الإعلام والوعي المجتمعي بين الحقيقة والتضليل

بقلم: هبة بدر الله
لم يعد التواصل مجرد تبادل كلمات وإشارات كما كان في بدايات البشرية، بل أصبح منظومة متكاملة تقودها وسائل الإعلام التقليدية والرقمية، وصولاً إلى شبكات التواصل الاجتماعي التي باتت الأداة الأكثر تأثيراً في تشكيل الرأي العام.
ويعرّف الباحث كارل هوفلاند الاتصال بأنه “العملية التي يرسل من خلالها الفرد مثيراً لفظياً بغرض تعديل سلوك الآخرين”. وهو تعريف يعكس حجم القوة الكامنة في الكلمة والصورة.
هذه القوة تجلت في وسائل الإعلام التي لم تعد تقتصر على نقل المعلومة، بل أصبحت أداة لصناعة المواقف وتوجيه الجمهور.
يتجلّى دور الإعلام في المجتمعات الحديثة في مجالات متعددة: سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وترفيهية.
فعلى سبيل المثال، أسهم الإعلام في تعزيز اللغة والثقافة، فيما لعب الإعلام الرقمي دوراً محورياً في فتح باب التعليم الإلكتروني عن بُعد. ومع التطورات الحاصلة، لم يتراجع تأثير الإعلام في الرأي العام، بل تحول إلى صانع له.
في ظل المتغيرات السياسية والاجتماعية التي تمر بها سوريا، ظهرت ونشطت منصات إعلامية عديدة على مواقع التواصل الاجتماعي تزعم أنها تقدم أخباراً ومعطيات صحيحة، لكن في واقع الأمر هي مشبعة بالأكاذيب، حيث لكل منصة جمهورها الذي تتوجه إليه، وتعرف كيف تخاطبه لجذبه ولحشد التأييد أو بهدف التحريض وبث الفتن.
كثير من هذه المنصات لا تسعى إلى كشف الحقيقة بقدر ما تسعى إلى صناعة قرار يخدم مصالح وتوجهات معينة دون غيرها، إضافة إلى الحسابات الوهمية التي تُقدر بالآلاف وفق تقرير لوزارة الإعلام.
هناك اختلاف كبير بين سوريا الواقعية والافتراضية، فإن ما يعيشه السوريون في واقعهم اليومي مغاير لما يُبث على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تضخّم الأحداث ويُراد للناس أن يروا بعضهم بعيون الكراهية والشك.
فالجمهور السوري الذي يفترض أن يكون الطرف المتلقي والناقد، أضحى ضحية هذا التلاعب الإعلامي إن لم يكن واعيا لما يُحاك ويُدبر له، فما يُراد منه أن يكون فاعلاً في تشكيل الرأي العام وناقدا ومحللا للخبر، ولكن الإعلام التخريبي يحاول تسييسه وطمس عيونه وكتم الصوت الحقيقي النيّر، مما ساهم في خلق بيئة خصبة لتكاثر الروايات المضللة والزائفة، حيث يعاد تدوير الأكاذيب حتى تصبح “حقائق” في نظر بعضهم.
ورغم هذا الواقع المفعم بحملات التضليل، يظلّ للإعلام الوطني دور أساسي في نقل الحقيقة والدفاع عن قضايا المجتمع، من خلال تقديم المعلومة الدقيقة، وتعزيز قيم الانتماء، وفضح الأكاذيب التي تبثها المنصات المشبوهة.
فالإعلام الوطني، بقدر التزامه بالمصداقية، يشكّل خط الدفاع الأول في مواجهة محاولات زرع الفتنة، ويساهم في تعزيز ثقافة الحوار والسلم الأهلي.
كما أن نشر التربية الإعلامية بات ضرورة لا يمكن تجاهلها، وخاصة بين الشباب وطلبة الجامعات والمدارس.
فامتلاك أدوات التفكير النقدي، والقدرة على التحقق من مصادر الأخبار، يساهم في تحصين الأجيال الجديدة من الوقوع في فخ التضليل. وهذا ما يحوّل المجتمع من متلقٍّ سلبي إلى فاعل قادر على حماية نفسه وصناعة وعيه.
لقد أثبتت التجارب أن الإعلام القادر على أداء دوره الإيجابي يساهم في تعزيز الوحدة الوطنية، ويشكّل مساحة لتلافي الوقوع في مصيدة الإشاعات، خصوصاً في أوقات الأزمات. وفي المقابل، فإن الإعلام المنفلت والمضلّل لا يجلب سوى الانقسام وإضعاف الواقع الداخلي وتمزيقه.
لذلك، تبدو الحاجة ملحّة اليوم إلى تعزيز الوعي الإعلامي لدى الجمهور السوري، فالعدالة والسلم الأهلي لا يتحققان إلا بإعلام مسؤول وجمهور واعٍ يرفض الكراهية والطائفية والانقسام، ويؤمن بأن قوة الكلمة تكمن في قدرتها على بناء الجسور لا هدمها، بهذا يُبنى واقع إعلامي متماسك ورصين.