مقالات وآراء

بانتظار أولويات ترامب

بعد الفوز غير المتوقع لمرشح الحزب الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترامب، مرة جديدة بدت سذاجة بعض الحكام العرب والشرق أوسطيين في المفاضلة بينه وبين المرشحة السابقة هيلاري كلينتون مضحكة وغير واقعية. فهؤلاء الذين اعتادوا بناء سياساتهم الخارجية على السعي لنيل الرضى الأميركي ومؤخراً الإسرائيلي، والذين لم يتمكنوا من نسج علاقات رعاية وولاء مع شعوبهم لأنهم حاولوا تطويع هذه الشعوب لتجنيدها خدمة لتلك السياسات باعتبار أن نيل الرضى المنشود لتأمين حماية أولئك الحكام يستوجب التضحية بالبلاد وبأهلها وبمقدراتها الحيوية وثرواتها الطبيعية بل بسيادتها على أراضيها واستقلالية قرارها.

على أن التجارب التاريخية لبعض النماذج من هؤلاء الحكام بدءاً من شاه إيران محمد رضا بهلوي وصولاً إلى الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك أظهرت أنه عندما تحين ساعة التخلي عن الحاكم المُعتَمد من الولايات المتحدة الأميركية أو من أحد حلفائها الغربيين فإن كل الخدمات والتنازلات التي قدمها سابقاً لن تشفع له.

الآن تبدو المسألة أكثر تعقيداً، فالتغييرات التي ستحملها نتائج الانتخابات الأميركية بعد فوز ترامب وشروعه في رسم السياسات الخارجية لإدارته وبالأخص منها الروسية والشرق أوسطية سيكون لها تأثير عميق في المنطقة والعالم لأن هذه الإدارة ستكون مجبرة على التعاطي مع وقائع ساخنة بل نارية في الكثير من بلدان المنطقة، كما أنها ستكون أيضاً أمام واقع عودة القطب-الند التاريخي: روسيا وبروز القوة الصاعدة اقتصادياً وعسكرياً: الصين ورغبتهما العملية بحفظ موقع لمصالحهما ولحلفائهما على خارطة العالم.

لكن العالم بأكمله مازال حتى اليوم في مرحلة تقدير النوايا الحقيقية للرئيس الأميركي الفائز أو يسعى لاستكشافها، فحملة ترامب الانتخابية لم تفصح عن أي من هذه النوايا أو الالتزامات التقليدية والأهم الرؤية الأولية لإدارته العتيدة تجاه القضايا التاريخية العالقة في المنطقة كالقضية الفلسطينية أو ما يميلون إلى تسميته «الصراع العربي-الإسرائيلي»! لذلك يعيش هذا العالم حالة انتظار لما ستكون عليه أجندة الأولويات الأميركية مع الإدارة الجديدة: هل هي التفعيل الجدي للحرب على الإرهاب وبالأخص «داعش» و«النصرة» ما يفرض تحالفاً أو بالحد الأدنى تعاوناً مع قوى أثبتت جديتها في هذه الحرب كروسيا وحلفائها وابتعاداً عن قوى ساهمت في تأسيسه وتمويله وانتشاره كالسعودية وتركيا؟ أم هي العودة إلى مقارعة الطرف الإيراني والسعي إلى المساومة على إجراء تعديلات جذرية على الاتفاق النووي الغربي-الدولي تطمئن الكيان الإسرائيلي والنظام السعودي معاً أو اقتصادية تفتح أسواق طهران أمام الشركات والمصانع الأميركية؟ أو هي ستكون اجتراراً لسياسة الإدارات السابقة التقليدية القائمة على رؤية قضايا المنطقة من المنظار الإسرائيلي ومقاربتها وفق معادلة الحفاظ على أمن كيان العدو ورسم خرائط لكيانات طائفية ومذهبية تبرر وجود ذلك الكيان وديمومته؟ أم إنها ستقدم معالجة المشاكل الداخلية الاجتماعية والاقتصادية والوظيفية وقضية الهجرة والأمن الداخلي على ماعداها من الأزمات الخارجية وخصوصاً بعد تصاعد الحديث في وسائل الإعلام والصحافة الأميركية كما وسائل التواصل الاجتماعي عن الحاجة إلى رأب التصدع والانقسام اللذين ظهرا بشكل واضح خلال الانتخابات الرئاسية وبعدها واللذين يُعبِر عنهما الشعب الأميركي يومياً من خلال التظاهرات المتواصلة ضد وصول ترامب إلى الرئاسة؟

هناك نوعان من المنتظرين: الأول، ينتظر بترقب دون القيام بأي عمل يقربه من تحقيق أهدافه على أمل أن يحمل له الآتي من واشنطن دعماً يوفر له نفوذاً واستمراراً، والثاني، يسابق الزمن ويقتنص فرصة انشغال خصمه أو عدوه بشؤونه الداخلية فيسعى إلى إيجاد وقائع تمكنه من فرض توازنات جديدة تفرض على الطرف الآخر التعاطي معها على أنها ثوابت دائمة..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock