دمشق هي العنوان الوحيد لأي مسعى إنساني في البلاد

لم تنطل محاولة البعض في الداخل والمدعوم من الكيان الإسرائيلي، تغليف الحالة السياسي بالإنسانية، للوصول إلى أهداف انفصالية، وترسيخ واقع يبنى عليه مستقبلاً لما هو أبعد من حالة إغاثية وإنسانية، وعليه جاء إعلان المصدر الحكومي اليوم أنه لن يكون هناك ممر إنساني عبر الحدود، وأن تقديم المساعدات الإنسانية يتم حصراً بالتنسيق المباشر مع مؤسسات الدولة في العاصمة دمشق.
هذا الموقف يأتي في سياق تأكيد دمشق على سيادة واستقلالية القرار الإنساني والإداري ضمن أراضيها، ورفض أي مسارات موازية قد تكرس وقائع جديدة على الأرض، سواء من ناحية النفوذ أم التقسيم، كما يضع حداً لمحاولات استغلال الوضع الإنساني لتحقيق أجندات سياسية، إضافة إلى ترسيخ مبدأ “السيادة الإنسانية”، أي أن الاستجابة الإنسانية لا يمكن أن تُنفذ بمعزل عن الدولة صاحبة الأرض، وأن التنسيق المباشر مع الحكومة هو السبيل الوحيد لضمان نزاهة العمليات الإغاثية، بعيداً عن التسييس والانحيازات.
واللافت أن هذا الموقف الرسمي تزامن مع لقاء دبلوماسي استثنائي، تمثل بلقاء وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني، بوفد إسرائيلي في العاصمة الفرنسية باريس، برعاية أمريكية، ورغم أن اللقاء تناول ملفات خفض التصعيد والاستقرار في الجنوب السوري، وتفعيل اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974، فإن السياق الإقليمي والدولي الذي يحيط به يكشف عن أبعاد تتجاوز ما بين السطور، بما يشير إلى أن سوريا تنخرط بشكل مدروس في مسارات دبلوماسية جديدة تهدف إلى ضمان الاستقرار على أراضيها ولاسيما من جهة حدودها الجنوبية.
ويرى مراقبون أن الحكومة السورية التي أبدت مرونة سياسية تجاه الانفتاحات الإقليمية والدولية، اختارت التشدد تجاه الملف الإنساني العابر للحدود، لتؤكد مجدداً أن دمشق هي العنوان الوحيد لأي مسعى إنساني في البلاد، وأن الأمن الإنساني لا يمكن فصله عن الأمن السيادي، كون المساعدات العابرة للحدود من دون تنسيق مع الحكومة، تحمل في طياتها مخاطر سياسية تتمثل بتهديد وحدة الأراضي السورية وتشجيع الفوضى على حساب مؤسسات الدولة.
ويبدو أن الرسالة الأوضح من هذه التطورات يجب قراءتها كجزء من ديناميكيات جديدة تحاول دمشق من خلالها تقليص الهامش الخارجي في الشأن الداخلي السوري، إضافة إلى ترسيخ معادلة جديدة عنوانها “الدولة السورية موجودة، وشريكة في الأمن الإقليمي وقادرة على إدارة ملفاتها الإنسانية والسيادية”، وبالتالي، فإن أي تصور لحل سياسي أو مسار إنساني لا يمر عبر دمشق، لا مكان له في المرحلة المقبلة.
الوطن