قوانين ترحب بالمستثمرين.. المشاريع التي أُعلن عنها حتى الآن طموحة والعبرة بالتنفيذ

يمثل الاستثمار الأجنبي أحد أشكال الاستثمار المهمة التي تشمل دخول رؤوس الأموال من دولة إلى أخرى لإنشاء أو توسيع مشاريع اقتصادية، ويحمل أهمية كبيرة للاقتصادات، وخاصة النامية، لأنه يساهم في نقل التكنولوجيا وخلق فرص عمل ويحسن البنية التحتية، ويرفع وتيرة النمو الاقتصادي.
لكن ما واقع الاستثمارات الأجنبية لدينا، وما القطاعات الأكثر أولوية لتوجيه هذه الاستثمارات نحوها، وهل ستسجل المرحلة القريبة دخولاً فعلياً لهذا النمط والشكل من الاستثمارات؟ أي هل باتت الطرق معبدة أمام دخول وتنفيذ الاستثمارات الأجنبية؟
الباحث الاقتصادي إيهاب اسمندر في حديثه لـ«الوطن» بين أن الاستثمار الأجنبي المباشر بدأ الدخول فعلياً إلى سوريا، من خلال ما أعلن عنه من اتفاقيات ووعود استثمارية طموحة، وخاصة في قطاعات الطاقة والبنية التحتية، إذ جرى التصريح رسمياً عن جذب استثمارات بلغت قيمتها 28 مليار دولار خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2025. ومنها ما أُعلن عنه من توقيع مذكرات تفاهم، مع السعودية (47 مذكرة بقيمة 6.4 مليار دولار) وقطر. إذاً الاستثمار الأجنبي بدأ يدخل سوريا، ويمكن أن نعزو قرار المستثمرين بدخول السوق السورية إلى عدة عوامل أهمها.
الإصلاحات القانونية والمؤسسية وإعادة هيكلة الإطار القانوني للاستثمار، بما في ذلك قانون الاستثمار الجديد الذي يركز على حماية المستثمرين من الإجراءات التعسفية، وحماية حقوق الملكية الفكرية، وتقديم محفزات كخفض الرسوم الجمركية واعتماد نظام ضريبي مرن.
والاتفاقيات الاستثمارية التي أعلنت عنها الحكومة، إذ يمكن لهذه الاتفاقات أن تشكل مبرراً لمزيد من المستثمرين لدخول السوق السورية.
والدعم الدولي والإقليمي، الذي تحظى به سوريا، وبالتالي، سيشكل هذا الاهتمام والدعم من الشركاء الإقليميين والرسميين، وإشراك سوريا في النشاطات الدولية للاستثمار مثل “مبادرة مستقبل الاستثمار” في الرياض، ليكون ذلك سبباً في زيادة فرص الاستثمار الأجنبي في البلد، كما يشجع ذلك المؤسسات المالية الدولية، مثل البنك الدولي، لتقديم منح لدعم مشاريع إعادة الإعمار.
لكن اسمندر يرى أنه بالرغم من إيجابية بدء دخول الاستثمار الأجنبي إلى سوريا، إلا أن تنفيذ الاستثمارات المعلن عنها بالكامل واستقطاب المزيد من الاستثمارات (إذ تحتاج سوريا عشرات أضعاف ما أعلن عنه حتى الآن)، قد يواجه بعض التحديات
ومنها التحديات الأمنية والسياسية، إذ لا يزال الاستقرار الأمني غير مكتمل في بعض المناطق، ونحتاج هنا لفرض سيطرة الدولة على كامل التراب السوري.
والقيود المالية والمصرفية، إذ لا تزال المصارف المحلية معزولة إلى حد كبير عن النظام المالي العالمي، وحتى في حال رفع العقوبات، قد لا تقبل المصارف العالمية التعامل مع المصارف السورية فوراً إلا بعد تطبيق المصارف السورية لقواعد الامتثال للمعايير المصرفية العالمية.
وضعف الناتج المحلي، فمع التراجع الكبير في الناتج المحلي الإجمالي لسوريا إلى ما يقارب 16 مليار دولار في عام 2024، تصبح القدرة الاستيعابية له محدودة.
وضعف البنية التحتية، فالبنية التحتية مدمرة بشكل كبير، وتحتاج إلى استثمارات ضخمة لإعادة تأهيلها وحالة البيروقراطية، والإجراءات المعقدة لترخيص الأعمال، وعدم وضوح بعض السياسات الاقتصادية إضافة إلى خطر الفجوة بين الإعلان والتنفيذ، ففي حال لم تنفذ كل أو معظم الاستثمارات المعلن عنها، فهذا قد يؤثر في تدفق استثمارات جديدة.
بينما اعتبر اسمندر أن أكثر القطاعات جذباً للاستمارات الخارجية يمكن تحديدها بـ:
قطاع الطاقة والكهرباء، إذ تعمل شركات كونسورتيوم قطري على الاستثمار فيه بنحو 7 مليارات دولار لبناء محطات كهرباء.
وقطاع البنية التحتية والنقل، وضمنه تشييد مطار جديد في دمشق (بنحو 4 مليارات دولار)، ومشروعات مترو الأنفاق (مليارا دولار)، واستثمارات في المواني (اللاذقية وطرطوس).
وقطاع العقارات والإنشاءات، التي أعلنت شركة إيطالية على بناء مشاريع أبراج سكنية وتجارية (مليارا دولار).
وقطاع الصناعة، وإعادة تأهيل المعامل.
وقطاع الزراعة التي تشكل نحو 20 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وقطاع الطاقة المتجددة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والسياحة والصحة.
وفي الخلاصة يكمن القول إن سوريا في وضع يحتاج إلى كثير من الاستثمارات، وبالوقت نفسه هو بلد يتمتع بمقومات طبيعية وبشرية مميزة، ومع جهد الحكومة الواضح للوصول إلى بيئة أعمال محابية للاستثمار وكفيلة بتحقيق الجدوى التي يبحث عنها المستثمرون عادة، فإنه من المبرر أن نثق بمستقبل استثماري واعد في سوريا.
عبد الهادي شباط