العناوين الرئيسيةمنوعات

“قدودنا … إلى التراث الإنساني” يضاء مسرح الأوبرا بأصوات أجيالٍ من الفنانين السوريين

احتفاءً بإدراجها على القائمة التمثيلية للتراث الإنساني في اليونسكو لعام 2021 و بعد أن أطربت القدود الحلبية أجيالاً متعاقبة في سورية والعالم العربي، وتجاوزت حدودهما، وانطلقت لتعتلي المنصات العالمية، أضيء أمس مسرح الأوبرا بحفل أقامته وزارة الثقافة، والأمانة السورية للتنمية في دار الأسد للثقافة والفنون بعنوان “قدودنا … إلى التراث الإنساني”.

أحيت الأمسية الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية بقيادة المايسترو عدنان فتح الله، وبمشاركة الموسيقيين قدموا من المحافظات السورية جميعها؛ مطربون مخضرمون، ومغنون أكاديميون، ويافعون شباب يتلقون علوم الموسيقا من المعاهد الموسيقية السورية العريقة، حملوا على عاتقهم إحياء تراث بلدهم بأصواتهم ليبقى إرثاً تتناقله الأجيال، فصون التراث المادي واللامادي واجب ومسؤولية الجيل الحالي ليجعل منه تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً، والحفاظ على القدود الحلبية بوصفها عنصراً من عناصر التراث اللامادي الغني والحي الذي يميز الفن السوري ويجعله متفرداً .

وأوضحت وزيرة الثقافة د.لبانة مشوّح في كلمة لها خلال الحفل أنه من حلب انطلقت القدود لتشكل عنصراً جامعاً يكمل نسيج هويتنا الوطنية الغنية، ثم حلقت بأجنحة الإبداع لتنشر شذاها في الأسماع والقلوب قبل أن تأخذ طريقها إلى العالمية، وتابعت: إن قدودنا غدت تراثاً إنسانياً مسجلاً فهي اليوم محصنة هويتها، مدموغة بالدمغة العربية السورية الأصيلة، وأن من نتائج وفضائل تسجيل القدود الحلبية على لائحة التراث الإنساني أن هذا التراث غدا أمانة في أعناقنا، لننقله كالدرة الثمينة إلى الأجيال الآتية،لتحفظه وتصونه، وتحميه من الإندثار والتشوه، فهو يحفّز حامليه على الارتقاء به مع الحفاظ على أصالته.

وشددت الوزيرة على أنه على عاتقنا تقع مسؤولية جسيمة نتشارك جميعاً في حمل أعبائها، فنانين وموسيقيين وأكاديميين وباحثين ونقاد، وأن أول خطوات الصون التنويط، وتعديل مناهج المعاهد الموسيقية التأهيلية والعليا، بحيث تولي حيزاً أكبر لتدريس القدود، وأساليب تلحينها، وأنماط غنائها، كما يستدعي ذلك إقامة المزيد من ورشات العمل والحفلات والمهرجانات، ونشر البحوث والكتب والمقالات حول هذا الفن العريق بما يعزز أصالته، وينقله إلى خارطة الحداثة، كما أن تسجيل هذا التراث في سفر العالمية يُخرج مسألة حمايته وصونه من النطاق الوطني الضيق ليجعل منها مسألة إنسانية.

وختمت وزيرة الثقافة كلامها بالقول: إنه على الرغم من الحصار الظالم الذي يحارب السوريين في لقمة عيشهم، ويصادر مقدراتهم، ويسعى بكل الوسائل إلى إضعاف إرادتهم، وثني قواهم، إلا أن مواطني هذا البلد جميعهم بشيبهم وشبابهم ظلوا مصممين على صون تراثه الغني العريق والإرتقاء به، وأن بوادر الإنفراج بدأت، فها هو العالم يعترف مجدداً بأننا أهل حضارة، وأن جذورنا أعمق من أن تقتلع، وثقافتنا أصيلة ومكوناتها بديعة تستحق أن تحمى وتصان، وأردفت: لقد قطعنا شوطاً مهماً، ولا تزال أمامنا أشواط كثيرة لاتقل أهمية، فإلى مزيد من العمل لإنجاز المشروع الوطني الطموح في حماية وصون التراث المادي واللامادي.

ومن جانبه بين المدير التنفيذي للأمانة السورية للتنمية شادي الإلشي أن هذا الإنجاز تطلّب جهوداً كبيرة، وعملاً مشتركاً بين المجتمع ومؤسساته بشكل علمي وممنهج من بحث وتوثيق وحوارات مع الباحثين وحاملي التراث والممارسين لإعداد الملفات والدراسات والخطط اللازمة بهدف حماية الهوية الثقافية السورية، كما يتطلب بعد تقييمه وتسجيله في اليونيسكو لنستطيع إيصاله إلى العالم بالصورة الأجمل، مؤكداً أن الحرب على سورية هي حرب فكرية على هويتنا الثقافية الغنية والعريقة والمتجذرة في التاريخ وبسبب التغير الجغرافي والديموغرافي للسكان فقد خُلق جيل كامل لا يعرف التراث المادي واللامادي، وهذا ما دفع الأمانة السورية للتنمية بتراكم خبرتها التي امتدت لأكثر من 20 سنة إلى أن تضع نصب عينيها حماية الهوية الثقافية السورية، والالتزام بهذا الإجراء بغية إعادة إحياء المقاصد والمعالم التاريخية من جانب بما معناه إحياء الجانب العمراني، وتأمين واستثمار كافة الفرص الممكنة لتحقيق تنمية إجتماعية واقتصادية مستدامة، ومن جانب آخر صون التراث اللامادي من خلال الاهتمام بعاداتنا وتقاليدنا وممارساتنا وأغانينا وأمثالنا الشعبية كتراث حي.

وعرج الإلشي إلى أن للقدود الحلبية أهميتين أولهما أنها تراث لامادي حي يعبر عن الفن الأصيل، وبصمة سورية حلبية بالشرق، ومرآة تعكس مجتمعاً سورياً راقياً وعريقاً لا يتخلى عن مبادئه وحقوقه وتراثه، والثانية أن القدود انطلقت من حلب تلك المدينة التي بقيت حية على مدى العصور وحافظت على الحياة فيها، كما حافظت على الحضارة والتراث المادي واللامادي، وعلى اعتبار أن القدود الحلبية أحد العناصر العديدة للتراث اللامادي فإن صون هذا التراث وحمايته ليس ترفاً أو رفاهية بل هو واجب على الجيل الحالي وحق للأجيال القادمة، وأمر أساسي وأولوية لأن حفاظنا على ثقافتنا وفهمنا لها يعني فهمنا لحاضرنا ومستقبلنا وعدم حفاظنا عليها يشكل خطراً دائماً على هويتنا الوطنية وتراثنا وانتمائنا الحضاري للأرض.

وبدأت الأمسية بعرض فيلم خاص عن ترشيح عنصر القدود الحلبية في منظمة اليونيسكو لتسجيله على القائمة التمثيلية للتراث الإنساني اللامادي لعام 2021.

واختارت الفرقة خلال الأمسية تقديم أشهر القدود المتداولة والمحفوظة في ذاكرة الشعب السوري بأصوات نخبة من اليافعين وهم عمر الشالط، وزياد أمونة، وحمزة جمرك، وعبد الرحيم الحلبي، وكوكبة من الفنانين، وهم: المغني الشاب محمود الحداد، والمطرب القدير ابن دمشق خالد أبو سمرة، وابن مدينة حلب الفنان القدير صفوان العابد، أما صاحبة الصوت المخملي ليندا بيطار قدمت بصوتها تحية لمطربات سورية اللواتي كان لهن دور في تقديم القدود السورية، أو كتابة الشعر لها عبر فترات تاريخية مختلفة.

حضر الأمسية الطربية عدد من الوزراء، إلى جانب عدد من أعضاء القيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي، واعضاء مجلس الشعب، واعضاء من السلك الدبلوماسي وجمهور غفير ملئ مسرح الأوبرا الكبير واستمتع بالطرب الأصيل.

تصوير : طارق السعدوني

 

تتطلب عرض الشرائح هذه للجافا سكريبت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock