المعتصم الكيلاني: قرار مجلس الأمن المرتقب بشطب اسم الرئيس ووزير الداخلية من قوائم العقوبات محطة مفصلية تعيد لسورية موقعها الطبيعي

أوضح المختص بالقانون الجنائي الدولي والعلاقات الدولية المعتصم الكيلاني أن عقد مجلس الأمن الدولي جلسة اليوم لبحث مشروع قرار قدمته الولايات المتحدة الأمريكية يقضي برفع اسم الرئيس أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب عن قائمة العقوبات، تمثل من وجهة نظر موضوعية تطوراً إيجابياً في مسار التعامل الدولي مع الدولة السورية، وفرصة حقيقية يمكن أن تسهم في تعزيز الاستقرار الداخلي، وترسيخ الأمن الإقليمي.
وأكد الكيلاني في تصريح ل “الوطن” أن المبادرة الأميركية في هذا السياق تعكس إدراكاً متزايداً لدى المجتمع الدولي بأن سوريا، بعد سنوات الحرب والتحديات، باتت بحاجة إلى مقاربة مختلفة، تقوم على إعادة إدماجها ضمن المنظومة الدولية بدلاً من عزلها.
وقال الكيلاني:” هذا الانفتاح، إذا ما أُحسن توظيفه، يمكن أن يشكل مدخلاً لإعادة البناء الاقتصادي والمؤسساتي، وجذب الاستثمارات والمساعدات، وتعزيز قدرة الدولة على القيام بواجباتها تجاه المواطنين، بما يعيد الثقة بين المجتمع والدولة ويخفف من الضغوط المعيشية ويكرس الأمن على المدى الطويل”.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة تدرك ومعها القوى الفاعلة في مجلس الأمن أن استقرار سورية بات ضرورة استراتيجية للمنطقة بأكملها، قائلاً: “لذلك فإنّ مبادرة رفع الأسماء تأتي مقرونة بجملة من الشروط والمعايير التي تشكل إطاراً عاماً لأي انفتاح مستقبلي. وتشمل هذه الشروط التزام الحكومة السورية الكامل بالتخلص من أي مخزونات متبقية من الأسلحة الكيميائية، وضمان ألا يتولى مقاتلون أجانب أو عناصر من الفصائل غير النظامية مواقع داخل مؤسسات الدولة، إضافة إلى التعاون في ملفات الرهائن والمفقودين الأميركيين ومنهم الصحفي أوستن تايس، والمشاركة الفاعلة في جهود مكافحة الإرهاب ومنع أي تنظيمات متطرفة من إيجاد موطئ قدم داخل الأراضي السورية. كما تشدد واشنطن على أهمية تحسين سجل حقوق الإنسان، واعتماد مقاربة جديدة في الحوكمة والإدارة تقوم على الشفافية والمساءلة، بما يعزز ثقة المجتمع الدولي ويؤسس لعلاقات اقتصادية وسياسية مستقرة”.
وتابع الكيلاني :”في المقابل، تستطيع الحكومة السورية أن تُحوّل هذا التحول السياسي إلى رافعة وطنية حقيقية إذا ما ربطته بخطوات عملية واضحة. وفي مقدمة هذه الخطوات وضع خطة وطنية شاملة لإعادة الإعمار تأخذ في الاعتبار الأولويات الخدمية والمعيشية للمواطنين، مع ضمان شفافية الإنفاق وإشراك المؤسسات الوطنية والمجتمع المحلي في التخطيط والتنفيذ، كما أن إعادة دمج المقاتلين السابقين ضمن برامج تأهيل وطنية وتحت إشراف أممي يمكن أن تسهم في طي صفحة الصراع، وتعزيز الأمن المجتمعي، ويُعدّ تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب وتطوير الأجهزة الأمنية وفق معايير قانونية وإنسانية خطوة ضرورية لترسيخ الاستقرار الدائم”.
وشدد الكيلاني على أنه “وفي هذا السياق، يبرز ملف العدالة الانتقالية الشمولية كأحد أهم المداخل لترسيخ السلام الاجتماعي والمصالحة الوطنية، فإطلاق مسار وطني حقيقي للعدالة الانتقالية يتيح كشف الحقيقة، ومساءلة المتورطين في الانتهاكات، وتعويض الضحايا، وإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، ويمكن تحقيق ذلك بما يعيد ترميم النسيج الاجتماعي ويمنح المواطنين شعوراً بأنّ العدالة تتحقق ضمن إطار وطني جامع، لا انتقامي ولا إقصائي.
وقال :” إنّ إشراك جميع السوريين والسوريات في صناعة القرار الوطني يشكّل حجر الأساس لأي عملية سياسية أو تنموية ناجحة، فهو الضمان الحقيقي لوحدة البلاد وتماسكها الاجتماعي، فالتجارب الحديثة أثبتت أن الاستقرار لا يتحقق إلا حين يشعر كل مواطن ومواطنة بأنّ صوتهم مسموع وأنهم شركاء فعليون في رسم مستقبلهم، مشاركة النساء والشباب والنخب المحلية في صياغة السياسات تعني بناء دولة أكثر عدالة ومرونة، قادرة على مواجهة التحديات بروح جماعية ومسؤولية مشتركة.
وبين الكيلاني:” أن سورية الجديدة التي يسعى الجميع إليها لا يمكن أن تُبنى إلا بتضافر جهود جميع أبنائها وبناتها، على قاعدة المساواة والمواطنة والانتماء الوطني المشترك”.
وختم :”إنّ هذه الخطوات مجتمعة — من تعزيز الشفافية والإصلاح الإداري، وتفعيل العدالة الانتقالية، وتوسيع الشراكة الدولية في مكافحة الإرهاب، وصولاً إلى التركيز على التنمية الاقتصادية وخلق فرص العمل — كفيلة بأن تجعل من القرار الدولي المرتقب ليس مجرد رفع أسماء من قوائم، بل محطة مفصلية تعيد لسورية موقعها الطبيعي كركيزة للاستقرار الإقليمي وعضو فاعل في التحالف الدولي ضد الإرهاب.
وإذا ما التزمت الحكومة السورية بهذا النهج المتوازن، فإنّ المبادرة الأميركية يمكن أن تتحول من إجراء سياسي إلى بداية مرحلة جديدة تُكرّس فيها سوريا دورها كدولة قوية، مسؤولة، ومتصالحة مع ذاتها ومحيطها، بما يخدم أمنها الوطني ويعزز مكانتها الإقليمية والدولية”.
الوطن