العناوين الرئيسيةمقالات وآراء

التسويق والتواصل في سوريا بين الواقع الراهن والآفاق المستقبلية

بقلم عامر فخري القصار

شهد قطاع التسويق والتواصل في سوريا أكثر من عقد من النزاع والعقوبات والضغوط الاقتصادية، لكنه ما زال يبرهن على قدرته على الاستمرار، إلى حد ما، فما زالت القنوات الإعلامية التقليدية مثل التلفزيون والإذاعة والصحف تعمل، إلا أن تأثيرها بات أضعف مما كان عليه في السابق. وتقتصر وظيفتها في معظم الأحيان على إيصال الرسائل الرسمية والتواصل المحلي، أكثر من كونها منصات للابتكار. وفي الوقت ذاته، لا يزال الإعلان الخارجي في المدن الكبرى والمبادرات المجتمعية المباشرة حاضراً، وإن كان بميزانيات محدودة وحملات قصيرة الأمد.

أما على صعيد العلاقات العامة فهي تُمارَس بحذر، من خلال التركيز على المبادرات المجتمعية والأنشطة ذات طابع اجتماعي، إضافة إلى الرعايات والمناسبات الثقافية. ونرى أن المنظمات الدولية تلعب دوراً بارزاً في هذا المشهد، إذ تقود حملات توعية في مجالات الصحة والتعليم والإغاثة.

وعلى الرغم من القيود المفروضة بسبب الرقابة والعقوبات ونقص الأدوات، فقد نجح هذا القطاع في تشكيل هوية محلية خاصة به، بغض النظر عن تأثيرها، حيث تكمن قوته في القدرة على التكيف، من خلال استغلال المنصات الرقمية والشبكات المجتمعية لإيصال الرسائل بطرق مختلفة. هذا المزيج من الإبداع القائم على الضرورة والتواصل المجتمعي سمح للتسويق والتواصل بالبقاء حاضرين وفاعلين، رغم الانقسام الذي يعيشه المشهد الإعلامي.

ومع ذلك، فإن السنوات الخمس إلى العشر المقبلة تحمل إمكانات كبيرة للتحول. فمع مزيد من حرية الرأي وبدء عمليات إعادة الإعمار وإعادة الاندماج التدريجي في الأسواق الإقليمية، من المتوقع أن يشهد القطاع توسعاً وتطوراً ملحوظين.

سيسهم انتشار التجارة الإلكترونية والتسوق عبر وسائل التواصل الاجتماعي في زيادة الحاجة إلى رواية قصص رقمية أكثر ابتكاراً، وإلى أساليب تسويق قائمة على الأداء والتحليلات. كما ستفتح الشراكات العابرة للحدود مع وكالات عالمية المجال أمام نقل خبرات دولية ورفع معايير المهنة.

وسيأخذ مجال العلاقات العامة والاتصال المؤسسي شكلاً أكثر تنظيماً، مع تزايد الحاجة إلى إدارة الأزمات وبناء السمعة والتواصل الشفاف مع أصحاب المصلحة.

كما ستتنامى أهمية الحملات القائمة على المسؤولية الاجتماعية، حيث ستسعى العلامات التجارية إلى بناء الثقة عبر المساهمة في التعليم والرعاية الصحية والتنمية الاجتماعية.

وفي الوقت نفسه، سيتوسع أيضاً نظام المؤثرين بشكل ملحوظ، حيث يمكن أن يتحول المؤثرون الحاليون إلى صانعي محتوى محترفين يمتلكون متابعين على مستوى إقليمي، مؤثرين في الثقافة الاستهلاكية.

أما الابتكار فسيكون عاملاً حاسماً أيضاً. فرغم محدودية الوصول إلى التقنيات المتقدمة في الوقت الراهن، إلا أن المستقبل يحمل فرصاً في مجال أدوات التواصل المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وإنشاء منصات رقمية محلية، وتطوير نماذج مبتكرة للحملات تتلاءم مع الواقع الاجتماعي والاقتصادي السوري. وستعكس اتجاهات هذا القطاع مسيرة التعافي الوطني الأوسع، حيث سيقوم بدور مزدوج باعتباره مرآة للتقدم ومحركاً للتجديد الثقافي والاقتصادي.

على مدى العقد المقبل، سيمتلك هذا القطاع القدرة على التحول إلى منظومة أكثر احترافية، رقمية الطابع، ومتصلة بالأسواق الإقليمية والعالمية. نحن نتحدث هنا عن إمكانات كامنة قد تجعل من هذا القطاع رافعة للتعافي الوطني وأداة لإيصال صوت الإبداع السوري إلى العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock