مقالات وآراء

إعادة إعمار سورية

كلما اقتربت سورية من تحقيق الانتصار النهائي على المجموعات الإرهابية ورعاتها، كثرت الاشتراطات الدولية وبالأخص منها الغربية أميركية كانت أم أوروبية حول الأثمان السياسية المفترضة لعملية إعادة إعمار سورية.
وانضمت إلى هذه الاشتراطات منظمة الأمم المتحدة التي أعدت أمانتها العامة وثيقة سرية في أواخر العام الماضي 2017 تضمنت المعايير التي ستعتمدها هذه المنظمة الدولية في تعاطيها مع عملية الإعمار، التي ترتكز على معادلة واحدة: المساهمة ممكنة في حال حصول التغيير المطلوب في السلطة.

أما الدول العربية وتحديداً منها الخليجية القادرة على دعم عملية الإعمار، فيبدو أنها لن تكون معنية ما لم تحصل على إذنٍ أو ضوءٍ أخضر من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول التي تستحوذ على أموال النفط وتتحكم بوجهات صرفها بما يتلاءم مع مصالحها وسياساتها الإقليمية.

خلاصة الأمر أن قرار المساهمة الأممية والغربية والعربية بيد واشنطن، كما بيدها مفاتيح خزائن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومعظم مؤسسات الاتحاد الأوروبي والمصارف الاستثمارية ناهيك عن الصناديق العربية للتنمية. ومن ثم فإن الاعتقاد أن السير بالعملية السياسية وفقاً لروح ومفهوم قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 سيكون كافياً لفك الحظر الدولي على صعيد الاستثمارات «الإعمارية» والتنموية والاقتصادية هو اعتقاد في غير محله، والتجربة الإيرانية في ما يتعلق بالاتفاق النووي خير مثال على ذلك.

بل على العكس من ذلك، فإن الولايات المتحدة الأميركية التي اعتادت أن تخوض حروبها في منطقتنا تحديداً لتوسيع دائرة وجودها الاحتلالي ونفوذها العسكري والسياسي بتمويل عربي-خليجي، تستمر في ابتزاز دول النفط الخليجية لتمويل حركة قواتها العسكرية وأجهزتها الاستخباراتية المحتلة للأراضي السورية، كما تستخدم أموال هذه الدول في تدريب وتسليح المجموعات الانفصالية الكردية بعدما قررت من جديد رعايتها وحمايتها والاستثمار فيها وعليها بهدف تعطيل استكمال تحرير جميع الأراضي السورية واستعادتها إلى حضن الدولة.

لذا فإن الحديث عن مصادر دولية وإقليمية لتمويل عملية إعادة الإعمار من خارج دائرة الحلفاء والأصدقاء الذين ساندوا سورية وضحوا معها ليس سوى ذر للرماد في العيون، ذلك أن إثارة هذا الموضوع من خلال تصريحات المسؤولين الأمميين والأميركيين والأوروبيين تهدف إلى ابتزاز القيادة السورية لجرها إلى تفاهمات سياسية أو بالأصح تنازلات لم يتمكنوا من الحصول عليها عسكرياً.

تعتقد واشنطن وحلفاؤها وأصدقاؤها أن اعتماد الوصفة التقليدية لإعادة الإعمار التي أظهرت جدواها في لبنان بعد الحرب الأهلية يمكن أن تؤدي إلى النتائج نفسها مع سورية وربما أكثر، لأن حجم الدمار والخراب الذي خلفته المجموعات الإرهابية على مساحة الجغرافيا السورية الكبيرة يتجاوز بكثير آثار الدمار والخراب في لبنان، كذلك فإن الأرقام التقديرية الأولى لعملية إعادة الإعمار في سورية التي تطلقها بين الحين والآخر مؤسسات ومنظمات دولية فيها الكثير من التهويل الرقمي بحيث تتفاوت بين 200 و400 مليار دولار أميركي، وهي أرقام غير علمية ولا واقعية لأنها تنطلق من تقديرات مُتخيلة وليس من مسح دقيق للمدن والقرى والأحياء التي عاثت فيها تلك المجموعات تدميراً وتخريباً.

غير أن الأهم أن تمويل إعادة الإعمار في لبنان لم يرهن فقط ثرواته الطبيعية الموعودة وموجوداته المصرفية لخدمة الدين العام الذي تجاوز فعلياً مئة مليار دولار أميركي، بل رهن مستقبل اللبنانيين وخصوصاً منهم الأجيال المقبلة وأغرقهم في منظومة فساد داخلية لا خلاص منها، والأكثر أهمية أنه فرض على لبنان الدولة سياسات أقل ما يقال فيها أنها «تسووية» في مواضيع تتعلق بأمنه القومي، ولم يكن ليلتف عليها لولا وجود المقاومة فيه.

وهو حال العراق أيضاً بعد الغزو الأميركي له مع فارق سلبي كبير يتعلق بعدم كفاءة السلطة الحاكمة في إدارة الثروات الطبيعية الهائلة والإمكانات الاقتصادية التي لم يتم استثمارها بنزاهة وشفافية ووطنية، إضافة إلى ارتهان بعض أركان هذه السلطة للراعي الأميركي ومراعاة مصالحه على حساب مصالح العراقيين ومستقبلهم.

يمكن القول إنه في الحالتين اللبنانية والعراقية تم استلاب إرادتهما الوطنية وقرارهما السيادي، ورهن اقتصاد البلدين وثرواتهما للقرار الخارجي الأميركي تحديداً المغلف بواجهات دولية.

وهو تحدٍ يواجه القيادة السورية لجهة الموءامة بين الحفاظ على الإرادة الوطنية والقرار السيادي من جهة، وتوفير إمكانيات عملية إعادة الإعمار ومقومات تحفيز الاقتصاد واستيعاب التداعيات الاجتماعية والمعيشية للحرب الكونية على سورية.

عملية إعادة الإعمار ليست موضوعاً مالياً واستثمارياً بحتاً، بل هي قبل ذلك كله قرار سياسي-سيادي تُحَدد من خلاله ماهية النظام السياسي في سورية على الصعيدين الوطني والقومي ودوره الإقليمي المرتجى بعد تلك الحرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock