مقالات وآراء

من جنيف إلى تدمر: بين «الصديقِ المخدوع» و«أم العروس»…

إذا كان أصدقاؤك من ورقٍ، فلا تعتَب على الريح. عبارةٌ سنستلهم منها لنقول: إذا كان حلفاؤك من ورقٍ.. فلا تعتب على القدر، لأن هزيمتك محتومة.

فجأة يقرِّر البرلمان الأوروبي سحبَ الحصانة من النائبة الفرنسية والمرشحة الرئاسية «مارين لوبين»، والسبب هو نشرها لصورٍ قالوا إنها تحض على العنف. في الوقت ذاته تفتش الشرطة الفرنسية منزل «فرانسوا فيون» والسبب لا يقل تفاهةً عن سابقهِ؛ البحث عن وثائق ومستندات، وكأن المتورط في الفساد سيخبّئ ما يدينه في منزله.

ختاماً تواصل «الواشنطن بوست» تقاريرٍها عما تسميه «روسيا غيت» لتذكر العالم بتقاريرها عن «ووترغيت» التي أطاحت بالرئيس «نيكسون» بهدفِ تعويم فضيحة اتصالات إدارة «ترامب» بالقيادة الروسية. الأمر فيما يبدو بطريقه نحو التصاعد وبطريقةٍ تهدف للنيل من ولاية «ترامب» منذ البداية. هنا يبدو السؤال الذي يفرِض نفسهُ في عمليةِ البحث عن الحقيقة:

ما الذي يجمع هؤلاء الثلاثة؟ ببساطةٍ ما يجمعهم أنهم قالوا إن التعاطي مع الأسد مفيد للقضاءِ على الإرهاب.

تخبطات كهذه تجعلنا مقتنعين أن «كذبة الديمقراطية» ليست القارب الذي تسير فيهِ الدول نحو الأمان. صدقَ من قال إن الديمقراطية تضطركَ للإصغاءِ للحمقى، لكن هناك ما هو أسوأ في الديمقراطية، فهي مثلاً تجعلُ قاتلاً يتجول برعايةٍ أممية، ومنظمةٍ إرهابية تنالُ جائزةً دولية. هي ذاتها من جعلت المنظمات الأممية أو الإنسانية تتحدث في كل مرة يخسر فيها الإرهاب منطقة ما عن استخدام السلاح الكيماوي، آخرها ما طالعتنا به منظمة «الصليب الأحمر» وبهذا التوقيت بالذات عن استخدام السلاح الكيماوي في معركة تحرير «الموصل»، هل هذا الطرح بريء؟! ختاماً فإن أسوأ ما في الديمقراطية عندما تكون واجهة لسيطرة الأحمق وتحكّمِه، لأنه سيقود محيطهِ نحو المجهول، أليس «أردوغان» في النهاية من يمثل هذه الواجهة؟

ربما ينطبق على «أردوغان» في هذه الأيام توصيفَ « الصديق المخدوع». المعادلة واضحة؛ إذ لا يمكن لك أن تحمل مشروعاً لتسيطر فيهِ على المنطقة وأنت تعتمد فيه على «أصدقاء» من ورق. ربما أن «أبا محمد الجولاني» أفاد أردوغان أكثر مما فعل «ملكَي آل سعود»، و«الخليفة البغدادي» خدم «أردوغان» أكثر مما خدمهُ «ابن موزة القطري» وقبلهُ «بعلها». لكن صدمة «أردوغان» لن تتوقف عند هذا الحد، بل إنها ستدخل رسمياً حدود الناتو.

من الواضح أن الأميركي سيتركهُ في الشمال وحيداً، لكن ارتفاع حدة الخلاف بينه وبين الأوروبيين أمر بات خارج حدود السيطرة.

يبدو هذا الخلاف تحديداً في شقه الألماني نتيجةً منطقية لضياعِ الأوروبيين وهاهم يدفعون الأثمانَ باهظة. الإرهابي الأول في المنطقة يصف الأوروبيين بأنهم يأوون إرهابيين، عبارةٌ لا يبدو أنها ستمر مرورَ الكرام في مسارِ العلاقات الأوروبية ـ التركية، وبمعنى آخر فإن الساسة الأوروبيين باتوا ينظرون لهذه العلاقة من جهةِ انتظار ما سيؤول إليه الاستفتاء القادم على منح «أردوغان» السلطات الكاملة.

لا تخفي مصادر أمنية أوروبية ترجيحها لفشل «أردوغان» بانتزاع السلطات كاملة، عندها سيتحول تدريجياً لمجرد سياسي منتهي الصلاحية. لكن يبدو أن ما يقلق الأوروبيين ليس نجاحهُ أو فشله، بل إن ما يقلقهم هي المرحلة التالية لنتيجة الاستفتاء لأن النجاح سيعني صداماً داخلياً مع ديكتاتوريةِ الأمر الواقع المدعومة بجيوشٍ من المتطرفين، والفشل سيزيد من الأزمة تعقيداً لأن «أردوغان» لن يتوانى عن الثأر من الذين خذلوه، لكن هل من سيناريو أصعب من هاتين الحالتين؟

الإجابة ببساطة نعم؛ ولعل التحضيرَ له يعود بنا لمسرحيةِ الانقلاب التي حكماً لم تكن مسرحية «أردوغانية»، لكنها كانت نوعاً من عملية التهذيب التي أرادها الأميركي لـ«أردوغان» بعد الخلاف على الموضوع الكردي. منذ ذلك الوقت قام «أردوغان» بكل ما يجب القيام به لتطهير الدولة ليس من المعارضين لسياساته فحسب والذين باتوا إما في السجون أو طالبي لجوء، بل من كل من يمكن أن يشكل خطراً على عمليات التزوير التي يجري التحضير لها تحديداً في السفارات التركية في الدول الأوروبية، وهي إشارات التقطتها العديد من الأجهزة الأمنية الأوروبية، لكنها تكاد تقف عاجزة عن منعها لأنه بالنهاية أمر «سيادي». هذا هو السيناريو الأسوأ الذي يريد الأوروبيون التحضير له فيما لو نجح «أردوغان» بإكماله، لأن هذا النصر الداخلي يريده حكماً بعد سقوطهِ الذريع على المستوى الخارجي فكيف ذلك؟

لم يكد «أردوغان» يصحو من صدمة عودة «تدمر» بيد «شجعان هذا العصر»، حتى جاءته الضربة الثانية المتمثلة باتفاق دخول قوات الجيش العربي السوري إلى «منبج»، ومن ثم منع «ميليشيا السلطان» في «الباب» من التقدم شرقاً أو جنوباً. المشكلة لا تبدو فقط بوصول الجيش العربي السوري لكنها تكمن أساساً بالاتفاق الذي تم بينه وبين «الميليشيا الكردية»، وهو ما يعني أن هذا الأمر قد يتابع في مناطق أخرى تحديداً أن إمكانية حدوث اتفاقيات كهذه ليست في النهاية أمراً مستحيلاً، هي فقط تتطلب من الطرف «الكردي» التخلي عن طموحاته الانفصالية، وكل ماعدا ذلك من مطالب سياسية أو اجتماعية قابلة للنقاش؛ كونهما يواجهان عدواً مشتركاً هو «أردوغان» وميليشياته من «داعش» إلى غيرها. ما جرى في «منبج» وقبلها «الباب» يثبت ماكنا نقوله: إن «أردوغان» لن يستدير ولن يتخلى عن طموحاته، فهناك فرق بين أن يُجبر على الاستدارة، أو أن يقتنع أن مشروعه فشل؛ أو أن يكمل حتى النهاية.

إن انتظار اقتناعه بأن مشروعهُ فشل، هو بمنزلة انتظار ملك «آل سعود» ليقدم لنا موجزاً عن فحوى أطروحته للدكتوراه. وانتظاره ليقتنع أن عليه أن يستدير حمايةً لنفسه ولتركيا في الوقت ذاته لا يقل مللاً عن سابقه، أي إن لغة القوة هي التي انتصرت في النهاية وليست السياسة والدبلوماسية، ومن لا يصدق عليه أن ينتظر ما ستفعله ميليشياته في «الباب»، هل سيذهب للمواجهة مع الجيش العربي السوري، أم سيتراجع؟

المشكلة الآن تزداد تعقيداً في طرف الحرب على سورية وهو ما يريحنا نوعاً ما. إن غياب الأوروبيين عن اجتماعات «جنيف» والحضور الأميركي الخفي يعطي إشارات ما، لكن ما يدل على أن «أردوغان» ليس مقتنعاً بفشله بعد ليس إصراره على لعب ورقة إدلب حتى النهاية بما فيها ترك الحرب المستعرة بين الفصائل الإرهابية تطحن الجميع، لكنه أيضاً بدأ فعلياً بتغذية الاقتتال الداخلي بين الأكراد؛ والدفع بـ«ميليشيا البرزاني» المدعومة من تركيا لتكرار عدوانها على قوات «حزب العمال الكردستاني» بطريقةٍ غير مسبوقة، وهي حكماً قابلة للتوسع، تحديداً أن «أردوغان» سيعنيه الشمال العراقي، بعد إخفاقه في الشمال السوري، فماذا ينتظرنا؟

لا يمكن لهذه الانتصارات العسكرية على الأرض إلا أن تترافق مع انتصاراتٍ دبلوماسية. ربما لم يُحْدث «جنيف4» أي خرق وهذا كان متوقعاً، لكنه حمل العديد من الانتصارات السياسية، أولها تحجيم «دي ميستورا» بالقدر الكافي، فهو كان في هذه المحادثات أشبه بالمثل الشعبي «مثل أم العروس» يتحرك بكل الاتجاهات من دون أي فائدة لتحركاته لأنه أساساً لا يعرف ما يريد، بل على الأمم المتحدة على أن تجد حلولاً لتصريحاتهِ المضحكة، من بينها حديثهُ عن تشكيلِ «حكومةٍ غير طائفية» على أساس أن الحكومات السورية هي حكومات طائفية أساساً! هذا التصريح يذكرنا بتصريحات «عادل الجبير» بأن نظام الحكم في سورية يجب أن يكون ديمقراطياً ويحترم الجميع!!

أما ثانيها فهو تعرية هذه المعارضات بصورةٍ فاضحة، على أملِ أن يأتي يوم ويقتنع فيه الجميع بما فيهم الأميركي ربما أنه لا يمكن لهذه المعارضات أن تشكل نداً للقيادة السورية، حتى لو أتت بوفدٍ واحد، وبمعنى آخر فمعارضات كهذه ستسقط بالتقادم ولا يمكن لها أن تتابع، والعودة حكماً للمعارضة الداخلية أومن ينزل عن سفينة المعارضة الخارجية.

إذاً؛ نحن في الطريق الصحيح، لكن الأهم أن نتابعَ في هذا المستوى، وإذا كان «الصديق المخدوع» سيدرك يوماً أن أصدقاءه من ورق، فإن هذه المقولة قد لا تنطبق عليهِ فقط، بل هناك من سيتبعهُ من حلفائهِ، بينما يحق لمن وثقَ بأن أصدقاءه من «المعدن الثمين» أن يقدم الغالي والرخيص لكي ينتصر، وسينتصر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock