثلي المجموعات المسلحة علَّ ذلك يطفئ نار بعض الجبهات في الشمال السوري التي تشعلها هذه الاستخبارات بقرار أردوغاني ويسمح بتفرغ هذه الثلاثية لقتال داعش وجبهة فتح الشام حصراً.

طبعاً تنصل أردوغان من هذا الالتزام الذي صاغته لجان مشتركة من الأطراف الثلاثة، ومن ثم حاول إفشال الجولة الثانية من اجتماعات أستانا بعد تقدم قواته وعملائها باتجاه مدينة الباب، ما أوحى بأن أردوغان أخذ من هذه الشراكة المحدودة جغرافياً وزمنياً ما يطمح له جهة توفير غطاء سياسي دولي لاحتلاله أراضي سورية فكيف إذا كان هذا الغطاء من حليف أساسي للدولة السورية وأنه أدار ظهره الآن لالتزاماته وتعهداته كافة، ولعل البرودة التي طبعت التواصل الروسي-التركي قبل وخلال وبعد أستانا الثانية والهجوم السياسي الحاد وغير المسبوق الذي أطلقه أكثر من مسؤول تركي وفي مقدمهم أردوغان ضد إيران يشكلان دليلاً قاطعاً على ذلك.

من المؤكد أن أردوغان كعادته لا يدرك ثِقل الورطة التي سيضع نفسه وبلاده فيها في حال قرر التملص من تفاهماته مع بوتين حول سورية أو الانقلاب على تعاونه مع طهران في سورية والعراق، في وقت مازال يواجه فيه كره الأوروبيين نتيجة إغراقهم بأزمة اللاجئين وانعدام الثقة مع أنظمة عربية كالسعودية وقطر وصراعاً مع أخرى كمصر وعدم وضوح في العلاقة مع الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب الذي سعى مستشاره للأمن القومي مايكل فلين قبيل استقالته إلى تشكيل ما اصطلح على تسميته حلف «ناتو» عربي يكون له الدور الأساس كحليف لواشنطن في مقاربة الأزمة في سورية.

وكعادته أيضاً لا يدرك أنه يقف على رأس نظام الأزمات الدائمة الذي يحتاج إلى استعادة ثقة أصدقائه به إن وجدوا فعلاً كي يتمكن من كسب آخرين جدد ولكي يبقى لاعباً مؤثراً ومقبولاً في المنطقة.
وفي الحالات كافة، لا يمكن الوثوق بإخونجي فكيف إذا كان أردوغان؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock