مقالات وآراء

الرئيس الأسد.. ثلاثية العروبة والإسلام والعلمانية

كتب كامل صقر

ربما ليس ثمة ما هو أبلغ من الصورة القادمة من جامع العثمان بدمشق، حيث المئات من دعاة وداعيات الإسلام في سورية يستمعون لكلمة غير مسبوقة من الرئيس الأسد، وربما الأكثر بلاغة هو الكلام الذي ألقى به الرئيس الأسد إلى مسامع الجميع عندما وازى بين مؤسسة الجيش والمؤسسة الدينية في حماية البلاد وصون ترابها ووحدتها. هنا تحديداً تنتهي التأويلات والاحتمالات حول المؤسسة الدينية في سورية، لتحل محلّها الأحكام الواضحة والقاطعة عن إيجابية وحقيقة هذا الدور، ولعل أبرز تجلياته كانت في محاربة الفكر المتشدد من جهة وتكريس الإسلام الصحيح من جهة أخرى. لا بل إن الرئيس ذهب أبعد من ذلك عندما دافع عن المؤسسة الدينية معلناً أن من يهاجمها إنما هو لا يعرف شيئاً عن دورها.

لا تخافوا على الإسلام، يقول الرئيس الأسد لكل أتباع هذا الدين في سورية وخارجها. لأنه لم يحصل عبر التاريخ أن عقيدة بهذا العمق والرفعة انهارت من هجوم خارجي، ولا يحتاج هذا الدين لمن ينصره فهو منتصر بنفسه وبتعاليمه ومقاصده. ثم يرمي الأسد الكرة في حديقة مريدي الإسلام وأتباعه منبّهاً ومحذّراً بأن الخطر على الإسلام قد يأتي من الداخل، من المتعصبين والمتشددين والمتخلفين.

خلال كلمته، حاول الرئيس الأسد اختصار ما في جعبته، لكن الزمن الذي يقاس بالدقائق يبدو قاصراً عن احتواء ما يريد رئيس البلاد قولَه، فذهَب على مدى أكثر من 70 دقيقة يُلقي بسيل غزير من الأفكار والمواقف والتقييمات والمقاربات الدينية الروحية والتاريخية حيناً، والمسيسة حيناً آخر، وراح يربط ما بين العروبة والقرآن والإسلام ورسوله، ويفصل بين الليبرالية الجديدة والعلمانية، ويجمع بين الدين والعلمانية. ويميّز بين المتدينين والمتطرفين.

المتدينون يجب أن يكونوا علمانيين، وغير المتدينين يجب أن يكونوا كذلك أيضاً. إذاً، العلمانية ليست حكراً لأحد وليست معياراً يقسم المجتمعات إلى شطرين بل هي حالة تجمع الكل بمرونتها وباستنادها لمبدأ الاحترام والقبول المتبادَل بين البشر وثقافاتهم ومعتقداتهم.. العلمانية ليست تياراً ولا حزباً وليست ملكاً لجماعة من دون أخرى، بل يجب أن تسري كمبدأ للعيش والحياة.

ثم ينقل الرئيس الأسد الليبرالية إلى مواطن أخرى خارج السياسة وخارج الاقتصاد والسوق، ليُضيءَ على الجانب المُستَحدَث والملغوم منها، الذي يتعلق بالمفاهيم والقيم غير السويّة أو الصحيحة، فيتحدث عن الليبرالية الجديدة التي تسوق الانحلال الأخلاقي وفرديّة الإنسان وانفصاله عن أسرته ومجتمعه… من جديد يُطلّ الدين درعَ حماية من كل ذلك عبر التمسك بمبادئه فكراً وسلوكاً.

يجزم الرئيس الأسد أن التفكير بفصل الدين عن الدولة يعني فصلاً للدولة عن المجتمع.. فلكل امرئ دينه وعقيدته التي تأخذ من قلبه وعقله ما يجعله مرتبطاً بها، ولكل امرئ دينه الذي يتمم له أخلاقه، فلا يستقيم أن تُصبح الأخلاق بديلاً من التربية الدينية.. هكذا يحسم الرئيس تلك المسألة. ويزيد على ذلك أيضاً بأن فصل الدين عن الدولة لا علاقة له بالعلمانية ولا علاقة له بمكافحة التطرف والإرهاب.

يفتح رئيس الدولة أوسع الأبواب لنقاش ديني مجتمعي عنوانه: العروبة الجامعة، والدين السليم، والعلمانية للجميع.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock