سوريا تعيد رسم سياساتها .. توازنات جديدة بين واشنطن وموسكو وبكين

تشهد الدبلوماسية السورية في الآونة الأخيرة سلسلة تحركات لافتة تعكس توجهاً واضحاً نحو إعادة التموضع على الساحة الدولية، في محاولة للخروج من سياسة المحاور التي هيمنت نهج النظام البائد خلال سنوات الثورة، وفي هذا السياق، تأتي زيارة وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني إلى الصين كخطوة جديدة في مسار يهدف إلى بناء شبكة علاقات أكثر توازناً، تستفيد منها دمشق سياسياً واقتصادياً وأمنياً.
تنويع الشركاء
قبل زيارة الشيباني إلى بكين، قام الرئيس أحمد الشرع بجولتين مهمّتين حملتا رسائل متعددة الاتجاهات، إحدى الزيارتين كانت إلى واشنطن، حيث التقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في خطوة بدت مؤشراً إلى رغبة دمشق في إعادة التواصل مع الإدارة الأميركية رغم سنوات القطيعة، التي أوجدتها سياسات نظام الأسد المخلوع، أما الزيارة الثانية فكانت إلى موسكو، حيث أجرى الشرع م
باحثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول مستقبل الوجود الروسي في سوريا والعلاقات الثنائية بين البلدين.
إن هذا التنوّع في وجهات الزيارات لا يبدو عابراً، بل يشير إلى محاولة سوريا لخلق توازن دقيق في علاقاتها مع القوى الكبرى، من خلال فتح قنوات متوازية مع الولايات المتحدة وروسيا، بما يتيح لها الحفاظ على هامش مناورة أوسع بعيداً عن الاصطفاف الحاد مع أي محور واحد.
الصين شريك مُحتمل بإعادة الإعمار
زيارة وزير الخارجية والمغتربين إلى الصين جاءت لتعزّز هذا الاتجاه عبر الانفتاح على قوة دولية ثالثة ذات ثقل اقتصادي عالمي.
فقد أصدرت الخارجية الصينية بياناً خلال الزيارة أكدت فيه استعداد بكين للمساهمة في أمن واستقرار سوريا، واحترامها لخيارات الشعب السوري، إلى جانب جهوزيتها لبحث المشاركة في إعادة بناء الاقتصاد السوري.
هذه الرسائل تفتح الباب أمام احتمال تحوّل الصين إلى لاعب محوري في مرحلة إعادة الإعمار، نظراً لقدرتها المالية وخبرتها في المشروعات الكبرى، وخصوصاً في البنى التحتية والطاقة والصناعات الإنتاجية.
النتائج المُتوقّعة
انطلاقاً من هذه التحرّكات، يبدو أن دمشق تسعى إلى تحقيق عدة أهداف متداخلة، فهي تعمل على كسر أي شكل من أشكال العزلة عبر الانفتاح على عواصم مؤثرة، كما تهدف إلى الحصول على دعم اقتصادي يساعدها على تجاوز أعباء ما بعد الحرب، إضافة إلى السعي لتعديل التوازنات الأمنية والعسكرية عبر حوارات مباشرة مع القوى الكبرى.
وهنا، فإن النتائج المتوقّعة لهذه السياسة قد تشمل تعزيز الاستقرار الداخلي، وفتح مسارات تعاون جديدة مع الصين في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا، إلى جانب إمكانية إعادة صياغة العلاقة مع كل من واشنطن وموسكو بطريقة أكثر توازناً.
وفي حال نجحت دمشق في تحويل هذه الزيارات إلى شراكات ملموسة، فقد تشهد السنوات المُقبلة بداية مرحلة جديدة تتسم بانفراج نسبي، وعودة تدريجية للدور السوري ضمن منظومة العلاقات الإقليمية والدولية.
الوطن