مقالات وآراء

لنتخيّل معـاً

الأحداث والمظاهرات التي تشهدها فرنسا تدفعنا جميعاً للبدء بإعمال الخيال الذي لا ينفصم عن الواقع كثيراً، ولكنه ينطلق من الصور التي تتدفق إلينا في كل يوم من ساحات باريس، ومن الطريقة التي تعاطت بها حكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهو شخصياً، مع مطالب شعبية ترتبط بارتفاع الضرائب، وزيادة الأسعار، وتغيرات جذرية في الاتجاهات الاقتصادية والاجتماعية التي اعتاد الفرنسيون مكاسبها تاريخياً، ويريد ماكرون الآن نسفها باتجاه سياسات أكثر ليبرالية، وأكثر خدمة للشركات الكبرى ولأصحاب الرأسمال الكبير على حساب الطبقات المتوسطة والفقيرة.
بغض النظر عن الاتجاهات التحليلية التي ذهبت في أكثر من اتجاه لحقيقة تفجر الأحداث في فرنسا ما بين الحديث عن أسباب اقتصادية اجتماعية وما بين «نظرية المؤامرة»، وأن ما يجري مخطط له، ويرتبط بعملية تفكيك الاتحاد الأوروبي كقوة اقتصادية عالمية بدأت تفكر بإنشاء قوة عسكرية مستقلة عن الهيمنة الأميركية، وحلف الناتو بسبب عملية الابتزاز العلني التي مارسها الرئيس الأميركي ترامب لدول أوروبا اقتصادياً وعسكرياً، الآن، وبغض النظر عن كل هذا لنتخيــــل معــــاً الآتي:
 تمويل ضخم يتجاوز الـ137 مليار دولار لتأجيج الأحداث وتشكيل تنسيقيات محلية فرنسية تمثل أصحاب «السترات الصفراء»، وتعطي معلومات ليست دقيقة عما يجري.
 إنشاء غرف عمليات في دول الجوار لفرنسا تضم أجهزة المخابرات، تقوم بإدارة عمليات مجموعات «السترات الصفراء»، وترسل السلاح لها لتدافع عن نفسها باعتبار أنها تمثل شعباً ثائراً على ديكتاتور اسمه ماكرون.
 الدعوة لاجتماعات عاجلة لإنشاء «مجموعة أصدقاء الشعب الفرنسي» من أجل وضع خريطة طريق لإنقاذ الفرنسيين المساكين الذين يتعرضون لقمع قوات الشرطة والأمن، وإصدار بيان يعبر عن القلق والرفض القاطع لعدم تلبية المطالب المحقة للشعب الفرنسي.
 عقد اجتماع طارئ لأطراف المعارضة الفرنسية لنظام ماكرون ينتج عنه تشكيل «المجلس الوطني الفرنسي» كبديل شرعي للسلطة القائمة في باريس، وفتح مكاتب له في موسكو وبكين، ودمشق وطهران، وغيرها من العواصم، بهدف تقديم الدعم السياسي والمعنوي للمساكين الفرنسيين.
 قيام الإمبراطوريات الإعلامية في العالم بشن حملات إعلامية مركزة من غرفة عمليات واحدة تستخدم المصطلحات نفسها مثل: نظام ماكرون، شبيحة ماكرون، كتائب ماكرون، الديكتاتور، مخابرات ماكرون، الجيش الحر الفرنسي،… إلخ، وتبث الدعاية المركزة التي تدعو فيها الفرنسيين للتمرد على السلطة الحاكمة، ورفض تسديد الضرائب والفواتير للحكومة الفرنسية، وتوسيع حركة «السترات الصفراء» باتجاه حركة عصيان مدني، وإضرابات، وعمليات تخريب واسعة.
 عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي لبحث تدهور الأوضاع في فرنسا، وإدانة القمع الذي يمارسه نظام ماكرون بحق الثوار الفرنسيين، والدعوة لإيجاد حل سياسي سلمي يجمع أطراف الأزمة الفرنسية، وتكليف موفد أممي خاص التوسط بين الأطراف الفرنسية.
 اجتماع عاجل لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية لتشكيل فريق تحقيق أممي للتأكد من المعلومات الواردة التي أرسلتها «منظمة الخوذ البيضاء» الفرنسية حول أن قوات الأمن الفرنسية استخدمت غازات سامة بحق المتظاهرين الفرنسيين ما يعتبر خرقاً فاضحاً للقانون الدولي، وتطوّراً خطيراً يدل على همجية النظام الحاكم في فرنسا.
 فتح حدود دول الجوار لفرنسا من أجل تدفق آلاف المقاتلين الناطقين بالفرنسية من سويسرا، وبلجيكا، وكندا، وأفريقيا، الذين لم يستطيعوا تحمل مشاهد القمع التي تمارسها أجهزة الأمن الفرنسية بحق الفرنسيين العُزل بهدف التضامن مع الشعب الفرنسي، ومساندته ضد نظام ماكرون الوحشي والديكتاتوري والمعادي للحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان.
 قيام «دويلة» قطر بدعوة معارضي الرئيس ماكرون لاجتماع عاجل بهدف تشكيل هيكل معارض جديد تحت مسمى «ائتلاف قوى التغيير السلمي» وتقديم الدعم المالي، والتسليحي لهم باعتبارهم قوى ديمقراطية تتعرض لقمع نظام وحشي ديكتاتوري يُشك بأنه استخدم الكيميائي بحق شعبه حسب معلومات «الخوذ البيضاء الفرنسية»، وهي منظمة مجتمع مدني بريئة جداً تقوم بإنقاذ أصحاب السترات الصفراء بعد أن تصبح حمراء قانية بلون دم الثوار الفرنسيين.
 البدء بتشكيل خلايا مسلحة من أصحاب «السترات الصفراء» تقوم بمهاجمة مراكز الدولة الفرنسية من قصور العدل، مراكز الشرطة، المنشآت العامة، قطع الطرقات العامة، تفجير محطات المترو، وقف التعليم في مدارس النظام الفرنسي، وتدريس منهاج موضوع في السعودية، وقطر، وتركيا، تعبيراً عن الرفض القاطع لممارسات النظام الفرنسي، ومهاجمة المتاحف وسرقة الآثار، إضافة للبدء بعمليات عسكرية تستهدف مقار وثكنات جيش النظام الفرنسي الفاشي الديكتاتوري… إلخ.
 مهاجمة وسائل الإعلام الفرنسية، وتفجير مقارها، واستهداف الصحفيين الذين لا يؤيدون ثوار الساحات وقوى المعارضة السلميّة لنظام ماكرون المتوحش.
 بدء انتشار مجموعات المعارضة الفرنسية المعتدلة، والمتطرفة والمعارضة المسلحة، والداخلية، والخارجية، ونشوء مجموعات وفيالق، وألوية ثورية تهدف لإسقاط ماكرون ونظامه تحت أسماء مختلفة مثل: الجيش الفرنسي الحر، جيش العزة الفرنسي، جبهة نصرة أهل باريس، مجموعة متمردي الجادة السادسة، جماعة ديغول الحرة، جيش ليون الأصفر، داعمو أردوغان الفرنسيين، فيلق الأمير تميم، لواء محمد بن سلمان لتحرير باريس، جماعة خاشقجي الانتحارية، تيار فرانسوا هولاند لتحرير فرنسا، جيش الأمة الفرنسي، كتائب برنار ليفي للربيع العربي، فصائل برنار كوشنير الكردية الفرنسية، جماعة لوران فابيوس (التيار الثالث)، سرايا آلان جوبيه للتبديل والتغيير ومن أجل فرنسا حرة أبية… إلخ).
 النقطة الأخيرة والطريفة أن برنار هنري ليفي الصهيوني الذي شجّع ودعم ما سُمي «ثورات الدمار العربي» عارض الحراك الشعبي في فرنسا، وأما برنار كوشنير، مؤسس منظمة أطباء بلا حدود، ووزير خارجية فرنسا الأسبق، فقد كان مشغولاً في القامشلي بلقاء «القادة العظام» المظلومين في شمال شرق الفرات، ولم يكلف نفسه عناء قطع زيارته للاهتمام بأحداث فرنسا، وهموم الشعب الفرنسي، لأنه كان يرتب «كومونة القامشلي» مع أصدقائه هناك من أصحاب مشروع «الانفصال والتفصيل» ومراهقي السياسة، الذين لا أدري إن كانوا قد سألوا كوشنير عن الأحداث في فرنسا، وعن الروح الوطنية الفرنسية التي يجب أن تظهر وتتبدى في مثل هذه الحالات باعتبارهم أيضاً يحملون روحاً وطنية سورية بحاجة إلى إحياء، ويمكن أن يكون الجانبان قد تبادلا الرأي بشأن منطقة الإلزاس واللورين التي قد تطالب بالانفصال عن فرنسا!
 فعلاً أمور مدهشة تحصل وتدفع الباحث للمقارنة فقط، وللتخيل، وإطلاق العنان لأفكار، وتصورات قد يجدها البعض أنها ليست واقعية، وينقدها بالقول: إن فرنسا دولة ديمقراطية ولديها أدواتها الداخلية للتغيير، وهي ليست دولة يمكن التلاعب بها كما حدث في البلدان العربية، كما أنها دولة قوية في النهاية، وتحظى بدعم جوارها، وأشقائها في أوروبا، وهذه الملاحظات النقدية قد تبدو صحيحة، ولكن عنوان مقالي هو: «لنتخيــــــل معــــاً» مجرد خيال لكاتب عاش ما عاشه من أحداث الجيل الرابع من الحروب في بلده سورية، ومن حقه أن يتخيل، ويتخيل فقط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock