اقتصاد

حمدان من “مرصد العمال”: الضريبة على المبيعات قادمة

تركزت المناقشات التي دارت خلال ورشة العمل التي أقامها المرصد العمالي للدراسات والبحوث حول السياسة المالية في سورية بين الواقع والخيارات الممكنة، وتناولت مجموعة من القضايا الاقتصادية والمالية المهمة حول

تحليل الحالة الراهنة للمالية العامة، وواقع التشريع الضريبي والبدائل المحتملة، وإعادة توزيع الدخل في ضوء السياسة المالية الحالية وتحليل الموازنة العامة وحوكمة الإدارة المالية، إضافة إلى السياسة المالية والبيئة الاستثمارية، وأثر السياسة المالية في القطاع الصناعي وكذلك أثرها في قطاع التجارة.

وأشار رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال جمال القادري إلى أننا ما زلنا نعيش أجواء الحرب ولم يستجد أي شيء فنحن في حالة حصار معلن وحرب معلنة، مضيفاً: نحن ندرك أن السياسة المالية في سورية هي من أهم السياسات وهي تعاني الكثير من جوانب القصور وبحاجة إلى إعادة النظر، لأن أهم ما يميز السياسة المالية أن تكون عادلة، متسائلاً: هل الآن هو الوقت المناسب للعمل على القوانين؟ مضيفاً: أهم ما نحتاج إليه اليوم هو أن نخرج بمفهوم جديد للضريبة وهو مفهوم الضريبة التنموية والخروج من مفهوم الضريبة الجباوية، إذا ماذا يمكننا أن نفعل، وتابع: هل نحن قادرون على إنتاج نظام ضريبي جديد؟ لأنه من غير المعقول أن يساهم عمال سورية بـ75 بالمئة من العبء الضريبي المباشر ولا ينعكس عليهم سوى 25 بالمئة، اليوم نحن لسنا بوضع يسمح بتطبيق النظريات الحالمة لأننا نريد أن نعيش الواقع كما هو.
اليوم أهم ما يواجه الوضع المالي هو فقدان الثقة بين المكلف والإدارة المالية، وهذا لا يأتي نتيجة تطور القوانين، والمسألة هي في الإجراءات غير السليمة.

ممنوع وجود الضابطة الجمركية في الداخل

من جانبه وزير المالية مأمون حمدان قال: هناك أولويات وضعتها الحكومة ومنها أن نعمل على توجيه الإنفاق وليس ترشيد الإنفاق، من خلال تحديد الأولويات لتخطي وطأة الحرب وتوفير متطلبات الحياة من خدمات أساسية بالاعتماد على الذات، رغم تأثر الموارد واضطرارنا إلى الاستيراد، وهذا أدى إلى ارتفاع نسبة العجز، مضيفاً: عملنا من خلال المشروعات عبر الوزارة على النهوض بالواقع الاقتصادي والخدمي، حيث تم رصد 40 مليار ليرة للمرة الأولى من أجل دعم الإنتاج، ومواجهة الفساد الفردي والإداري والعمل على إنجاز البرنامج التنموي لما بعد الحرب.
وأوضح حمدان أن نظام الضريبة في سورية ما زال يعتمد على الضرائب النوعية وهذا لم يعد موجوداً في العالم والحل أن نطور هذا النظام الضريبي الذي لم يعمل على ملف الوعي الضريبي، لأنه حتى الآن لا أحد يعطي الفاتورة النظامية في سورية إلا القطاع العام والقليل جداً من القطاع الخاص، وأغلب الناس لا يعرفون أنه لا علاقة لوزارة المالية بنظام الفوترة وهو من اختصاص وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك.
وكشف حمدان أن النظام الضريبي الجديد أصبح شبه جاهز على طاولة وزارة المالية وهو يقوم على وضع الضريبة على المبيعات باستخدام أساليب الدفع الإلكتروني، ولن يعتمد على البيانات التي يقدمها المكلف، بل سيتم اعتماد التحقق والجباة الإلكترونية، وتم تأمين البنى التحتية للدفع الإلكتروني، وكذلك يتم العمل على إصدار قانون البيوع العقارية، وسيكون البائع وحده من يتحمل دفع الضريبة فقط، اليوم هناك 660 بالمئة ضريبة البيوع العقارية والآن تم تخفيضها إلى 1 بالمئة، ولتنفيذ ذلك يتم تدريب الكوادر المالية في وزارة المالية للتقييم للعقارات في البلاد وفق أسس محددة وبذلك نبتعد عن الفساد وعن تجارة العقارات، كذلك يتم الآن مناقشة قانون الجمارك في مجلس الشعب.
وأوضح حمدان أن أغلب من يعمل في الاستعلام الضريبي هن من الجنس اللطيف، فكيف يكون هذا الجنس خشناً؟
أما ما يتعلق بموضوع انتشار دوريات الضابطة الجمركية على الطرقات والأتسترادات فأكد وزير المالية أنه أصدر قراراً منع بموجبه وجود الضابطة الجمركية في أي طريق داخل البلاد ويقتصر على المناطق الحدودية فقط، وأي دورية تقف في الداخل سوف تحاسب بشدة، أما المكافحة فمن حقها وفق ضوابط معينة الدخول إلى الأسواق والتعرف على البضائع ووجود الشهادات الجمركية وعملها منضبط لأن جميع من يعمل في المكافحة هم من أصحاب شهادات الفئة الأولى، وأنا أراقب عمل الضابطة الجمركية على الحدود بنفسي، وبخصوص التهريب، لا مهرب واحداً راجعني وأنكر قيامه بالتهريب بل كانوا يطلبون المساعدة فقط.

غياب الأرقام الإحصائية

تحدثت الدكتورة رشا سيروب عن تحليل الحالة الراهنة للمالية العامة، وعن مدى الانسجام بين السياسات المالية والمتغيرات والتطورات الأخرى، وشكت من غياب الأرقام الإحصائية التي يحتاج إليها أي دارس أو باحث مالي واقتصادي، لأن جميع الإحصائيات مقيدة والمتاح هو 2016، إضافة إلى تغييب البيانات المالية، إضافة إلى التحول الكبير في نسب الموازنة بين الجارية والاستثمارية حيث كانت قبل الحرب الاستثمارية 55 بالمئة والجارية 45 بالمئة أما الآن فقد بلغت الجارية 70 بالمئة والاستثمارية 30 بالمئة، إضافة إلى أن نسبة كتلة الرواتب والأجور في موازنة 2019 هي 17.35 بالمئة وهذه أقل نسبة تشهدها الكتلة خلال سنوات الحرب، وفعلياً نجد أن الدعم الحقيقي ممول من المواطن.
وأضافت: هذا الواقع يضعنا أمام سؤال مهم: هل اعتمدت الحكومة على التضخم لدعم موازنتها؟ ويتضح من خلال أرقام الموازنة أن الرقم الأكبر في الاعتمادات الاستثمارية مخصص لقطاع الكهرباء، والأمر اللافت للنظر أن هناك 55 بالمئة من الاستثمارات موجهة للحكومة على حين 45 بالمئة هي احتياطات استثمارية غير موزعة، في الوقت ذاته ما زالت مخصصات إعادة الإعمار هي ذاتها 50 مليار ليرة منذ عام 2014 حتى الآن.
وأشارت سيروب إلى بدء الإيرادات الجارية بالانخفاض إلى 35 بالمئة وعادت 2019 إلى 64 بالمئة، اليوم نجد أن الموازنة تمول بنسبة 52 بالمئة من الحكومة والقطاع العام و46 بالمئة من الأفراد و2.57 بالمئة من قطاع الأعمال وهي ضرائب شركات وقطاع أعمال، وهذا الرقم يجب التوقف عنده.
وبينت سيروب أنه نتيجة غياب العدالة الضريبية حيث تتوزع الضريبة إلى أرباح الشركات 22 بالمئة وهي أقل من المتوسط العالمي الذي يصل إلى 24.3 بالمئة، الحقيقة هناك تطور في معدل الضريبة بين أرباح الشركات والرواتب والأجور، حيث كان عام 2003، وأصبح 2018 المعدل 22 بالمئة أما الرواتب والأجور فقد كانت في عام 2003 15% الآن أصبحت 22% ولذلك نجد أن هناك انخفاضاً لمصلحة أرباح الشركات وارتفاعاً على الرواتب والأجور، علماً أن الفاقد الضريبي سنوياً يصل إلى 500 مليار ليرة سورية.
وكشفت سيروب أن التجارة الداخلية صرحت عن وجود 5100 شركة في سورية وهي التي يجب أن تدفع ضرائب حقيقية، لكن اليوم شركة واحدة فقط تدفع 18 بالمئة، وهذا يعني أن هناك الكثير من الشركات المتوقفة.

196 ألف ضريبة رواتب الأستاذ الجامعي

وتحدث رئيس قسم المحاسبة في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق الدكتور إبراهيم العدي عن واقع التشريع الضريبي والبدائل المحتملة قائلاً: ما يلفت النظر أن المسؤولين يتحدثون كما يتحدث الشعب، ونحن نرى أن التشريع الضريبي الحالي هو تشريع بالٍ عفا عليه الزمن وكان مطبقاً في فرنسا عام 1932 وطبق لدينا منذ 1949، وما نستغربه أن الحكومات المتعاقبة لماذا لم تبادر إلى تغيير هذا القانون؟ نحن ما زلنا نتبع نظام الضرائب النوعية وهو لم يعد مطبقاً إلا لدينا، حيث يصل معدل الضريبة إلى 93 بالمئة وهذا خلق لدى التاجر الكثير من أدوات التهرب وفي النتيجة يدفع ما يريد من ضريبة، اليوم لا تاجر سورياً يقدم بيانات ضريبية سليمة، ونستغرب أنه لغاية 2005 كانت شركات مساهمة تدفع ضريبة الدخل المقطوع ومنها الجامعات الخاصة.
وكشف العدي أنه كأستاذ في الجامعة يدفع سنوياً ضريبة دخل على راتبه 196 ألف ليرة، لأن أصحاب الدخل غير المحدود عدلت لهم الضرائب 15 مرة ولم تعدل لذوي الدخل المقطوع إلا مرة واحدة، أما التعويض العائلي فهو غير موجود بهذه النسبة المتناقصة إلا لدينا ومن يعتقد أنه بهذه النسبة سيساهم في تحديد النسل فهو واهم، أما القانون 60 لعام 2004 فقد شرعن الفساد لأن جميع مناقصات الدولة يتم حجز الضريبة عند المنبع واستفادت من هذا الجانب جميع لجان المشتريات.
وأوضح العدي أن هناك من يقبض 30 مليوناً راتباً شهرياً مثالهم مديرو فروع البنوك، مستهجناً وجود عقدين في الوقت نفسه عقد العمل وعقد الاستقالة وهذا أبشع استحقار للإنسان، وأنا أرى التهرب من التسجيل في التأمينات الاجتماعية هو أخطر من التهرب الضريبي، منوهاً بأن الأخطر هو رسم الإنفاق الاستهلاكي الذي يدفعه المواطن لكن صاحب المطعم يدفع مبلغاً مقطوعاً لا يشكل إلا جزءاً بسيطاً مما يتقاضاه من المواطن، مؤكداً أنه على الإدارة الضريبية أن تنحو باتجاه الضرائب المباشرة لأنها تعاني الضعف أما اقتصاد الظل الذي يصل إلى 40 بالمئة، فكل ذلك يجعل الاقتصاد السوري بلا هوية، للأسف الحكومة اشتغلت في القروض المتعثرة وكان الأولى بها أن تعمل على معالجة التهرب الضريبي.
واستغرب العدي عدم وجود أي تعاون بين الحكومة وجامعة دمشق والعلاقة متوترة بين الجامعة والجهات الحكومية، وطلب من الحكومة تطبيق المثل القائل: «قص صوف الكباش أسهل بكثير من سلخ جلد الحملان».

5 تريليونات ليرة ديون المركزي على المالية

الدكتور علي كنعان قال: تعد السياسة المالية محور السياسات الاقتصادية والاجتماعية لأنها تحول هذه السياسات إلى عمل وخاصة السياسة الاستثمارية، لدينا في سورية مصانع كبيرة تم تشجيعها بإعفاء 2 بالمئة ولأن التاجر لا يدفع الضرائب لم يعط هذا التشجيع أي نتيجة.
لقد تم تحديد هوية الاقتصاد قبل الأزمة بأنه اقتصاد السوق الاجتماعي وإقرار الخطة الخمسية العاشرة القائمة على الانفتاح الاقتصادي وفي 2008 حدثت صدمة الطاقة من خلال رفع أسعار الطاقة عدة أضعاف، كل ذلك كان في النصف الأول من العقد الماضي ما أثر بشكل مباشر في السياسة الاقتصادية والمالية، وأدى ذلك إلى تراجع 40 بالمئة من حجم الإنفاق الاجتماعي وتخفيض حجم الإعانة الاجتماعية وما أدى إلى الضرر الأكبر هو تراجع الإعانات لقطاع الزراعة ما أدى إلى تراجع الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، وهناك تراجع في توزيع الدخل في الموازنة حيث كانت الأجور 25 بالمئة عام 2000 بقيمة 217 ملياراً والأرباح 75 بالمئة أما 2010 الأجور 13 بالمئة بقيمة 360 ملياراً وارتفعت الأرباح إلى 80 بالمئة، وهناك الكثير من المشكلات في موضوع توزيع الدخل حيث كنا نستورد سنوياً بقيمة ملياري دولار ويدفع رسوماً جمركية 5 بالمئة علماً أن الرسوم تضاعفت ولكن لم تنعكس على الضرائب، لأن التهرب الجمركي لعب دوراً كبيراً في حرمان الخزينة من أهم مواردها، وللأسف فقد زاد عجز الموازنة من 900 مليار ليرة إلى تريليون ليرة بسبب تراجع حجم التحصيلات الضريبية وزيادة حجم الإنفاق، وتم تغطية عجز الموازنة من البنك المركزي الذي وصل الآن إلى 5 تريليونات ليرة سورية، وهذا تسبب في الضغط على سعر صرف الليرة السورية وفقدت الحكومة جزءاً كبيراً من الاحتياطي بمبلغ 14 مليار دولار.
وأشار إلى وجود مشكلة في توزيع الدخل حيث أطلقت الأرباح لنفسها العنان فصارت 300 بالمئة وارتفعت الأسعار 1100 بالمئة والجزء الأكبر من هذه الأسعار هي أرباح وعلى الرغم من كل ذلك فإن زيادة الأجور لم تتجاوز في أحسن الأحوال 80 بالمئة ما أدى إلى سوء توزيع في الدخل القومي، اليوم الأرباح 79 بالمئة على حين الأجور 21 بالمئة، والمقترح أن يتم تحديد سياسة مالية جديدة لمرحلة الأزمة ولكل مرحلة أخرى، ويجب أن تحدد أدوات هذه السياسة ومصادر التمويل الجديدة وأن تكون هذه المصادر علنية وواضحة والعمل على إقرار نظام ضريبي جديد وإقرار نظام الفوترة، أخيراً يجب أن نقول إنه إذا كان اقتصادنا هو اقتصاد سوق اجتماعي، فلماذا يحصل العمال على نسبة أقل من الدخل؟ الحقيقة أننا أمام اقتصاد ليبرالي منفلت.

محمود الصالح

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock