بين معارضة السياسات ومعاداة الدولة… الفرق الذي يجب أن نفهمه

في ظل تصاعد بعض الأصوات والممارسات في محافظة السويداء، والتي وصلت حدَّ منع مؤسسات الدولة السورية من أداء مهامها على أراضي المحافظة، ومع ظهور توجهات تستقوي بالخارج أو تراهن على التدخلات الخارجية كبديل عن الحلول الوطنية، تبرز الحاجة الملحّة لإعادة التذكير بالثوابت التي لا ينبغي تجاوزها، مهما اشتدت الخلافات السياسية أو تنوّعت وجهات النظر.
من المهم التمييز هنا بين الاعتراض على السياسات والخصومة مع الدولة، فالنقد، بل حتى المعارضة، هما من صميم العمل السياسي، ولا سيما في مرحلة انتقالية دقيقة كالتي تمر بها سوريا اليوم، مرحلة تتطلب مراجعات وإصلاحات واستيعاباً لتطلعات الشارع. ومن الطبيعي أن تُثار الأسئلة حول تشكيل الحكومة الجديدة، وأدائها، وتركيبتها، وحتى برنامجها. لكن الطبيعي أيضاً أن يكون هذا النقد ضمن الإطار الوطني، لا خارجه.
القلق المشروع من الأداء الحكومي لا يجب أن يتحول إلى رفض لوجود الدولة نفسها، أو إلى نزعات انفصالية تتكئ على الخارج، أو تستقوي بخطابات ما فوق وطنية، فالتجربة السورية، وما عانته البلاد طوال السنوات الماضية، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن التفريط بالدولة، ولو تحت رايات المطالب أو الإصلاح، هو بداية لانهيار البنية الوطنية، وليس لتصحيحها.
إن سيادة الدولة لا تتجزأ، وإذا فُتح الباب أمام المناطق لتقرير شكل العلاقة مع الدولة وفق المزاج أو الضغط الخارجي، فإننا أمام خطر التفكك السياسي والاجتماعي، لا مجرد خلاف محلي، من هنا، يصبح التذكير بأن وحدة سوريا وسلامة أراضيها خطوط حمراء، وليست شعاراً سياسياً فقط، بل ضرورة وجودية لا يمكن القفز فوقها، مهما تعددت وجهات النظر.
ففي جميع دول العالم، تختلف الأحزاب، وتتنافس البرامج، ويُنتقد الأداء الحكومي، لكن المرجعية تبقى الدولة، والضامن يبقى وحدة الأرض والمؤسسات، فمن دون ذلك، تغيب القواعد وتُفتح أبواب التدخلات والمغامرات، ويغدو الإصلاح نفسه بلا معنى، لأنه ببساطة بلا وطن.
سوريا اليوم أمام مفترق جديد، حكومة جديدة تتشكل في ظل تحديات متراكمة، وإقليم يغلي، وداخل يطالب بالتغيير، وفي هذا المشهد، فإن مسؤولية الجميع – معارضة وموالاة، مجتمعاً مدنياً وأحزاباً – أن يعبروا هذه المرحلة لا بالتصعيد، بل بالتقاطع على الثوابت، وحدة الدولة، سيادتها، وسلامة مؤسساتها.
الوطن