البيئة مدخل جديد للدبلوماسية السورية

في وقت يشهد فيه النظام الدولي تحولات متسارعة على المستويين البيئي والسياسي، تمثل زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى البرازيل ومشاركته في أعمال قمة المناخ العالمية حدثاً ذا أبعاد متعددة، يحمل في طياته رسائل سياسية ودبلوماسية، كما تفتح الزيارة الباب أمام تعاون اقتصادي وبيئي جديد بين سوريا والبرازيل، ودول الجنوب العالمي عامة.
بعيداً عن السياسة (على الرغم من أهمية قمة المناخ كساحة لاستعادة دمشق حضورها السياسي على الساحة الدولية) فإن المناخ “كوب30″ تمثل فرصة لعرض رؤية سوريا في مواجهة تحديات التغير المناخي، ولا سيما أن البلاد عانت خلال العقد الأخير من آثار خطيرة ناجمة عن الجفاف والتصحر وتراجع الموارد المائية، وقد باتت هذه القضايا تمثل أولوية وطنية تتطلب التعاون مع المجتمع الدولي لإعادة تأهيل البيئة السورية المتضررة بالحرب، وهو ما أشار إليه الرئيس الشرع في كلمته خلال القمة بقوله:” إن سوريا واجهت خلال السنوات الماضية تحديات بيئية مركبة تراكمت آثارها على الإنسان والموارد معاً، فالجفاف المتكرر وتراجع الموارد المائية أثرا في الزراعة والأمن الغذائي”.
من المؤكد أن مشاركة الرئيس الشرع سوف تسهم في تعزيز موقع سوريا ضمن الجهود العالمية للتكيف مع التغير المناخي، وفتح قنوات للحصول على الدعم الفني والمالي من المنظمات الدولية، إضافة الى أن عرض مبادرات وطنية في مجالات الطاقة المتجددة والزراعة المستدامة سيعكس التزاماً سياسياً جديداً تجاه التنمية البيئية الطويلة الأمد، الأمر الذي بدا جلياً في تأكيد الرئيس الشرع بقوله “إن رؤيتنا الطموحة تتجلى في خطتنا لإعادة الإعمار والتعافي التي بدأنا بتطبيقها وعملنا على ترجمتها بسياسات وبرامج ومشاريع عملية ضمن إطار انتقال أخضر واضح نركز به على الطاقة المتجددة التي نحتاجها بشدة، ونعيد به تأهيل نظم الأنهار باستخدام تقنيات الري الحديثة ونبني به مدناً جديدةً مستدامةً تنهض من الركام بوسائل صديقة للبيئة ونطبق خططاً زراعية متوافقة مع المناخ تحفظ مواردنا وشعبنا”.
لا تنفصل القضايا البيئية عن الفرص الاقتصادية المرتبطة بالتحول الأخضر، وفي هذا السياق، يمكن للزيارة أن تمهد الطريق أمام استقطاب استثمارات في مجالات الطاقة الشمسية، وإدارة المياه، وإعادة الإعمار المستدام، وخاصة أن البرازيل تمتلك خبرة متقدمة في الزراعة الحديثة والوقود الحيوي، ما يجعلها شريكاً محتملاً في جهود سوريا لتحقيق الأمن الغذائي واستعادة الإنتاج الزراعي.
وفي سياق أوسع من التحولات في النظام الدولي نحو التعددية القطبية، يتجه العديد من الدول إلى تعزيز التعاون جنوب–جنوب كبديل عن النماذج الغربية التقليدية، وفي هذا الإطار يمكن لسوريا من خلال المشاركة في قمة المناخ، أن توثق روابطها مع دول مثل البرازيل وجنوب إفريقيا والهند، وهي دول تشكل محوراً مهماً في النظام الدولي الجديد.
إن حضور الرئيس الشرع في قمة المناخ يجسد رؤية سورية منفتحة نحو المستقبل، تسعى من خلالها الدولة إلى تعزيز التعاون الدولي في خدمة الإنسان والبيئة، وترسيخ مكانتها كشريك فاعل في الجهود العالمية الرامية إلى بناء عالم أكثر توازناً وعدلاً واستدامة.
الوطن