توقيت حساس وتصويت لافت .. قراءة في دلالات الدعم الدولي المتزايد لسوريا

دلالات سياسية لافتة حملها التصويت الواسع الذي شهدته الجمعية العامة للأمم المتحدة، وجددت من خلاله مطالبة إسرائيل بالانسحاب من الجولان السوري المحتل، ولاسيما مع ارتفاع عدد الدول المؤيدة من 97 دولة العام الماضي إلى 123 دولة هذا العام، وهو ما ينظر إليه على أنه تحول مهم في مسار المواقف الدولية إزاء عدالة حق سوريا باستعادة أرضها المحتلة.
رسائل سياسية مباشرة
مصادر سياسية اعتبرت أن ازدياد عدد الدول المصوتة يعكس، في الوقت ذاته، تبدلاً في النظرة العالمية إلى موقع سوريا ودورها في الإقليم، وهذا التحول لا يمكن فصله عن السياق السياسي العام ولا عن الدبلوماسية النشطة التي انتهجتها الإدارة الجديدة، إضافة إلى تصاعد الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية مؤخراً في جنوب سوريا، ما يمنح القرار الأممي طابعاً يتجاوز البعد القانوني نحو رسائل سياسية مباشرة.
يأتي هذا التصويت الموسع، وفق ما أفادت المصادر لـ “الوطن”، ليؤكد أن مسألة الجولان باتت قضية تحظى باهتمام دولي متجدد وواسع يستند إلى مبادئ واضحة في القانون الدولي، أبرزها عدم جواز احتلال أراضي الغير بالقوة، وضرورة الانسحاب إلى خط الرابع من حزيران لعام 1967، وفق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
وما يلفت الانتباه أن أكثر من ستٍ وعشرين دولة غيّرت موقفها هذا العام من الامتناع إلى التأييد، وهو ما يحمل مؤشرات على تبدّل المزاج السياسي في عدد من العواصم تجاه الملف السوري، سواء لاعتبارات تتعلق بميزان القوى الإقليمي أم لرغبة بعض الحكومات في تصحيح مواقف سابقة اتسمت بالحذر أو الغموض، ولا سيما مع سياسة الانفتاح التي انتهجتها القيادة الجديدة بعد اسقاط نظام بشار الأسد.
توقيت حاسم
وتبرز أهمية هذا القرار، أيضا، في توقيته، إذ يأتي في مرحلة تشهد فيها الأراضي السورية تصعيداً إسرائيلياً متكرراً، شمل غارات جوية وعمليات اغتيال وتوغلات واستهداف مواقع عسكرية، إضافة إلى ممارسات استيطانية متزايدة في الجولان المحتل، فهذا السلوك الإسرائيلي، الذي يُنظر إليه دولياً على أنه خروج إضافي على قواعد القانون الدولي، دفع عدداً من الدول إلى إعادة النظر في مواقفها، بعدما باتت الاعتداءات تشكل عامل ضغط أخلاقي وقانوني يدفع باتجاه تأييد القرارات المتعلقة بإنهاء الاحتلال.
في هذا السياق، رأت المصادر أن قرار الأمم المتحدة رسالة سياسية مضاعفة، فهو من جهة يضع حداً لمحاولات إسرائيل فرض أمر واقع جديد في الجولان المحتل عبر الاستيطان أو الاعتداءات، ومن جهة أخرى يمنح سوريا غطاءً دبلوماسياً واسعاً في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية، ويعيد تأكيد أن المجتمع الدولي لا يعترف بأي إجراءات أحادية تتعلق بتغيير هوية الأرض المحتلة أو وضعها القانوني، كما أن التصويت يعيد تسليط الضوء على أن استمرار الاحتلال يشكل أحد أبرز العراقيل أمام تحقيق سلام عادل وشامل في المنطقة.
عودة إلى الساحة الدولية
على مستوى الدبلوماسية السورية، يشكّل هذا التصويت مؤشراً مهماً على عودة دمشق “التدريجية”، وفق مراقبين، إلى الساحة الدولية، فبعد سنوات الحرب التي شنها النظام البائد على الشعب السوري، وتراجع الحضور السياسي، ترى سوريا في هذا الدعم الدولي المتزايد تأكيداً على نجاح مقاربتها الدبلوماسية في المرحلة الأخيرة، واستعادة جزء من مكانتها التقليدية في الملفات العربية، خصوصاً تلك المتعلقة بالقضايا القومية، ويرى المراقبون أن زيادة عدد الدول المؤيدة تعكس تفهماً متزايداً للفصل بين المسائل السياسية الداخلية السورية وبين حق سوريا السيادي غير القابل للتفاوض في أرضها المحتلة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الدور المصري في تقديم مشروع القرار يبرز بوضوح استمرار الدعم العربي لحق سوريا في الجولان، في وقت بدأت فيه العديد من الدول العربية بإعادة مقاربتها للعلاقة مع دمشق على أسس جديدة، وهو ما يعزز، حسب المراقبين، من ثقل الموقف العربي في المؤسسات الدولية، أما تغيّر مواقف بعض الدول الأوروبية والغربية، فيعكس إدراكاً متنامياً بأن السياسات الإسرائيلية الأخيرة باتت تسبب حرجاً لهذه الدول أمام الرأي العام وأمام الالتزامات القانونية التي يفترض أن تلتزم بها.
في المحصلة، فإن التصويت الأممي الواسع يعكس لحظة سياسية “فارقة” تؤكد أن العالم، رغم انقساماته، لا يزال متمسكاً بالمبادئ الأساسية للقانون الدولي، وأن مساعي فرض الأمر الواقع بالقوة تبقى محكومة بالفشل، كما يشير إلى أن سوريا، رغم التحديات، تستعيد “تدريجياً” حضورها في الساحة الدولية، مدعومة بقرار أممي واضح يعيد تأكيد أن الجولان أرض عربية سورية محتلة لا شرعية لضمها، وأن استمرار الاحتلال يشكل خطراً على الاستقرار الإقليمي وفرصة ضائعة للسلام.
الوطن