الودائع المحتجزة ..تناقض تصريحات المركزي مع السياسات النقدية

أزمة المصارف السورية ليست طارئة بل تجسيد لتناقضات السياسات النقدية والمالية الهيكلية. أسبابها الجوهرية: العقوبات، انهيار الليرة، والتضخم. الحل يستلزم إصلاحاً جذرياً، استقرار سعر الصرف، وسيولة أجنبية، وليس مجرد رفع القيود التي تعمق الأزمة وتقوض الثقة.
الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي رأى في حديثه لـ”الوطن” أن ربط حاكم مصرف سوريا المركزي لأزمة المصارف في لبنان بالقيود على السحوبات في سوريا، يبسط الواقع بشكل مفرط. فأزمة القطاع المصرفي اللبناني في 2019 كانت بالفعل مؤثرة ، لكنها ليست السبب الجذري. معتبراً أن القيود على السحب في سوريا تعود إلى عوامل داخلية أعمق هي العقوبات الدولية التي حدّت من قدرة النظام المصرفي على الوصول إلى العملات الأجنبية، وانهيار الليرة السورية نتيجة فقدان الثقة بالعملة الوطنية، والتضخم المفرط الذي تجاوز 130% في بعض السنوات، وانكماش الاقتصاد وتراجع الإنتاج المحلي، ما أدى إلى نقص السيولة الحقيقية.
وأضاف: أزمة لبنان كانت بمنزلة “القشة التي قصمت ظهر البعير”، لكنها لم تكن البعير نفسه. فهي سرّعت الانهيار، لكنها لم تخلقه.
واستعرض أستاذ الاقتصاد الشروط الاقتصادية لإنهاء القيود على السحب، مؤكداً أن الحوار وحده لا يكفي. فهناك شروط هيكلية ضرورية، كضخ سيولة أجنبية عبر استثمارات أو تحويلات المغتربين، وإصلاح مالي جذري يشمل ترشيد الإنفاق العام وزيادة الإيرادات الضريبية، رفع جزئي للعقوبات أو إيجاد قنوات مالية بديلة، إضافة لاستقرار سعر الصرف عبر أدوات نقدية فعالة، مع ضرورة استعادة الثقة بالمصارف من خلال ضمانات قانونية وشفافية في العمليات.
وشدد قوشجي أنه من دون هذه الشروط، فإن أي رفع للقيود سيكون مؤقتاً أو محفوفاً بالمخاطر.
وحول مخاطر رفع القيود فجأة يرى قوشجي أن رفع القيود دون استعدادات كافية قد يؤدي إلى هروب رؤوس الأموال نحو الخارج أو إلى السوق السوداء، وانهيار إضافي لليرة السورية نتيجة الطلب المفاجئ على العملات الأجنبية، وإفلاس بعض المصارف إذا لم تكن لديها سيولة كافية لتلبية طلبات السحب، ودوامة تضخمية جديدة بسبب زيادة الكتلة النقدية المتداولة دون غطاء إنتاجي.
لذا، يجب أن يكون رفع القيود مدروساً مع تبديل العملة ومصحوباً بإصلاحات هيكلية.
وعن البدائل الاقتصادية للخصم القسري قال، في ظل العجز المالي، هناك بدائل أكثر استدامة وأقل ضرراً للثقة، فبرأيه يحتاج إلى إصلاح ضريبي شامل يوسع القاعدة الضريبية ويقلل التهرب، وخصخصة مدروسة للأصول العامة غير الحيوية، مع ضمانات اجتماعية، وطلب قروض خارجية مشروطة بالإصلاحات، وخاصة من مؤسسات دولية، وتشجيع الاستثمار المحلي والخارجي عبر تحسين بيئة الأعمال، وإعادة هيكلة الدين العام بما يتوافق مع قدرة الدولة على السداد، منوهاً بأن هذه البدائل تتطلب إرادة سياسية ومناخاً قانونياً مستقراً.
وفي ختام الحديث رأى أستاذ الاقتصاد وجود تناقض بين رفض الخصم القسري ووجود قيود على السحب، فمن منظور اقتصادي، هناك تناقض واضح، فالقيود على السحب هي شكل غير مباشر من تجميد الأموال، ما يعني أن المودعين لا يملكون حرية التصرف بأموالهم، هذا يشبه عملياً “الخصم القسري”، وإن لم يكن رسمياً، لأنه يمنع الوصول إلى السيولة ويضعف الثقة بالمصارف. والحل هو الاعتراف بهذا التناقض والعمل على تحويل القيود إلى إجراءات مؤقتة ومعلنة، مع خريطة طريق واضحة لرفعها تدريجياً. ففي ظل هذه المعطيات، الوفاء الكامل يبدو غير واقعي دون دعم خارجي أو إصلاحات جذرية، أي التزام يجب أن يكون تدريجياً، شفافاً، ومبنياً على أولويات واضحة.
محمد راكان مصطفى