مقالات وآراء

إسرائيل وإيران: المعركة المفتوحة.. حتى الآن

بقلم: أ. محمد جمال

نحن الآن في اليوم السادس من الحرب الإسرائيلية- الإيرانية، وبدأ المشهد يأخذ أبعاداً جديدة تشير إلى تحول نوعي في طبيعة الصراع وأهدافه، مع بقاء الأسئلة الكبرى معلّقة حتى إشعار آخر.

أولاً: المستوى المحلي (إيران وإسرائيل داخلياً)
في الداخل الإيراني، كانت الضربة الإسرائيلية المباغتة في اليوم الأول تهدف بوضوح إلى ما يتجاوز التدمير العسكري، بل محاولة زعزعة بنيان النظام من الداخل، وكان السيناريو الأقرب للمنطق أن تؤدي الضربات إلى فوضى داخلية عبر:
استهداف مركز القرار العسكري، باغتيالات مركّزة لقادة كبار في الحرس الثوري ووزارة الاستخبارات والدفاع الجوي، ما يُفترض أنه سيُربك منظومة القيادة.

تحريك المكونات المعارضة، من التنظيمات القومية (كالأكراد والعرب والبلوش)، إلى التيارات الإصلاحية القديمة والحديثة، وصولاً إلى جماعات منفية كـ”مجاهدي خلق” ودعاة الملكية.

لكن رغم الخرق الأمني الواضح، تمكّن النظام الإيراني من احتواء الموقف عبر سلسلة من القرارات السريعة، وتفعيل قيادات بديلة، إلى جانب رسائل تهدئة أُرسلت للتيارات الإصلاحية التي لم تنخرط عملياً في دعم التمرد، والرد العسكري السريع على إسرائيل منح القيادة الإيرانية زخماً شعبياً ولو محدوداً، وأفشل “حتى الآن” محاولة الانهيار الداخلي.

أما في الداخل الإسرائيلي، فالمواجهة مع إيران أصبحت “طوق نجاة سياسياً” لحكومة نتنياهو، أُسكتت المعارضة، وتراجع الحديث عن حل الكنيست، وانقلب المشهد من أزمة داخلية إلى لحظة وحدة وطنية، في استثمار سياسي ذكي من نتنياهو الذي قدّم الحرب كضرورة وجودية لا خيار سياسياً.

ثانياً: المستوى الإقليمي
في الإقليم، تبدو الكفة – من حيث الغطاء الرسمي – تميل لإسرائيل، والدول العربية لم تُظهر أي تحرك عملي لنصرة إيران، بل اكتفت ببعض بيانات الإدانة الشكلية، حتى “محور المقاومة” لم يتحرك بالحجم المتوقع:

حزب الله يبدو مشلولاً بعد تغييب نصرالله وظهور شروخ داخلية.

الحشد الشعبي في العراق يلتزم الحياد المعلن نتيجة ضغط مقتدى الصدر واتفاقات الحكومة مع الأميركيين.

سوريا بدت مشغولة بمنع امتداد الفوضى إليها، بينما الحوثيون وحدهم حاولوا لفت الأنظار ببعض الضربات المحدودة.

والأبرز إقليمياً هو الحضور النشط لأذربيجان، ما يهدد خاصرة إيران الشمالية، ويزيد من القلق الجيوسياسي في طهران، أما تركيا فتغلب عليها البراغماتية، وتعاطف إعلامي لا يتجاوز سقف توازن المصالح مع الغرب.

ثالثاً: المستوى الدولي

الدعم الدولي يبدو شبه محسوم لمصلحة إسرائيل، لأسباب متعددة:
الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب، تشارك عملياً في التنسيق الميداني، وتروج لخطاب تغيير النظام الإيراني بلسان البيت الأبيض نفسه.

الاتحاد الأوروبي، ورغم حذره المعتاد، يتماهى مع الخطاب الأميركي في تحميل إيران مسؤولية التصعيد، مع دعم واضح لتجميد أو تعطيل المشروع النووي.

روسيا منشغلة بأوكرانيا، لكنها لا تُمانع في بقاء الأزمة مشتعلة إذا ضمنت ارتفاع أسعار النفط، ما يصب في مصلحة اقتصادها المنهك.

الصين، على رغم علاقتها الاقتصادية بإيران، تفضل لعب دور الوسيط الحذر. وعلاقتها بإسرائيل تمنعها من الاصطفاف الكامل مع طهران، وتدفعها لدعم مسارات التهدئة إن طُرحت.

رابعاً: الأداء الميداني حتى الآن

من حيث الصمود: تُظهر إيران قدرة على التحمل بحكم الجغرافيا وعدد السكان، وتجربتها الطويلة في حرب الاستنزاف. أما إسرائيل فهي أكثر هشاشة من ناحية البنية التحتية والمساحة والتماسك السكاني، لكن فارق التفوق التكنولوجي يبقى لمصلحتها.

من حيث الضربات: إسرائيل حققت مكاسب تكتيكية كبيرة، من تدمير مواقع استراتيجية إيرانية إلى اغتيال شخصيات بارزة، لكن لم تتمكن حتى الآن من شلّ القدرة الصاروخية الإيرانية أو البرنامج النووي فعلياً.

الضربات الإيرانية، وإن كانت أقل دقة، إلا أنها أحدثت ضرراً معتبراً: شلل مؤقت في منشآت حيوية، استهداف مطار بن غوريون، وتسجيل موجات نزوح داخلية في بعض المناطق.

الإعلام والحرب النفسية: هنا تتفوق إيران نسبياً في الشفافية، بينما فرضت إسرائيل قيوداً صارمة على الإعلام المحلي والدولي. ويُعتقد أن ذلك هو نتيجة خشية من انهيار المعنويات في حال تسرب حجم الأضرار الفعلي.

خاتمة مؤقتة:

المعركة لم تُحسم بعد، لكن ملامحها بدأت تتضح:

إسرائيل نجحت في امتصاص أزمتها السياسية مؤقتاً، لكنها لم تنجح بعد في تحطيم النظام الإيراني.

إيران فشلت في توسيع رقعة الصراع إقليمياً، لكنها لم تُهزم.

ولا يزال هناك متسع للتصعيد أو التفاوض، والكل ينتظر لحظة التحول القادمة: هل تتوسع الحرب، أم تبدأ مرحلة “ما بعد النار”؟

حتى ذلك الحين، هذا هو المشهد.. حتى الآن.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock