مقالات وآراء

ماذا يحمل خطاب تيريزا ماي في مجلس التعاون الخليجي؟!

في الحربين العالميتين الأولى والثانية كانت لندن وباريس بوصفهما عاصمتي دولتين استعماريتين كبريين في القرن الماضي يتقاسمان السيطرة على الشعوب واحتلال بلدانها وكانت آخر حروب هذا الاقتسام هي حرب السويس عام 1956 حين شنت الدولتان حرباً مع إسرائيل ضد مصر ولم تتمكنا من الانتصار فعادت قواتهما إلى فرنسا وبريطانيا وأصبحت واشنطن في الستينيات والسبعينيات هي التي تقود القوى الاستعمارية وتوزع عليها الغنائم كما تشاء..

ويبدو أن هذا الوضع بقي على هذه المعادلة حتى هذه الفترة التي نشأ فيها الاتحاد الأوروبي وازداد عدد الدول الأعضاء فيه إلى أن قررت بريطانيا بعد الاستفتاء الانسحاب من الاتحاد أي التحرر من قيوده وممارسة اللعبة السياسية بحسب قواعدها الاستعمارية القديمة الجديدة دون أن تشاركها الدول الأوروبية فيما تحققه من هذه السياسة.. ولذلك كان من اللافت بأن تشق حكومة الانفصال عن الاتحاد طريقها نحو مستعمراتها السابقة في الخليج بموافقة ضمنية أميركية وكانت رئيسة حكومة بريطانيا أول مسؤول أجنبي يشارك في أعمال مؤتمر قمة دول الخليج السبع منذ تشكيله وكأن إدارة أوباما وافقت على تقاسم الأدوار والمصالح مع دول الخليج أو أنها سمحت لحليفتها البريطانية أن تكون مرجعاً آخر لهذه الدول مع المرجع الأميركي.. وأبلغت (تيريزا ماي) رئيسة الحكومة البريطانية رسالة واضحة لحكام الخليج حين قالت في خطابها: «وبينما تغادر المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي أعلن لكم عن تصميمي بأن علينا الإمساك بالفرصة المتوافرة للخروج إلى العالم وتشكيل دور عالمي أكبر لبلادي (بريطانيا) نعم من أجل بناء تحالفات جديدة وأكثر أهمية ومن أجل العمل مع أصدقائنا القدامى مثل حلفائنا هنا في الخليج الذين وقفوا معنا منذ قرون».

وأضافت: «وإن المملكة المتحدة تقف هنا اليوم لا لكي تعيد التأكيد على العلاقات معكم فقط وهذه لها قيمة تاريخية كبيرة ولكن لتجديد الشراكة التي تعد بشكل مطلق عاملاً أساسياً في مستقبلنا المشترك» وأبلغت (تيريزا ماي) حكام الخليج بأنها جاءت «لتأسيس شراكة إستراتيجية لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة وبناء مستقبل للأجيال المقبلة» وبدأت تعدد ما تريده قائلة «ولذلك دعوني أحدد بعض الطرق التي ستعزز فيها المملكة المتحدة علاقاتها مع المجلس ودعوني ابدأ بالأمن».
ولاحظ جميع المحللين البريطانيين أن خطابها أصبح تاريخياً لأنه خالف كل مألوف في قمم مجلس التعاون فيما تضمنه من برنامج بريطاني خليجي سيتحول على جدول عمل دول الخليج ولندن معاً بتنسيق وشراكة أميركية- بريطانية مشتركة.

وهذا يعني أن الدولة الاستعمارية البريطانية القديمة الجديدة تأتي الآن إلى مناطق مستعمراتها السابقة بشراكة أميركية وليس فرنسية كما شهد تاريخها الاستعماري في بداية القرن العشرين… ففرنسا ستخرج من قاعدة تقسيم النفوذ والمصالح البريطانية الأميركية وكأن بريطانيا كدولة كبرى تسعى إلى المحافظة على تحالفها المتين مع واشنطن على حساب دول الاتحاد الأوروبي أولاً ولكي تصبح مع واشنطن ثنائي القطب الأكبر العالمي أمام ثنائي القطب المقابل الروسي- الصيني تاركة أوروبا لأزماتها مع بعضها البعض واحتمالات تعرضها لاستقطابات وفرز أوروبي داخلي أو باتجاه الخارج..
ولذلك يلاحظ المحللون الأميركيون أن الألفية الثالثة أو القرن الواحد والعشرين قد يشهد تشكيل شراكة تحالفات متينة بين كتلة دول (الأنغلوساكسون) وهي الدول الناطقة بالإنكليزية- الولايات المتحدة- بريطانيا- كندا ونيوزيلاندا واستراليا- وإيرلندا.

ويبدو أن منطقة الشرق الأوسط ستحتل أهمية متزايدة في هذه الظروف لدى السياسة البريطانية بينما ستجد دول مثل تركيا أن المنطقة ستكون مفتوحة على كل الخيارات التي ستحول دون اشتراكها في عضوية الاتحاد الأوروبي وكأنها عادت إلى حالة «الرجل المريض» الذي تتنافس عليه دول كثيرة في ظل أزماته مع حلفائه من الأطلسي إلى واشنطن وبالمقابل تتعزز أسس التحالف القائم بين روسيا والصين ودول البريكس إلى جانبهما مع سورية وإيران والجزائر وتونس ومصر في المنطقة في ظل نمو متزايد في قدرات هذه الدول وحلفائها على المستوى العالمي.
أما فرنسا الدولة الاستعمارية التاريخية فقد أصبحت وحدها في أوروبا أمام ألمانيا المكبلة بشروط انتصار الحلفاء الأميركيين عليها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock