سوريةسياسة

الرئيس بشار الأسد في حوار خاص مع «الوطن»: حلب ستغير مجرى المعركة كلياً في كل سورية

| أجرى الحوار: رئيس التحرير وضاح عبد ربه

أكد الرئيس بشار الأسد، أن قرار تحرير كل سورية بما فيها حلب متّخذ منذ البداية، وأن عملية تحرير المنطقة الشرقية من مدينة حلب مؤخراً لا تأتي في إطار سياسي وإنما في سياق الأعمال العسكرية الطبيعية.
وفي مقابلة خص بها «الوطن»، أرجع الرئيس الأسد الذعر الدولي والخوف على المسلحين داخل الأحياء الشرقية من حلب، لأن خسارتهم المعركة في حلب تأتي بعد إخفاق معارك دمشق في السنوات الأولى من الأزمة، وبعدها إخفاق معارك حمص، معتبراً أن تحرير حلب من الإرهابيين يعني ضرب مشروع الدول الداعمة لهم.
ورأى الرئيس الأسد، أنه بالمعنى الاستراتيجي «من يربح من الناحية العسكرية في دمشق أو حلب يحقّق إنجازاً سياسياً وعسكرياً كبيراً، كونها مدناً هامة سياسياً واقتصادياً»، لكنه أوضح أن ذلك «لا يعني نهاية الحرب في سورية»، و«لكن محطة كبيرة باتجاه هذه النهاية»، معتبراً أن الحرب لا تنتهي في سورية إلا بعد القضاء على الإرهاب تماماً.
وأكد الرئيس الأسد، أن العلاقة مع روسيا قائمة على مبدأ «الاحترام المتبادل»، و«التشاور»، وقال: «هم يخوضون الآن معنا معركة حقيقية ضد الإرهاب، وفي هذه الحالة نحن وهم شركاء»، مؤكداً أن موسكو لم تطلب أي مقابل من دمشق لقاء تدخلها إلى جانب الجيش العربي السوري في حربه ضد الإرهاب. ولم يستبعد الرئيس الأسد حصول مواجهة عسكرية مع تركيا إذا استمر تدخل جيش النظام التركي في الأراضي السورية، وقال «طالما أن الذي يقود دفة السياسة التركية شخص غير سوي ومضطرب نفسياً، كأردوغان، علينا أن نضع كل الاحتمالات، عندما تتعامل مع شخص غير سوي نفسياً، فلا مكان للمنطق، المنطق يقول إنه ليس هناك أي مصلحة لسورية وتركيا إلا بالعلاقات الجيدة. والحس الشعبي في تركيا، كما في سورية، لا يزال بهذا الاتجاه، ولكن بالمحصلة عندما يكون هناك تدخل تركي، فمن حق سورية أن تدافع عن أراضيها».
وحول ما اعتبره الكثيرون بأن وصول العماد ميشيل عون إلى سدة الرئاسة هو انتصار لسورية ولمحور المقاومة، وإن كان يعتبر وصول العماد عون نصراً لسورية، أعرب الرئيس الأسد عن اعتقاده بأن «تمكن اللبنانيين من انتخاب رئيس هو انتصار للبنان»، وأن «انتخاب اللبنانيين لشخص حوله إجماع هو أيضاً انتصار للبنان، وأن يكون هذا الشخص وطنياً هو أيضاً انتصار للبنان». وأضاف: «ولكن عندما يكون شخصاً وطنياً ويعمل لمصلحة الشعب اللبناني سيصبح لبنان أقوى، وعندما يكون لبنان أقوى ستكون سورية مرتاحة وستكون أقوى». وتابع: «الأهم من ذلك عندما يكون هناك شخص كالعماد ميشيل عون يعرف خطر الإرهاب حول لبنان على اللبنانيين فهذا أيضاً سيكون انتصاراً للبنان وانتصاراً لسورية خاصة عندما يعرف هذا الرئيس بأنه لا يمكن للبنان أن يكون بمنأى عن الحرائق التي تشتعل حوله ويتبنى سياسة اللاسياسة أو ما سميت سياسة النأي بالنفس».
وأوضح الرئيس الأسد، أن العلاقة بين دمشق والقاهرة، بدأت تتحسن بعد زوال حكم الأخوان في مصر، وهي «مازالت في طور التحسّن»، لكن «لم تصل للمستوى المطلوب، لأنها حتى هذه اللحظة محصورة بالإطار الأمني فقط»، متمنيا أن تنعكس تصريحات الرئيس عبد الفتاح السياسي الأخيرة التي أكد فيها دعم الجيش العربي السوري في حربه ضد الإرهاب على «رفع مستوى هذه العلاقة».
وقال: «الشيء الطبيعي أن تكون هناك علاقات كاملة كأي دولة. من غير المعقول أن يكون لدينا سفراء وزيارات من دول مختلفة أجنبية وعربية، وألا تكون العلاقة مع مصر بهذا الشكل. هذا بالنسبة لنا غير منطقي».
وإن دخلت العملية السياسية في سبات حتى وصول إدارة أميركية جديدة؟، قال الرئيس الأسد: «إذا قلنا أنها دخلت في سبات فهذا يعني أنها كانت على قيد الحياة، هي لم تكن كذلك، فهي منذ البداية لم تُبنَ على أسس واضحة، العملية السياسية ليست حواراً سورياً سورياً بحسب ما بُنيت عليه»، مضيفاً: «هي لم تُبنَ على مفاوضات بين سوريين وطنيين وإنما بين سوري وطني وسوري عميل.. كل ما سبق جعل من العملية مولوداً ميتاً منذ البداية..».
وأوضح الرئيس الأسد أن سورية شاركت في هذه العملية السياسية «لكي نسد الذرائع ولكي نثبت للجميع بأن الدول التي تتحدث عن حل سياسي – الغرب تحديداً – هو غير صادق، نحن نعرف اللعبة، وشاركنا فيها لفضحها».
ورد الرئيس الأسد على الأسئلة المتعلقة بصمود الاقتصاد السوري والفساد والإعلام، كما أجاب بكل صراحة على العديد من الأسئلة الخاصة وكان هذا اللقاء:

معركة حلب
الوطن: سيادة الرئيس، نبدأ من حلب، الجيش يتقدم في الأحياء الشرقية من حلب وبسرعة، لكن هناك مساعي أميركية وأممية أيضاً، وهناك مفاوضات مع روسيا لوقف القتال كلياً في هذه المناطق، هل قرار تحرير حلب بالكامل اتُّخذ؟

قرار تحرير كل سورية متّخذ منذ البداية، بما فيها حلب. لم نفكر في أي يوم من الأيام بتركِ أي منطقة من دون تحرير، لكن تطوّر الأعمال القتالية في السنة الأخيرة هو الذي أدى لهذه النتائج العسكرية التي نراها مؤخراً، أي إن عملية تحرير المنطقة الشرقية من حلب مؤخراً لا تأتي في إطار سياسي وإنما في سياق الأعمال العسكرية الطبيعية.

الوطن: لماذا هذا الذعر الدولي والخوف على المسلحين داخل الأحياء الشرقية من حلب، علماً أن أغلبيتهم من «النصرة» المصنّفة على لوائح الإرهاب؟

هناك عدة أسباب.. أولاً، بعد إخفاق معركة دمشق، أو معارك دمشق في السنوات الأولى من الأزمة، وبعدها إخفاق معارك حمص التي كان من المفترض أن تكون أحد معاقل الثورة الوهمية، أو الثورة المفترضة، انتقلوا إلى حلب كأمل أخير بالنسبة لهم.. وميزة حلب بالنسبة للإرهابيين وداعميهم أنها قريبة من تركيا، وبالتالي فالإمداد اللوجستي إلى حلب أسهل بكثير من جميع النواحي، فكان كل التركيز خلال السنتين الأخيرتين على موضوع حلب، لذلك فإن تحرير حلب من الإرهابيين يعني ضرب المشروع من قاعدته.. فدمشق مع حمص وحلب، يعني ألا يبقى في يدهم أوراق حقيقية، بالنسبة لتلك الدول، وبالنسبة للإرهابيين طبعاً.

الوطن: هذا يقودنا إلى السؤال حول مقولة «من يربح معركة حلب يربح الحرب في سورية».. هذا ما يروّجه كثيراً الأتراك والأميركيون. هل هي مقولة صحيحة؟

من الناحية العسكرية، لنقل إنها صحيحة، لأن دمشق وحلب أهم مدينتين، فمن يربح من الناحية العسكرية في دمشق أو حلب يحقّق إنجازاً سياسياً وعسكرياً كبيراً، لكونها مدناً مهمة سياسياً واقتصادياً.. هذا بالمعنى الإستراتيجي. لكن بالنسبة إلى حلب، ولأن المشروع التركي مبنيّ عليها، فإن ذلك يعطيها أهمية خاصة.. وكلنا نعلم اليوم أن كل الدول الغربية والإقليمية تعتمد على تركيا في تنفيذ مشروعها التخريبي والتدميري في سورية، ودعم الإرهابيين.. فلأن تركيا وضعت كل ثقلها وأردوغان وضع كل رهانه على موضوع حلب، ففشل المعركة في حلب يعني تحوّل مجرى الحرب في كل سورية، وبالتالي سقوط المشروع الخارجي، سواء كان إقليمياً أم غربياً، لهذا السبب، صحيح أن معركة حلب ستكون ربحاً، لكن لكي نكون واقعيين لا تعني نهاية الحرب في سورية.. أي إنها تعني محطة كبيرة باتجاه هذه النهاية، لكن لا تنتهي الحرب في سورية إلا بعد القضاء على الإرهاب تماماً، فالإرهابيون موجودون في مناطق أخرى، حتى لو انتهينا من حلب، فإننا سنتابع الحرب عليهم.

الوطن: سيادة الرئيس، في هذا السياق هناك أسئلة يطرحها حتى الحلبيون، لماذا كل هذه الهدن المتكررة التي حصلت في حلب. طوال العام الماضي كان هناك هدنة تلو أخرى، هل كان ذلك لتجنيب الجيش معركة كبيرة، أم لفتح المجال لروسيا لخوض مفاوضات مع الولايات المتحدة وتركيا؟

إذا نظرنا إلى الهدن بشكل عام، فنحن كنا نسير دائماً مع مبدأ الهدنة، وذلك لأسباب عدة.. أوّلاً، الهدنة تفسح المجال للمدنيين للخروج من المناطق التي يحتلها الإرهابيون، تعطي المجال لإدخال المساعدات الإنسانية، وتعطي الإرهابيين فرصة لإعادة التفكير في موقفهم في حال أرادوا أن يقوموا بتسوية أوضاعهم مع الدولة، أو في حال أرادوا الخروج من المنطقة التي يحتلونها كما يحصل عادة.. الهدنة تعطي الفرصة للتخفيف من التدمير. وفي الوقت نفسه، نحن بالنسبة لنا من الناحية العسكرية، أولى أولوياتنا سلامة وأمان المقاتل.. فبكل تأكيد من كل هذه الجوانب، الهدنة لها فوائد، ولذلك كنا دائماً نسير باتجاهها، والمصالحات هي إحدى نتائج هذه الهدن.. من المؤكد أنها حققت نتائج على الأرض.. لكن لو أخذنا حلب بشكل خاص، فلأن حلب كانت أساس المشروع المعادي مؤخراً، فإن طلب الهدنة من القوى الأخرى لم يكن للأسباب التي ذكرناها الآن، بل كان لأسباب أخرى.. كلنا نعرف أنهم يريدون أن يعطوا الإرهابي فرصة لكي يتنفس، ولكي يقوي موقعه، ولكي يقوموا بإرسال إمدادات لوجستية له سواء عبر التهريب، أم تحت غطاء مساعدات إنسانية أو ما شابه، كل ذلك ليتمكن الإرهابيون من استعادة مواقع خسروها أو ليقوموا بالهجوم على الجيش وإكمال الخطط التي كُلفوا بها، لذلك كانت الهدن تفشل.. وفي الوقت نفسه، من الناحية السياسية، الهدن كانت بالنسبة لنا مفيدة لكي نثبت لكل من لديه شك بأن هذه الدول تكذب وأنها تريد هذه الهدنة ليس من أجل الشعب، وليس لأنها حريصة على وقف سفك الدماء، ولكن لأنها تريد شيئاً واحداً فقط هو تعزيز مواقع الإرهابيين.. لذلك كنا نسير معهم بالهدنة مع الأخذ في الاعتبار النيات الحقيقية لهذه الدول.. وعندما كانوا يقومون بأي عمل يضرّ بمبدأ الهدنة، كنا نعتبرها لاغية ونتابع الأعمال القتالية. هذا هو السبب بالنسبة للهدن المتكررة بشكل عام، ولكن بشكل خاص في حلب.

الوطن: إذاً، هل انتهت الهدن اليوم؟

عملياً غير موجودة طبعاً.. هم ما زالوا مصرّين على طلب الهدنة، وخاصة الأميركيين، لأن عملاءهم من الإرهابيين أصبحوا في وضع صعب.. لذلك تسمع الصراخ والعويل واستجداء الهدنة هو الخطاب السياسي الوحيد الآن، بالإضافة طبعاً إلى الحديث عن النواحي الإنسانية.

روسيا
الوطن:سيادة الرئيس، سأنتقل من حلب إلى العلاقات الدولية.. حتى الآن في الغرب يصورون العلاقة السورية – الروسية كعلاقة تبعيّة.. أن سورية تابعة لروسيا وأنه لم يعد هناك قرار مستقل في دمشق، بل القرارات تصدر كلها من موسكو. ما ردّكم على هذه الادعاءات؟

أولاً، دعنا نقُل بأن الغرب يُفكر بهذه الطريقة لأنه يعيش هذه الحالة، أنت تعلم بأن كل الدول الغربية الآن هي تابع لسيد واحد وهو الأميركي، وفجأة هذا المايسترو الأميركي يُحرك العصا، فيتحرك الكل باتجاه واحد سياسياً أو عسكرياً أو حتى إعلامياً، ما هذه المصادفة أن يكون الإعلام الغربي من أقصى أوروبا إلى أقصى أميركا يتحدث برواية واحدة، ما هذه الديمقراطية؟ وما هذه الحرية؟ فإذاً، هم يعيشون حالة تبعية وعلاقتهم بالدول الأخرى في منطقتنا أيضاً علاقة تبعية، المعروف أن أغلب الدول في هذه المنطقة هي تابعة لدول ومحاور غربية بشكل أو بآخر، فهم يتحدثون بهذا المنطق، أما بالنسبة لروسيا فنحن تعاملنا مع كثير من الروس الآن وفي الفترة الأخيرة، عدا عن معرفتنا بهم خلال عقود، عبر تاريخ العلاقة مع الاتحاد السوفييتي وروسيا لاحقاً، وخلال الظروف المختلفة التي مرت بها هذه العلاقة، وهي ظروف حملت تبدلات جذرية، لم يحدث مرة واحدة أن الروسي حاول أن يفرض علينا شيئاً، حتى في لحظات الخلاف ومنها كان الدخول إلى لبنان، ورغم اختلافنا مع الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت، ولكن لم يحاول أن يفرض علينا قراراً معيناً مع أننا كنا نعتمد عليه كثيراً وخاصة في موضوع السلاح، واليوم الشيء نفسه بالنسبة لجمهورية روسيا الاتحادية، هو ليس فقط مجرد أسلوب يعتمده الرئيس أو القيادة الروسية، هي ثقافة شعبية بالنسبة إليهم، عندما تلتقي بكل المستويات الموجودة لديهم وبمختلف القطاعات، لديهم ثقافة واحدة تقوم على الأخلاق.. وعلى احترام للذات وللسيادة، لذلك السياسة الروسية اليوم ترتكز على المبادئ، لأن هذه المبادئ هي حالة شعبية وثقافية موجودة. فعندما يقولون إنهم يؤكدون على قرارات مجلس الأمن، على سيادة الدول، على احترام الآخرين، على احترام إرادة الشعب السوري أو غير السوري، فهم يعكسون ثقافتهم ويطبقونها بشكل يومي ومستمر، لذلك أستطيع أن أؤكد مرة أخرى أنهم لم يقوموا بخطوة واحدة بسيطة أو معقدة أو أساسية أو كبيرة، بغض النظر عن التسميات، إلا وكانت بالتشاور مع سورية. طبعاً أغلب هذا التشاور يكون بشكل غير معلن، ولأن اللعبة اليوم هي لعبة دولية بين الغرب الذي يريد تحجيم وإحراج روسيا، وبين روسيا وحلفائها، لذلك تقوم روسيا بالإعلان عن خطوة أو اتفاق ما. وهنا قد يظهر بالنسبة للبعض أن القرارات تصدر من روسيا ولكن الواقع مختلف والعلاقة هي علاقة احترام متبادل، طبعاً، هم يخوضون الآن معنا معركة حقيقية ضد الإرهاب، في هذه الحالة نحن وهم شركاء ولا يمكن أن نقول إن القرار هو سوري فقط، والروس ليس لهم علاقة. أيضاً هذا كلام غير منطقي، هناك تشاور يومي، هناك اتفاق واختلاف ولكن بالمحصلة نتفق على قرار واحد، ونأخذ قراراً واحداً.

الوطن: سيادة الرئيس، في هذا الموضوع، هناك من يتساءل هل هناك ثمن ستدفعه سورية للمساعدة الروسية أو للتدخل الروسي على سبيل المثال؟ هذا حديث يدور في الشارع، هل الروسي يطالب بمقابل لتدخّله في سورية؟

نهائياً، لم يطالبوا بأي شيء، بالعكس نحن نريد أن نعزز هذه العلاقات وندعو قبل الأزمة وبعد الأزمة لاستثمارات روسية في سورية، وهم في المقابل لم يحاولوا استغلال هذا الموضوع من قريب ولا من بعيد. كما قلنا الجانب المبدئي هو أساسي في سياساتهم، وبالوقت نفسه الحرب على الإرهاب، هي ليست فقط حرباً من أجل سورية. هي حرب من أجل روسيا، وحرب من أجل العالم بشكل عام وأوروبا والمنطقة. الروسي واعٍ لهذا الموضوع على المستوى السياسي وعلى المستوى الشعبي، لذلك أعتقد إذا تحدثنا عن المبادئ فهي موجودة وإذا تحدثنا عن المصالح فهي أيضاً مصالح مشتركة بين البلدين. وهم قالوا هذا الكلام علناً، نحن نُدافع عن الشعب الروسي من خلال منع الإرهاب من المجيء إلى روسيا. قالوها في أكثر من مناسبة.

تركيا

الوطن:بالموضوع التركي، خلال فترة من الفترات سمعنا عن زيارة وفود أو وفد تركي بعباءة دبلوماسية، وحديث عن تحول في الموقف التركي، بعدها تدهورت العلاقات أكثر فأكثر وتدخلت تركيا في الأراضي السورية ووصفتم التدخل بالغزو، هل يمكن أن تصل الأمور اليوم إلى مواجهة عسكرية مع تركيا إذا استمر التدخل؟

ما دام الذي يقود دفة السياسة التركية شخص غير سوي ومضطرب نفسياً، كأردوغان، علينا أن نضع كل الاحتمالات، عندما تتعامل مع شخص غير سوي نفسياً، فلا مكان للمنطق، المنطق يقول إنه ليس هناك أي مصلحة لسورية وتركيا إلا بالعلاقات الجيدة. والحس الشعبي في تركيا، كما في سورية، لايزال بهذا الاتجاه، ولكن بالمحصلة عندما يكون هناك تدخل تركي، فمن حق سورية أن تدافع عن أراضيها، هذا شيء بديهي، وسنقوم بذلك طبعاً.. الآن هناك أولويات عسكرية تفرض نفسها ولكن بالمبدأ لنا الحق بالتأكيد، ولكن نتمنى أن يتمكن الواعون في تركيا حتى ذلك الوقت من دفع أردوغان باتجاه التراجع عن حماقاته ورعونته بالنسبة للموضوع السوري، عندها نتفادى مثل هذا الاصطدام، ويجب أن نعمل على ذلك.

الوطن: بعد توتر روسي – تركي عادت العلاقات إلى طبيعتها، وفي حوار سابق وصفتم أن العلاقات الجيدة بين موسكو وأنقرة مفيدة لسورية، لكن تضطر روسيا يومياً إلى تذكير تركيا بضرورة عدم التدخل في الشؤون السورية خاصة بعد التصريحات النارية لأردوغان حول سورية وحول سيادتكم شخصياً. هل تعتقدون أن العلاقة لا تزال مفيدة بين موسكو وتركيا وتخدم سورية؟ هل تعتمدون على روسيا لإقناع أردوغان؟

يبقى لدينا دائماً نوع من الأمل، رغم أنه في كثير من الأحيان أنت تعرف أنك قد لا تصل إلى نتيجة، خاصة من خلال معرفتي الشخصية بأردوغان، هو شخص غير سياسي، هو شخص عقائدي بالمعنى الديني المنحرف، وهذا النوع من الأشخاص عنيد، لا يمكن أن يقرأ الواقع بشكل صحيح. والأحداث خلال السنوات الخمس الماضية أثبتت هذا الشيء، لكن حتى هذا الأمل المفقود بأن يتغير أردوغان، لا يمنع من أن يبقى لديك شيء من بصيص الأمل بأن هناك من سيتمكن من تغييره، سواء كان من داخل تركيا أم من خارجها وخاصة روسيا، ولاسيما أن روسيا بالنهاية هي دولة عظمى ولديها حدود مباشرة مع تركيا، وتركيا لديها مصالح مع روسيا.. لا شك في أن اضطراب العلاقات بين البلدين أضعف أردوغان في الداخل وأثبت إخفاق سياسته. أعتقد بأن هناك ضغطاً على أردوغان من الداخل لتصحيح العلاقة مع روسيا. وبكل تأكيد روسيا ستستغل هذا الشيء من أجل إقناعه بالتخلي عن الإرهاب.

الولايات المتحدة

الوطن: يقول الرئيس دونالد ترامب في تصريحاته إنه ليس مهتماً بإزاحة الرئيس السوري عن السلطة والتدخل في الشؤون السورية، وإن هدفه محاربة داعش. هل تؤمنون أن هناك إمكانية للتعاون مع الجيش الأميركي في محاربة داعش، وخاصة أن اتفاق 9 أيلول الذي تم بين الروس والأميركان عطلته وزارة الدفاع لأنها تؤمن أن جبهة النصرة هي الجهة الوحيدة التي يمكن أن تستخدم لتهديد النظام في سورية؟

مبدئياً، منذ العام 1985، دائماً نقول بضرورة وجود تحالف ضد الإرهاب، ودائماً نصرح ونعلن بشكل مستمر بأن سورية مستعدة للتعاون مع أي طرف يسعى بشكل جدي لمحاربة الإرهاب. هذا بالمبدأ العام، وهذا ينطبق على أميركا، وينطبق على كل الدول.. ولكن واقعياً هل أميركا قادرة على الذهاب بهذا الاتجاه؟ إذا تحدثنا عن موضوع الذي ذكرته مؤخراً حول دور وزارة الدفاع والذي يظهر كأنه دور مناقض للبيت الأبيض، والبيت الأبيض يسير بسياسة مختلفة عن وزارة الخارجية. الحقيقة أن الدولة الأميركية في السنة الأخيرة ظهرت بوضع يشبه الفصائل المسلحة في سورية، عندما تتصارع من أجل الغنيمة والمكاسب، وهذا الأمر ليس بجديد لكنه بدا أكثر وضوحاً. لذلك ترى تصريح الصباح يختلف عن سياسة المساء، وسياسة المساء تختلف عما يقومون به من تطبيق لهذه السياسة في اليوم التالي وهكذا… والتصريحات متناقضة بين اللوبيات والإدارات، وتشعر بأنه لا سياسة محددة، هي صراعات. هذه حقيقة. هل يستطيع الرئيس الجديد أن يضبط هذه الأمور؟ هذا سؤال صعب الإجابة عنه. هل يستطيع أن يواجه الإعلام الذي هو جزء من منظومة الدعاية الكاذبة والمخادعة؟ هل انتخاب ترامب هو كرد فعل من الشعب الأميركي على المؤسسة السياسية القائمة؟ أسئلة كثيرة معقدة، إذا تمكن ترامب من تطبيق ما صرح به خلال الحملة الانتخابية بأنه سيحارب الإرهاب، وأن أولويته هي داعش، وتمكن من جمع كل القوى أو التيارات الأميركية والمؤسسات بهذا الاتجاه، عندها يكون هذا الكلام واقعياً. ولكن علينا أن ننتظر لنرى ما الذي سيحصل في أميركا.

فرنسا
الوطن:سيادة الرئيس، تتمة لموضوع انتخاب ترامب. منذ أيام فرانسوا فيون أيضاً حقق مفاجأة ونال أصوات اليمين الفرنسي، وهو المرشح الأقوى للوصول للإليزيه في باريس. والاثنان يريدان حواراً مع دمشق، هل كما يقال إن سورية محظوظة، أم إن ما يحصل هو سياق طبيعي للتغييرات على مستوى الرأي العام، وقد تكون ناجمة عن أخطاء سياسية ارتكبت في المنطقة؟

أنا لا أقول حظاً، وفي الوقت نفسه لا أقول إن المرء يسيطر على كل شيء. فكل شيء لا تسيطر عليه هو يأتي في إطار الحظ كمصطلح، ولكن هنا نسأل سؤالاً: هل يا ترى هذه التغييرات في أوروبا في الغرب هي نتيجة ما يحصل في سورية، أم نتيجة عوامل داخلية في تلك الدول؟ بكل تأكيد هناك عوامل داخلية قد تكون لها علاقة بيأس المواطنين من أشياء كثيرة مرتبطة بسياسات داخلية لديهم، ولكن في الوقت نفسه أحد أهم عوامل السياسة الداخلية الآن والحوار السياسي في أوروبا هو موضوع الإرهاب الذي بدأ يضرب أوروبا، وموضوع الهجرة إليها. هذه العوامل مرتبطة بشكل مباشر بما يحصل في سورية، لا يعني بأننا أرسلنا مهاجرين، ولا يعني بأننا أرسلنا إرهابيين، ولكن كنا نحذر من هذا الشيء، وخاصة موضوع الإرهاب، كنا نقول إنه سيضرب أوروبا، وكانوا يقولون الرئيس السوري يهدد. أنا لم أكن أهدد، بل كنت أحذر. فإذاً هذه الأشياء ساهمت في خلق استياء، ساهمت في كشف الخداع الغربي على مستوى الإعلام، وعلى مستوى السياسة والمؤسسات واللوبيات المرتبطة بها، وساهمت بالضغط الشعبي في الدول الغربية باتجاه التبديل. لا نستطيع أن نقول حظ. أيضاً لولا صمود الدولة السورية، ولولا صمود الشعب السوري قبل الدولة، لثبت للمواطن الغربي بأن الرواية الكاذبة هي حقيقة، ولكن أيضاً صمود سورية والشعب السوري بشكل عام هو الذي جعل هذه الرواية تفقد قيمتها وحقيقتها وفحواها، ومن ثم تؤدي إلى ما أدت إليه من نتائج، بالإضافة طبعاً إلى عوامل أخرى داخلية في تلك الدول لا علاقة لسورية بها.

الوطن: هل سورية مستعدة للانفتاح على فرنسا في حال تقدمت باقتراح لحوار مع دمشق؟

طبعاً عندما تتغير السياسة الأوروبية، نحن ليس لدينا مشكلة. نحن فعلاً نريد علاقة مع كل دول العالم بما فيها الغرب، رغم معرفتنا مسبقاً بنفاقه، وعندما كانت علاقتنا جيدة في 2008 حتى 2011، كان النفاق موجوداً. الغرب لم يتبدل. دائماً منحاز ومنافق. ولكن نحن نتحدث عن المصالح، مصالح الدول تتطلب علاقات.

لبنان
الوطن: في الشأن اللبناني، اعتبر الكثيرون أن وصول العماد ميشيل عون إلى سدة الرئاسة هو انتصار لسورية ولمحور المقاومة هل تعتبرون شخصياً وصول العماد عون نصراً لسورية؟

أنا أعتقد أولاً أن تمكن اللبنانيين من انتخاب رئيس هو انتصار للبنان، انتخاب اللبنانيين لشخص حوله إجماع هو أيضاً انتصار للبنان، وأن يكون هذا الشخص وطنياً هو أيضاً انتصار للبنان، ولكن عندما يكون شخصاً وطنياً ويعمل لمصلحة الشعب اللبناني سيصبح لبنان أقوى، وعندما يكون لبنان أقوى ستكون سورية مرتاحة وستكون أقوى، الأهم من ذلك عندما يكون هناك شخص كالعماد ميشيل عون يعرف خطر الإرهاب حول لبنان على اللبنانيين فهذا أيضاً سيكون انتصاراً للبنان وانتصاراً لسورية وخاصة عندما يكون هذا الرئيس يعرف بأنه لا يمكن للبنان أن يكون بمنأى عن الحرائق التي تشتعل حوله ويتبنى سياسة اللاسياسة أو ما سميت سياسة النأي بالنفس.

الوطن: هل تمت دعوته إلى دمشق؟
لا ليس بعد، الآن هم مشغولون بتشكيل الحكومة.

مصر
الوطن: سيدي الرئيس، كان هناك تصريحات منذ أيام للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حول أن مصر تدعم الجيش السوري في مواجهة الإرهاب. أيضاً كان هناك زيارة منذ فترة لمدير مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك إلى القاهرة. هل هناك تطورات جديدة في العلاقات مع مصر؟

بالنسبة للعلاقات السورية المصرية خلال السنوات الأخيرة، وخاصة خلال فترة الحرب على سورية، لا شك في أنها انحدرت لمستويات متدنية وخاصة خلال حكم الإخونجي مرسي في ذلك الوقت، ولكن حتى في ذلك الوقت لم تصل لدرجة القطيعة، ليس لأن مرسي لا يرغب، أو «الإخونجية» لا يرغبون، ولكن لأن المؤسسة الأمنية العسكرية لم تكن ترغب في هذه القطيعة، فبقي هناك قنصلية تعمل بالحد الأدنى من الموظفين. طبعاً بعد زوال حكم الإخوان في مصر، بدأت هذه العلاقة تتحسن وهي مازالت في طور التحسّن، وكانت زيارة اللواء علي مملوك، والتصريحات الأخيرة للمسؤولين المصريين وعلى رأسهم الرئيس السيسي، هي مؤشر لهذه العلاقة، ولكن لم تصل للمستوى المطلوب، لأنها حتى هذه اللحظة محصورة بالإطار الأمني فقط. من جهة أخرى، هناك قنصليات، هناك سفارات لكن لا سفراء، لا زيارات على مستوى الخارجية، لا تشاور سياسياً. عملياً لا تستطيع أن تقول إن هذه العلاقة طبيعية حتى الآن. طبعاً لا معوقات من قبل سورية، نحن نريد أن تكون هذه العلاقة طبيعية، ومصر بالنسبة لنا هي دولة مهمة، ونتمنى أن تنعكس تصريحات الرئيس السيسي على رفع مستوى هذه العلاقة. في الوقت نفسه نحن نعرف بأن الضغوطات على مصر لم تتوقف سواء من الغرب الذي يريد منها أن تلعب دوراً هامشياً باتجاه محدد، أم من بعض مشيخات الخليج التي لم تدخل التاريخ، وتريد من دولة تحمل واحدةً من أقدم الحضارات في العالم أن تكون مثلها. لذلك أستطيع أن أقول إن العلاقة تتحسن ببطء، ولكن الأفق ما زال محدوداً بالإطار الأمني.

الوطن:هل نحن بانتظار خطوة جديدة من مصر؟

نتمنى أن تسأل الدولة المصرية: ما المعوقات؟ لا نستطيع أن نجيب نيابة عنها. ولكن نعتقد بأن الشيء الطبيعي أن تكون هناك علاقات كاملة كأي دولة. من غير المعقول أن يكون لدينا سفراء وزيارات من دول مختلفة أجنبية وعربية، وألا تكون العلاقة مع مصر بهذا الشكل. هذا بالنسبة لنا غير منطقي، وخاصة لو ذهبت إلى مصر اليوم وسبرت المشاعر الشعبية باتجاه سورية، فستجدها حارة جداً.. وأكثر من قبل الأزمة بكثير. والشيء نفسه طبعاً من قبل الشعب السوري.

إيران
الوطن: سيادة الرئيس تحدثت عن موضوع الإخوان المسلمين. هناك استفسار مطروح منذ سنوات، كيف يمكن أن نفهم أن الحليف القوي لسورية وهو إيران لا تزال تتحاور مع الإخوان المسلمين ولديها علاقات ممتازة مع أردوغان، وفي الوقت نفسه هي حليفة لسورية وتقاتل معها، هل تتشاورون مع الإيرانيين في هذا الموضوع؟

طبعاً وفي كل التفاصيل. إيران دولة، والدولة تبني سياستها على المبادئ بالدرجة الأولى، ولكن العلاقات بين الدول ليس من الضروري أن تُبنى فقط على المبادئ المشتركة. بكل تأكيد ليس هناك مبادئ مشتركة بين الدولة الإيرانية والإخوان المسلمين، ولكن ضمن دور الدولة الإيرانية في خلق الاستقرار في المنطقة، فهي تسعى إلى فتح علاقات في كل الاتجاهات بما فيها مع الدولة التركية. أردوغان إخونجي، ونظامه يأخذ الاتجاه نفسه، مع ذلك فإن الحوار الإيراني التركي لا يتوقف. هذا لا يعني أن المبادئ والرؤى مشتركة، وإنما الجانب الإيجابي في هذه الحالة يشبه العلاقة الروسية التركية، هي محاولة تخفيف الأذى والضرر، الشيء نفسه هو حوار إيران مع الإخوان المسلمين، هي محاولة جلب هذه المجموعات ربما باتجاه أن يكونوا معارضة سياسية بعيدة عن الإرهاب.. وهنا نعود إلى النقطة نفسها، نحن ليس لدينا أمل أنهم سيتغيرون، هم كذلك منذ ثمانين عاماً، ولكننا لسنا ضد أي دولة أو جهة تحاول إبعاد هذه الجماعة عن الإرهاب وخاصة أنه في السابق، في الثمانينيات، هناك مجموعات خرجت من الإخوان ونبذت العنف، أي على المستوى الفردي هناك مجموعات عادت إلى سورية وعادت إلى الحالة الوطنية، وعاشت وماتت في سورية، فهذا الشيء ممكن على المستوى الشخصي ولكن يبقى بأمل محدود.

الوطن: ولكن إيران تدعم حماس أيضاً، وحماس كان لها دور ومشاركة في الحرب على سورية؟

نحن أيضاً كنا ندعم حماس ليس لأنهم إخوان، كنا ندعمهم على اعتبار أنهم مقاومة، وثبت في المحصلة أن الإخونجي هو إخونجي في أي مكان يضع نفسه فيه، وفي أي قالب يحاول أن يقولب به نفسه، وفي أي قناع يحاول أن يلبسه، يبقى من الداخل إخونجياً إرهابياً ومنافقاً.

الوضع في شمال سورية والأكراد
الوطن: في موضوع الشمال السوري، قلتم في لقاء سابق إن موضوع الحكم الفدرالي يعود للشعب أن يقرره، لكن على أرض الواقع هناك ملامح بدأت تتشكل للفدرالية في الشمال، ولا يزال موضوع الفصائل المسلحة الكردية موضوعاً جدلياً، فتارة تقاتل إلى جانب الجيش السوري، وتارة تقاتل الجيش السوري، ما الموقف الحقيقي من هذه الفصائل؟ وكيف تنظرون إلى تطور المشهد في الشمال؟

هذه الفصائل متنوعة، منها الوطني ومنها المرتزق، منها من يسعى باتجاه الانفصال والفدرالية. هناك تنوع، المشهد معقد جداً، لا نستطيع أن نأخذ موقفاً واضحاً وإنما حسب الحالة، الأولوية اليوم هي للتعامل مع الإرهاب، الآن نقول كل فصيل يكافح الإرهاب ويقاتل الإرهابيين نحن نقوم بدعمه.
موضوع الفدرالية موضوع آخر، يرتبط أولاً بالدستور، وثانياً بالحالة الشعبية في تلك المنطقة، لا الدستور يسمح بهذا الأمر، وتبديل الدستور بحاجة إلى استفتاء، ولا الحالة الشعبية تذهب بهذا الاتجاه، حتى بين الأكراد أنفسهم. القسم الأكبر من الأكراد ليس مع هذا الطرح، هم يستغلون غياب الدولة في عدد من المناطق في الشمال كي يوجدوا بنى محددة، اجتماعية ذات شكل سياسي لإدارة شؤون الناس، ويتحدثون عن فدرالية، هذه البنى مؤقتة، ولكن التعامل مع الفدرالية بالنسبة لنا لا يمكن أن يتم إلا بعد الانتهاء من موضوع الإرهاب، عندها ستعود المسألة للشعب، بالنسبة لنا كدولة كل ما يقبل به الشعب السوري نقبل به، ولا أعتقد أن الشعب السوري يقبل بالفدرالية في أي مكان في سورية، لذلك أنا لست قلقاً من هذا الطرح.

الوطن:لكن هل أنتم قلقون على مستقبل سورية عموماً في ظل حديث بدأ ينمو عن الطوائف والأعراق وحتى المبعوث الأممي بدأ يطرح حلولاً طائفية؟

قد تستغرب أني كنت قلقاً من هذا الموضوع قبل الحرب وليس بعد الحرب، ربما في السنة الأولى في الحرب نعم لأن هذا الطرح انتشر في المجتمع وتمكن من التأثير، ولكن بعد عام وبعد عامين، أصبحت الصورة واضحة. أنا أعتقد اليوم أن البنية الاجتماعية للمجتمع السوري أصبحت أكثر صفاءً من قبل الحرب، قبل الحرب كانت هناك شوائب طائفية وعرقية تنتشر بشكل خفي في عمق المجتمع، أما الآن فهذا المجتمع أصبح أكثر صفاءً لأن الأمور اتضحت له، وبات يميز بين التعصب والتديّن، بين الطائفية والتدين، وأصبحت الفروقات واضحة، وعرف المجتمع أن مصلحته في أن يقبل الجميع بعضهم بعضاً، وأن يحترم الجميع مختلف الأطياف الدينية والطائفية والعرقية في المجتمع السوري لأنها الطريقة الوحيدة لوجود سورية. لذلك أعتقد بأن الحرب على وحشيتها ومساوئها كان لها جوانب مفيدة للمجتمع السوري من هذه الناحية، لذلك علينا ألا نقلق، إذا تمكنا من ضرب الإرهاب فأنا أقول لك إن ذاك المجتمع سيكون أفضل بكثير من المجتمع السوري الذي عرفناه قبل الأزمة.

الوطن: في موضوع الزيارات التي تتم إلى سورية، كان هناك زيارات لوفود أمنية منها فرنسية ومنها ألمانية وبلجيكية، ومنذ أشهر قام مسؤول سوري بزيارة إلى إيطاليا، ما الذي يدور في هذه الاجتماعات؟ ما الذي يريدونه وما الذي تريده سورية؟ سمعنا أن سورية تريد فتح السفارات، ما حقيقة الأمر؟ لماذا يأتون إلى سورية طالما هم في حالة عداء؟
الذي حصل في الغرب أن القوى السياسية التي وقفت ضد سورية، القوى التي في الحكم طبعاً، ذهبت بعيداً في أكاذيبها، وعندما ثبت أن ما كنا نقوله صحيح وأنهم بدؤوا يدفعون ثمن الزلزال السوري والزلزال العربي بشكل عام، لم يكن لديهم المقدرة ليظهروا ويقولوا لشعوبهم نحن أخطأنا وعلينا أن نفتح علاقات مع سورية ونبدل موقفنا فبدؤوا بالحد الأدنى الممكن وهو إرسال الأجهزة الأمنية لسورية للتعاون الأمني معها من أجل حماية شعوبهم، في الوقت نفسه الذي يقومون فيه بدعم الإرهابيين في سورية، فقلنا لهم إن هذا الكلام غير منطقي، أولاً لا يمكن أن نساعدكم في المجال الأمني وأنتم تعملون ضدنا في المجال نفسه. في الوقت نفسه لا يمكن أن نتعاون معكم أمنياً وأنتم تعملون ضدنا في السياسة بالحد الأدنى.. طبعاً بعض الدول لا تدعم الإرهابيين مباشرة. ولكن بالحد الأدنى لابد أن يكون الغطاء لأي تعاون مؤسسي هو التعاون السياسي، فلا يمكن أن نسير معكم في المجال الأمني وتسيرون عكسنا في المجال السياسي. كل شيء هو انعكاس للسياسة، فتح السفارات لا يهمنا ولا يعنينا، بالعكس، سفاراتهم هي مراكز جاسوسية بالنسبة لنا في سورية، لا تعنينا على الإطلاق، ما يهمنا هو السياسات، إذا بدلوا سياساتهم واتفقنا معهم في السياسات وتأكدنا أنهم لا يعملون ضد مصلحة الشعب السوري عندها يكون هذا الكلام ممكناً. طبعاً معظم هذه الأجهزة الأمنية كانت لديها القناعات نفسها، والبعض منهم كان يعدنا بأنه سيذهب لينقل هذه الصورة ويحاول إقناع السياسيين، ولكن هذا غير ممكن، لأن هذا السياسي عندما يقول عكس ما قاله قبل سنوات سيظهر بأنه كاذب أمام ناخبيه، لذلك هو لا يفكر في مصلحة شعبه وإنما يفكر في انتخاباته المقبلة، فلم يحصل شيء ولم يكن هناك أي تعاون.

الوطن: هل ما تزال هذه الزيارات قائمة؟

نعم لم تتوقف، من وقت إلى آخر، ومن معظم دول العالم التي أخذت موقفاً ضد سورية.

الوطن: سيادة الرئيس، هم ذهبوا بعيداً في موقفهم هذا مسوّغ يستخدمونه دائماً وأن الاستدارة باتت صعبة جداً، لكن الجميع يبحث عن طريق للعودة – إذا صح التعبير – هل يمكن أن تسهلوا عليهم هذا الطريق؟

هذا السؤال طُرح مع عدد من الوفود الغربية والأجنبية التي استقبلتها، كنت أقول لهم: هم يريدون الحفاظ على ماء الوجه، لا مانع، هم صعدوا إلى الشجرة ويريدون منا أن نساعدهم في النزول، لا مانع. لكن على الأقل أي مسؤول يستطيع أن يوجد مئة مسوّغ منها أن يقول إنه يريد حماية شعبه من الإرهاب، وحماية هذا الشعب تدفعه باتجاه تحويل السياسة ليس لأنه كان مخطئاً ولكن لأن الظروف تبدلت، هم لديهم مئة حجة لو أرادوا ولكن هذا ليس مسموحاً لهم من قبل أميركا.
هم يريدون التقدم خطوات باتجاه الأمام ولكن الضغط الأميركي يعيدهم إلى نقطة الصفر في كلّ مرة. هم بحاجة للاستقلالية عن أميركا وهذا غير متوفر حالياً، ومن ثم فالحجج لا تكفي ومساعدتنا لهم لا تكفي فأميركا تضغط عليهم وتمنع كثيراً من الأشياء.

إسرائيل العدو
الوطن: سيادة الرئيس في نهاية هذا الملف السياسي الدولي، قبل الحرب على سورية، كان المعروف لنا في سورية أن لدينا عدواً واحداً هو إسرائيل، وكلّ جهدنا يصب في محاربة إسرائيل. اليوم بعد ست سنوات من الحرب على سورية هل من الممكن إضافة أعداء جدد لسورية رسمياً؟

كلمة عدو لكي تكون دقيقة مرتبطة ببلد يحتل أرضك وليس ببلد انتهج سياسة معادية، على سبيل المثال الآن لا يجوز أن نفترض بأن فرنسا عدو، فالشعب الفرنسي أعتقد أنه يتبدل الآن، هو يفهم بأن القصة غير صحيحة، وتقوم بزيارتنا وفود مختلفة، رسمية وشعبية، ويعبرون عن مواقف موضوعية جداً وأخلاقية جداً، لا نستطيع أن نقول إن هذه الدولة هي عدو. على حين إسرائيل تحتل الأرض السورية، وهذا موضوع مختلف. الشيء نفسه لدول الخليج، السعودية وقطر التي أخذت مواقف معادية جداً وعبر التاريخ كانت أحد أسباب بقاء إسرائيل وتفوقها في المنطقة. ولكن هذا لا يجعل الشعب في السعودية أو في قطر أو غيرها من الدول هو شعب عدو. لذلك أقول إن المسؤولين في هذه الدول ربما يضعون أنفسهم في خانة الأعداء ولكن وليس بمعنى الدولة أو الشعب. أما إسرائيل فتبقى هي العدو.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock