جلسة حوارية في المتحف الوطني عن الفن والثقافة والشأن العام

برعاية وزارة الثقافة احتضن المتحف الوطني في دمشق جلسة حوارية بعنوان ((الفن والثقافة شأن عام)) قدمها الباحث في تاريخ الفن والعمارة عبد الرزاق معاذ ومديرة منصة ذاكرة إبداعية للثورة السورية سنا يازجي.
مع تحول الإبداع إلى آلة للتوثيق وتجسيد المعاناة، وتفاعل الفن مع السياق السياسي والاجتماعي ومعارضته ومواجهته وإعادة صياغته من جديد تقام الجلسة لتفتح حواراً حول دور الثقافة والفن كشكل عام وقدرتها على تحريك الوجدان، وكيف يمكننا حماية هذا الدور من التهميش، وكيف نستطيع توسيع الفضاءات التي تتيح للفن أن يقوم بوظيفته الأخلاقية والسياسية والوجدانية.
وأكدت يازجي في الحوار أن الغاية من هذا اللقاء هي إعادة الاعتبار للفن والثقافة والعاملين في هذا الميدان من الجنسين قبل سقوط نظام الطاغية وبعده، وأن ذاكرة إبداعية للثورة السورية تخطط للرجوع بالذاكرة السورية إلى ما قبل انطلاق الثورة لكي نوضح لماذا آلت الأمور إلى ما حصل عام ٢٠١١، ولنسلط الضوء أيضاً على دور الثقافة والفن في المجتمع ما قبل ٢٠١١.
وقالت سنا يازجي: عشنا في بيئات تُصادر فيها حرية التعبير ويعيش الإنسان خلف الجدران ليصبح الفن الصوت القادر على البوح، بحيث يقدم الأسئلة بقوة ولا يقدم إجابات جاهزة بأسلوب يتجاوز الحروف من خلال نقل النقاشات من ساحات السياسة المغلقة إلى ساحات الوجدان العام.
كما نوهت إلى أننا كنا ممنوعين عن أي شيء، وعدنا اليوم لنقول كلمتنا ونفتح الأفق، ونسعى إلى تذليل العقبات أمام المخيلة مجدداً لتعبر عن نفسها وعن مجتمعها، لأن هذا يهدد المستبد ويرعبه، والدليل أنه منع ذلك الإبداع واستهدفه بشكل مباشر لكي لا يصل تأثيره إلى عامة الناس.
واستنكرت يازجي ما قام به النظام البائد حين أفرغ عقول الناس من أي اهتمام ثقافي أو فني، وركز اهتماماتهم نحو تأمين لقمة العيش والأمن الشخصي.
على الجانب الآخر أشار معاذ إلى أن ما تلعبه المبادرات الثقافية والفنية والتي نعيش في رحاب واحدة من أهمها وأبرزها وهي معرض «معتقلون ومغيبون› يعد كسراً لاحتكار السردية وفتح المجال لسرديات بديلة أكثر صدقاً وقرباً من الناس، علاوة على أنه يشارك في إعادة تشكيل الذاكرة الجمعية ويعيد للضحايا أسماءهم ووجوههم.
وأضاف: إن المعرض الذي يتزامن مع جلستنا يعد تاريخياً ولا يتكرر كثيراً ويجمع معرضاً وكتاباً، ويعد إنجازاً مهماً، وإذا أردنا أن نبحث عن كلمات مفتاحية تعرف بهذا المعرض فسنجد أنفسنا أمام عدد كبير منها، مبيناً أن الجهد المبذول في هذه المنصة جبار من خلال تجميع هذا العدد من الأعمال التوثيقية لفترة معينة يخشى أن تمحى أو تُنسى آثارها.
وركز معاذ على أنه علينا فرض هذا التراث المعاصر على الدولة والمنظمات والمؤسسات المسؤولة، لأنه ليس ترفاً، بل يجب أن يدخل في تراثنا ومناهجنا المدرسية، ويصبح شأناً عاماً، وقد بدأت بعض المدارس بتنظيم زيارات متعددة لطلابها إلى معرض «معتقلون ومغيبون».
من جهته المخرج السينمائي أسامة محمد في مداخلة على هامش الجلسة شدد على أنه لا يمكننا أن نحكم على فنِ بأنه نخبوي أو غير ذلك إذا كانت مدينة كدمشق يبلغ عدد سكانها ٦ ملايين نسمة، بالمقابل لا يوجد أكثر من ٣ صالات سينما، ثم لا يمكننا أن نحكم على فيلم أنه نخبوي إذا كان الإنتاج السنوي كلياً لا يتعدى فيلماً أو فيلمين بأحسن الحالات، على حين إذا كان الإنتاج يبلغ خمسين فيلماً، فعندها يمكننا أن نصنف النخبوي من غير النخبوي.
وذكر أن اللغة الفنية العامة ليست ترفاً، بل يمكنها أن تقول الكثير من الأشياء التي لا يمكن أن تقولها ما هي أدنى منها مستوى، ولكن الإشكال يكمن في الاستخفاف بالبشر ، فالأمّي ليس من لا يفهم الفن، لأنه ليس خريجاً جامعياً، والسينما والفن لغة مليئة بالأحاسيس والإشارات، والأمر ذاته بالنسبة للطفل، ومن المهم أن نتيح للأطفال رؤية وزيارة المعرض، هذا بعين أخرى ترتبط بالجمال. وتابع؛ إنه بذلك يتكون لدينا الكثير من التساؤلات حول ذلك، فماذا يعني فيلم أو عمل فني نخبوي؟ وكيف يمكن أن نحكم عليه؟ ومن الذي دمّر السينما في سوريا؟ ولماذا استُبعد محبو الفن من الواجهة؟ أو لماذا غُيّبوا أو اعتقلوا وهمّشوا؟
عبد الرزاق معاذ : أستاذ وباحث في تاريخ الفن والعمارة ودرّس لعدة عقود داخل سوريا وخارجها، وشغل منصب المدير العام للآثار والمتاحف، وكان معاوناً لوزير الثقافة من عام ٢٠٠٠ إلى ٢٠٠٧.
سنا يازجي: مؤسسة ومديرة منصة ذاكرة إبداعية للثورة السورية، وأطلقت الأجندة الثقافية الشهرية ((يوميات ثقافية)) لرصد المشهد الفني في سوريا.
الوطن -مصعب أيوب