العناوين الرئيسيةسوريةسياسة

انتصار الإرادة.. كيف أسدلت سوريا الستار على حقبة الظلم 

لم يكن الثامن من كانون الأول 2024 يوماً عادياً في تاريخ سوريا، بل محطة فارقة أنهت عقوداً من الاستبداد وفتحت أبواب فجر جديد صنعه الشعب بإرادته، كان ثمرة مسار طويل من الوعي الشعبي والكفاح المستمر، وإصرار السوريين على استعادة وطنهم حراً سيداً، ينتمي لأبنائه لا لجلاديه.

ومع حلول الذكرى الأولى للتحرير، تبرز ملامح سوريا جديدة تستعيد حضورها، وتعيد بناء مؤسساتها، وتنفتح على العالم بثقة ومسؤولية، نجاحاتها تتوزع بين الإصلاح الداخلي والانفتاح الخارجي، فيما بقيت روح ذلك الانتصار رافعةً للناس، تذكرهم بأن ما تحقق لم يكن منحة، بل ثمرة صبر طويل وإيمان عميق بأن الحق لا يضيع إذا كان وراءه أصحاب لا يساومون عليه.

الوصول إلى لحظة التحول

لسنوات طويلة، عاشت البلاد في دائرة مغلقة تحكمها منظومة أمنية مترهلة، لا تقبل التغيير ولا تسمح بترميم الأخطاء، ومع كل أزمة اقتصادية أو اجتماعية، كان النظام البائد يزيد قبضته بدلاً من الإصلاح، فيما عزز عزلة سياسية خانقة جعلت الدولة أشبه بجزر معزولة تحكمها الولاءات لا الكفاءات.

هذا الاختناق المتراكم أنذر بانفجار مؤجل، ومع مرور الوقت ارتفعت الأصوات المطالبة بالتغيير، فيما شهد الشارع تحولات اجتماعية وثقافية عكست حاجة عميقة لقيادة جديدة خرجت من الناس وتشبههم. ومع اتساع فجوة الثقة، لم يعد القمع قادراً على تغطية التشققات داخل بنية النظام، وصولاً إلى لحظة التحول الكبرى.

ردع العدوان.. حكاية صمود السوريين

لم تكن معركة “ردع العدوان” حدثاً منفصلاً، بل عملية ممتدة بدأت منذ اللحظة التي قرر فيها الشعب ألا يسمح للاستبداد بالتمدد أكثر، تشكلت إرادة وطنية جامعة، رعتها قوى المجتمع المدني وشخصيات وطنية، وضباط رفضوا توظيف الجيش ضد أبناء وطنهم.

تحول الضغط الشعبي إلى كتلة متماسكة دعمتها موجة واسعة من الانضمامات من المدن والبلدات والأرياف. ولم يكن الرد عسكرياً فقط، بل سياسي وإعلامي وثقافي، مواجهةً لسنوات الصمت ومحاولات طمس الحقيقة وحملات التضليل التي حاول النظام البائد تسويقها للعالم.

الأسابيع الأخيرة.. حين هُزمت قلاع الخوف

مع بداية الخريف الماضي، اتضحت النهاية. المدن التي كانت تُحاصر بالعتمة عادت تفتح نوافذها للضوء، ومعها عاد الأمل، حيث تقدمت القوى الثورية على الأرض بمواكبة حذرة لكنها مبنية على يقين السوريين بأن معركتهم ليست انتقاماً بل تحرر.

سقطت المربعات الأمنية تباعاً، وبدأت المؤسسات تُفتح بأيدي موظفيها من جديد، وفي السابع من كانون الأول كان النظام عاجزاً عن الاحتفاظ حتى بمقاره الرمزية، قبل أن يُعلن سقوطه الكامل في اليوم التالي، معلناً نهاية حقبة وبداية دولة جديدة.

يوم ميلاد سوريا الجديدة

فجر الثامن من كانون الأول خرج آلاف السوريين إلى الشوارع بشعور لم يعرفوه منذ عقود: شعور بأن الوطن عاد لهم، رفرف العلم الوطني فوق المؤسسات المغلقة طويلاً، وبدأت مرحلة الانتقال السياسي بقيادة وطنية جامعة وضعت مشروع الدولة المدنية أولاً، وعملت على تضميد جراح الناس قبل أي شيء آخر.

ورغم التحديات الهائلة، كتب السوريون أكثر الفصول نقاءً في تاريخهم الحديث: انتصار الإرادة على الخوف، والوعي على القمع، والشعب على الطغيان.

انهيار النظام البائد

لم يكن سقوط النظام نتيجة حدث مفاجئ، بل سلسلة انهيارات داخلية بدأت بفقدان السيطرة على مفاصل الحكم، مروراً بتراجع الدعم الشعبي، وصولاً إلى غياب الرؤية وافتقاد أي مشروع وطني جامع.

أظهرت الأسابيع الأخيرة حجم الخلل البنيوي الذي أصاب مؤسسات النظام، حيث انهارت المربعات الأمنية بسرعة، فيما استعادت المؤسسات المدنية نشاطها بمجرد خروجها من دائرة الخوف، كما سارع انكشاف الفساد الداخلي وصراعات النفوذ في انهيار أسس النظام، ومع ازدياد الضغط الشعبي، فقد القدرة على الحكم وأصبحت البلاد بحاجة لقيادة جديدة تنتمي للمستقبل لا للماضي.

دلالات الانتصار ومشروع الدولة الجديدة

انتصار السوريين حمل دلالات أعمق من إسقاط نظام، إذ كشف أن المجتمع، رغم ما مر به، لا يزال يمتلك القدرة على التماسك حين تُمس كرامته، إذ أدركت الدولة الجديدة منذ اللحظات الأولى أنها أمام اختبار تاريخي لتحويل التحرر إلى مشروع وطني شامل، عبر إعادة بناء مؤسسات العدالة وضمان المساءلة ووضع دستور عادل وتثبيت الفصل بين السلطات، وبهذا تتحول التجربة السورية إلى نموذج لنهضة تُبنى على الإرادة الشعبية لا على إرث القوة.

من إسقاط النظام إلى البناء

لم يعد السوريون منشغلين بإسقاط شيء، بل ببناء كل شيء، بدأت إعادة الإعمار المؤسساتي، ونضجت المصالحة المجتمعية، واستعاد الإعلام الوطني دوره كمرآة للمجتمع، وأكدت الحكومة الجديدة أن أولويتها هي الأمن الاجتماعي وترميم الاقتصاد وضمان ألا تعود سوريا يوماً إلى مرحلة تُحكم فيها بالقبضة الحديدية.

وحققت القيادة الجديدة إنجازات سريعة، مستفيدة من التصاقها بالناس والزخم الشعبي الواسع، داخلياً، أعادت فتح مؤسسات الدولة أمام المواطنين، وأعادت تشغيل المرافق الأساسية، وأطلقت خططاً عاجلة لإعادة الاستقرار إلى الكهرباء والمياه، مع برنامج اقتصادي لمحاربة الاحتكار وضبط الأسعار ودعم الإنتاج المحلي، كما شرعت في بناء منظومة قضائية شفافة، وفتحت أبواب المصالحة المجتمعية في المناطق التي عانت توتراً، ما أسهم في خفض الاحتقان وإعادة الحياة الطبيعية.

خارجياً، حققت دمشق حضوراً سياسياً غير مسبوق منذ عقود، إذ أعادت فتح قنوات الاتصال مع عدد من العواصم العربية، واستعادت مقعدها في المنظمات العربية والإقليمية والدولية، بما فيها الأمم المتحدة ومجلس الأمن، كما بدأت بعقد تفاهمات اقتصادية مع دول صديقة لدعم مشاريع إعادة الإعمار، ونجحت في تحسين صورتها الدولية ورفع العقوبات عبر خطاب دبلوماسي قائم على الشفافية واحترام القانون الدولي.

قراءة في المستقبل القريب

تشير المؤشرات المبكرة إلى قدرة سوريا الجديدة على اجتذاب دعم دولي واسع لإعادة الإعمار، مستفيدة من وحدة الموقف الداخلي وصورة دولة تتعافى بهدوء ولكن بثبات، ومع قيادة سياسية منحازة بالكامل لحقوق الناس، يُتوقع أن يتحول مسار الثورة إلى مشروع دولة راسخ لا إلى موجة احتجاجات عابرة.

وبعد عام من التحرير، أثبت السوريون أن قوتهم في وحدتهم، وأن الشعوب التي تقرر مصيرها بنفسها لا يمكن أن تُهزم.

الوطن

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock