مقالات وآراء

«المنصات المتحدة».. وجنيف!

هل ما زالت جنيف الممر الوحيد لإخراج تسوية أو حل سياسي للأزمة القائمة في سورية منذ أكثر من سبع سنوات؟ وهل الأطراف التي اجتمعت تحت عنوان «مجموعة العمل من أجل سورية» في الثلاثين من حزيران العام 2012 لإطلاق ما سمي «جنيف1» ما زالت تمتلك القدرة على إدارة الصراع ضد الدولة والشعب في سورية؟ وهل التوازنات الإقليمية والدولية التي أفرزتها الوقائع الميدانية لمصلحة الجيش العربي السوري وحلفائه في محور المقاومة والشريك الروسي، ما زالت تسمح لرعاة الإرهاب كما لأرباب المنصات «المعارِضة» أن يستحقوا حيزاً من تلك التسوية أو ذلك الحل بما يعطيهم مساحة في المستقبل السياسي والاقتصادي والإعماري في سورية؟

تساؤلات أساسية وغيرها، يفرضها الحراك السياسي الجدي الذي شكلت زيارة الرئيس بشار الأسد إلى روسيا ولقاؤه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأركان القيادة السياسية والعسكرية والأمنية الروسية في سابقة فريدة من نوعها، إشارة الانطلاق الأولى لهذا الحراك باعتبار أن صياغة الاتفاق على المفاهيم، وصياغة الآليات بين الحلفاء وتهيئة الأرضية المناسبة للعملية السياسية وفقاً لرؤية القيادة السورية، يمكن أن يؤدي إلى وضع أسس ثابتة لهذه العملية بحيث يتم ضمان نجاحها.

وكما حاولت الدول الراعية للمجموعات المسلحة المسماة «معتدلة» وتلك الإرهابية استغلال الوقائع الميدانية التي فرضتها، مع اجتياح هذه المجموعات للأراضي السورية في بدايات العام 2011 واستثمارها سياسياً في بيان «جنيف1» ومحاولة تكريسه في قرارات مشابهة في مجلس الأمن الدولي، من الطبيعي أن تفرض سورية وحلفاؤها، بعدما نجحوا في تبديل هذه الوقائع واستعادة الجزء الأكبر من الأراضي السورية ووضعها ضمن سيادة الدولة الشرعية، شروطها لاستئناف أي عملية سياسية وفقاً لهذه الوقائع التي تشير إلى قرب إنجاز التحرير الكامل من المجموعات الإرهابية كافة على اختلاف تسمياتها وأشكالها، وخصوصاً بعدما تم القضاء شبه النهائي على تنظيم داعش، وبعدما تمكنت القيادة السياسية السورية بدرايتها وحنكتها من استيعاب الهجمات الدبلوماسية في مجلس الأمن، كذلك المحاولات المتكررة في جنيف وغيرها من العواصم الإقليمية لجر هذه القيادة للاستسلام السريع.

لكن يبدو أن المنصات المتعددة التي ارتأت أن تتجمع وتتحد ولو مكرهة أو على مضض في الرياض، لم تصل إليها تحولات الميدان السوري ومعه الميدان العراقي الإستراتيجية التي أدت إلى إسقاط مشروع ما يسمى «دولة الخلافة الإسلامية» والانتصار على المراهنين عليه، والذين سعوا إلى الاستثمار فيه، ذلك أنهم أعادوا في بيانهم الأخير حول رؤيتهم لما يسمى التسوية السورية إنتاج البنود ذاتها التي تضمنها بيان «جنيف1» في صيغة تطغى عليها لغة التذاكي المكشوف، وتقديمها على أنها تسهيلات يجب أن يتلقفها النظام في سورية بإيجابية، ويقوم في المقابل بتنازلات يمكن أن تؤدي إلى التفاوض المباشر وفقاً للبيان المذكور.

يبدو أن هذه «المنصات المتحدة» لم تقتنع حتى الآن وعلى الرغم من النصائح التي قُدمت لها من أكثر من جهة أممية ودولية وإقليمية، بضرورة إسقاط بند المطالبة أو حتى الإشارة إلى حتمية رحيل الرئيس بشار الأسد كمقدمة لبدء مسار التسوية، وربط ذلك بآلية انتقال سياسي تُفضي إلى التسليم الطوعي للسلطة لأركان هذه المنصات، ولم تقتنع أن رهاناتها كافة قد سقطت، بل إن رعاتهم هزموا في أكثر من محور في ميادين الصراع في المنطقة، وإن مجرد جلوس وفد الحكومة الشرعية السورية على طاولة واحدة أو قبوله بالحضور معهم في كواليس المحادثات هو تعويم سياسي لهم ومنحة تقدم لهم مع أنهم لم يتمكنوا طوال سني الأزمة من اكتساب حيثية شعبية تفوضهم التحدث باسمها، رغم مئات الملايين من الدولارات التي صُرِفت عليهم، إضافة إلى ذلك فإنهم أدخلوا بنداً جديداً حول الدور الإيراني إلى بنود بيانهم، يدفع باتجاه تعقيد إمكانية التفاوض أكثر ويدخلهم في دائرة التجاذب الإيراني السعودي، التي تسعى الرياض إلى توسعتها وابتزاز طهران من خلالها لإيجاد مخرج لها من مستنقع الخسارة في اليمن كما حاولت أن تفعل مع لبنان.

قد يكون لقاء جنيف الجديد القديم بشروطه وعناوينه، محطة مفصلية في مسار البحث عن تسوية شبه مستحيلة في ظل عدم قيام أركان «المنصات المتحدة» بمراجعة نقدية واقعية، كذلك عدم إقرار رعاتهم بالمتغيرات التي باتت واقعاً مفروضاً على السياسة الدولية والإقليمية انطلاقاً من سورية والعراق، فهل رفضت القيادة السورية الرغبة الأممية في المشاركة في هذا اللقاء أم استمهلت لساعات لإنضاج ظروف أكثر واقعية تقود إلى ضغط من أجل مفاوضات أكثر جدية؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock