منوعات

ألفريد بخاش خطوة مشتركة لمزيد من الضوء على النحات والشخص … سعياً لتعبير الأمومة والحنو وتأكيد مبدأ الليونة عند المرأة .. رموز الثقافة والسياسة وجدت طريقها إلى منحوتاته وأخذت من روحه

| سعد القاسم

ورد في نهاية الحلقة السابقة أن البحث المؤسس عن فن النحت المعاصر في سورية الذي نشره الناقد طارق الشريف عام 1996 في مجلة (الحياة التشكيلية): لم يتضمن صورة لتمثال (الأمومة) الذي أنجزه ألفريد بخاش وتطرق إليه البحث. وأني لم أعثر على أي صورة لأي عمل نحتي لألفريد بخاش. ولا على صور لأي من أعماله التي نالت جوائز المعرض السنوي ثلاث مرات. بما يدل على أنه ما يزال ينقصنا الكثير لأجل كتابة تاريخنا الفني موثقاً.

اهتمامات متعددة

التعقيبات والإضافات التي قدمها- مشكورين– عدد من الأصدقاء على حلقة الأسبوع الماضي. استوجبت العودة ثانية للحديث عن الفنان ألفريد بخاش ذلك الفنان المتعدد الاهتمامات الإبداعية، الذي وصلنا القليل مما أنجز من لوحات ومنحوتات. فقد أرسلت السيدة هيام دركل- الأمين التاريخي لجناح الفن الحديث في المتحف الوطني بدمشق – قائمة بمقتنيات متاحف دمشق وحلب والرقة ودير الزور من لوحات ومنحوتات ألفريد بخاش. وإضافة إلى اللوحات الأربع التي عرضناها الأسبوع الماضي: (ذات الشعر الوردي- ذات الحزام الأحمر- نبع التل – زهور) وجميعها من مقتنيات متحف دمشق. ورد في القائمة أن متحف دمشق يضم أيضاً تمثالاً لرأس الفنان، وآخر لرأس جندي مجهول – أو (البطل) كما ورد في شرح صورة التمثال التي أرسلها د. عبد الرزاق معاذ – ولوحات (في الغاب – بدوية – منظر الربيع). ويضم متحف حلب لوحات (صورة سيدة – منظر- ذات الشعر الأحمر). وتمثالاً لرأس الدكتور محمد علي الناصر. وهناك لوحة (عند المساء) في متحف الرقة ولوحة (امير عربي) في متحف دير الزور.

التحوير والتغيير

وقد أرسلت السيدة لبنى حماد صورتين لتمثالي متحف دمشق. وكذلك صورة هي على الأرجح لتمثال (الأمومة)، حيث تتناسب مع قول الناقد طارق الشريف إن التمثال خضع «إلى التحوير والمبالغة فيه، عن طريق إطالة متعمدة من أجل تصوير حنو الأم على وليدها، أو من أجل تفضيل الليونة على الجمود، والرشاقة التي تقدم الإيقاعات الموسيقية التي يُعبّر الخط عنها، بتداخله وانسيابه». ويلتقي رأي طارق الشريف مع رأي الفنان والناقد محمود مكي الذي زار ألفريد بخاش في مرسمه في بيروت عام 1981 وأجرى معه مقابله خاصة. وكتب مقالة عن تجربته الفنية نشرها مع صور لوحاته التي زوده بها. حيث يرى محمود مكي أن أكثر مواضيع ألفريد بخاش «في النحت أو في الرسم الزيتي تتمحور حول (الوجوه) والشخصيات الشهيرة التي صنعها لعدد كبير من أصحاب الثقافة والعلم والنساء، وكانت هذه الأعمال الفنية مليئة بالحيوية بخطوطها الغنائية الرقيقة، وبرهافة الحس الفني لديه. وقد اعتمد فيها على إظهار الخصائص الداخلية للشخصية، ما أكسب أعماله الفنية في النحت أو في التصوير الزيتي خصوصيته الفنية التي تميز بها خلال حياته الفنية، وكان من أهم أعماله النحتية رأس الشاعر الحلبي الكبير علي الناصر».

حضور المعري والرموز

أرسل لي الدكتور عبد الرزاق معاذ صورة لإحدى لوحات ألفريد بخاش. والأهم منها أنه أرسل لي روابط من صفحة (بدايات الفن التشكيلي السوري حتى عام 1960) على الفيسبوك. تضم نصوصاً للسيدة مها حماض وصوراً التقطتها بعدستها للوحات ومنحوتات ألفريد بخاش منها تمثال لرأس أبي العلاء المعري عرض في السفارة السورية في باريس عام 1951 وتمثالين رأسيين للزعيم السياسي أنطون سعادة وللمحامي فتح الله الصقال.

تقول السيدة حماض: «لطالما تساءلت عمّن صمّم النصب الجميل ببساطته الفنية في مقبرة هنانو لأضرحة: الجندي المجهول والزعيم إبراهيم هنانو وسعد الله الجابري. وفي بحثي عن الفنان ألفريد بخاش، علمت أن المصمّم هو والد ألفريد: المهندس والفنان نديم بخّاش. وهو صاحب الأشكال الهندسية الرائعة فوق القبر والمتضمنة الآية القرآنية. والجدير بالذكر أن عائلة بخّاش قدمت العديد من الفنانين والأدباء أباً عن جد. فلقد قدّم الجد رزق الله من أفكاره أجمل الرسوم والزخرفات لمنسوجات الشهباء الشهيرة بالألوان الحريرية وبالقصب الذهبي والفضي بطريقة مبتكرة. وقد أرفقت السيدة حماض بنصها صور لوحات رسمها ألفريد بخاش لجده رزق الله ولأبيه نديم. ولوحة رسمها نديم لأولاده، وأولهم ألفريد».

الفنان المعلم

الأستاذ المهندس عبد العظيم العجيلي استعاد ذكرياته مع الفنان في تعقيب على الحلقة. فكتب:

«كان معلمي للرسم في التجهيز الأولى (ثانوية المأمون) بحلب منذ بداية الخمسينيات الماضية، وذلك عندما غادر غالب سالم التدريس فيها حين لمح في أعمالي الوظيفية الميل لمادة الرسم ليشجعني للانضمام مع مجموعة من المتقدمين ومنهم لؤي كيالي وفاتح مرعشلي وآخرون وسمح لنا بالدخول إلى قاعة المرسم في أوقات الفراغ والرسم وقت ما نشاء مما أزعج المدير الإداري في التجهيز المرحوم عمر كردي الذي كان يصر على تركيزنا لدراسة المواد العلمية، معتبراً أن الرسم (شخوطة) على حد تعبيره.

الفن والأناقة

كانت من مزايا الأستاذ بخاش تلك الأناقة في المظهر والتصرف حين كان يلقي تعليماته لنا نحن اليافعين من الطلاب عن كيفية التعامل الاجتماعي (الاتيكيت) وآداب السلوك عند ركوب الترمواي. والجلوس للأفضلية في حال وجود سيده أو سيدات، وطريق اللباس الرزين. وما زلت أذكر كيف دعاني في إحدى المرات للوقوف أمام الطلاب مثنياً على طريقتي في عقد (اللفاحة) حول عنقي مثلما كان يصر على أن نروس لوحات رسمنا عند كل وظيفة بالحديث الشريف وهو المسيحي:

«إن الله يحب أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه».

توطدت العلاقة الطلابية مع الأستاذ بخاش وتطورت مع مر السنين الدراسية إلى صداقة وزرته مرات في مرسمه في الشارع المتفرع من شارع القوتلي عند (المنشية القديمة) لأدهش بلوحاته الكبيرة والبورتريه للسيدات والمناظر (اللاند سكيب).

افترقنا بعد سنين حين سافر إلى بيروت وكنت فيها طالباً في الجامعة الأميركية عام 1961 لأبحث عن أستاذي القديم حيث كان مقيماً في بناية الحبال في رأس بيروت قريبا من الجامعة الأميركية. وكان لقاءً وحديثاً وذكريات في حلب والتجهيز وحنينا إليها وشكوى أنه غادرها مبتعداً عن الأوساط التي كانت السياسة هي محور نشاطاتها واهتماماتها ثم ليحدثني عن نشاطه الفني وأعمال الحفر على الزجاج ولوحاته الحديثة.

كانت تلك الزيارة آخر عهدي بألفريد بخاش أستاذي القديم بعد مغادرتي إلى الولايات المتحدة للدراسة. وأسفي أني لم ألتقته رغم زياراتي الكثيرة إلى بيروت وذلك بسب الحرب اللبنانية وهو الذي ترك في تكويني أثراً ما زال ماثلاً في الروح والنفس والتصرف. خلفته تلك الأيام مع مجموعة من نخبة الرواد في سورية. رحمه الله وطيب ذكراه».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock