كوسا لـ “الوطن”: نظام الاستثمار الجديد في المدن الصناعية رؤية شاملة ومرحلة جديدة لمستقبل سوريا الاقتصادي

أكد الباحث الاقتصادي د. محمد كوسا أن قرار وزير الاقتصاد والصناعة الخاص بإقرار النظام الجديد للاستثمار في المدن الصناعية يعتبر حقاً خطوة إستراتيجية لدعم الاقتصاد الوطني، باعتباره يتضمن تسهيلات للمستثمرين، موضحاً في حديثه لـ “الوطن” أن أهمية القرار ليس مجرد تعديل في القوانين ، بل يجب أن يعكس رؤية شاملة لمستقبل سوريا الاقتصادي ، وأنه إعلان عن دخول مرحلة جديدة تعتمد على الشراكة الحقيقية بين القطاعين العام والخاص، وعلى الاستثمار في القدرات البشرية والتكنولوجية.
وأفاد أن النظام الجديد يعكس التزام الدولة بتحقيق التنمية ومواكبة التحولات الاقتصادية ، لكونه يعتمد مبدأ التشاركية الواضحة ، ويعيد صياغة العلاقة بين الدولة والقطاع الخاص على أسس جديدة. فالدولة تلعب دور المسيطر المباشر على كل تفاصيل العملية الاستثمارية ، بل التوجه اليوم إلى لعب دور المنظم والمحفز الذي يوفر البيئة المناسبة ويضمن الشفافية.
مشيراً إلى أن هذا النظام يعتمد على فهم طبيعة الاقتصادات الحديثة، حيث يكون القطاع الخاص هو المحرك الأساسي للنمو، بينما تركز الدولة على تطوير الأطر التشريعية والمؤسسية التي تدعم هذا النمو ، لافتاً إلى أن السماح للقطاع الخاص بإدارة وتطوير وتشغيل المدن الصناعية ، يمثل ثقة كبيرة في قدرة هذا القطاع على تحمل المسؤولية وتحقيق النتائج المرجوة ، ولا سيما أن هذا القرار يطرح مجموعة شاملة من الميزات التي تجعل الاستثمار في المدن الصناعية السورية يتمتع بنوع من الجاذبية ونوع من الأمان ، كتبسيط الإجراءات الإدارية ، أي تقليل الوقت والجهد المطلوبين لبدء المشاريع، بينما تقدم الإعفاءات والتسهيلات المالية حوافز قوية للمستثمرين.
الأهم من ذلك هو التركيز على تقليل المخاطر القانونية والإدارية التي كانت تشكل عقبة أمام الاستثمار في الماضي، من خلال وضع ضمانات واضحة وآليات حماية للمستثمرين ، أي إنه يخلق بيئة أكثر استقراراً وثقة.
وأفاد بأن البيئة الصناعية المتكاملة التي توفرها المدن الصناعية ، تعني أن المستثمرين لن يحتاجوا إلى البحث عن الخدمات والمرافق المساندة في أماكن متفرقة ، وهذا التكامل يقلل التكاليف ويزيد الكفاءة ، ما يجعل الاستثمار أكثر جدوى اقتصادية.
كما أن هذا القرار يضع أسساً واضحة لحوكمة العملية الاستثمارية، إضافة إلى أن التركيز على الشفافية والحوكمة يعكسان أهمية بناء الثقة مع المستثمرين، سواء كانوا محليين أم أجانب.
والأهم أن آليات الشفافية لا تقتصر على تبسيط الإجراءات، بل تشمل أيضاً وضع معايير واضحة للتقييم والمتابعة. هذا النهج يضمن أن جميع المستثمرين يتم التعامل معهم بنفس المعايير، ما يعزز مبدأ العدالة ويقلل من احتمالات الفساد الإداري .
واشار إلى أن تحديث البنية التشريعية والقانونية والمؤسسية يخلق إطاراً قانونياً حديثاً يواكب المعايير الدولية ، ما يجعل الاستثمار في سوريا أكثر جاذبية للشركات الأجنبية التي تبحث عن بيئة استثمارية مستقرة وشفافة.
وحول تأثيره على سوق العمل والاستثمار في المستقبل ، فإنه يعتبر أحد أهم أهداف النظام الجديد من خلال خلق فرص عمل جديدة ومتنوعة. لكن الأمر لا يتوقف عند الكمية، بل يشمل أيضاً نوعية الوظائف المتاحة ، من خلال تشجيع الصناعات التحويلية والإلكترونية والثقيلة والتجميعية ، كما أن النظام يفتح المجال أمام وظائف تتطلب مهارات متقدمة ويوفرعوائد أفضل.
نقل وتوطين التكنولوجيا والمعرفة الصناعية يعني أن العمال السوريين سيحصلون على فرص للتدريب والتطوير المهني، ما يرفع من كفاءة الموارد البشرية في البلاد. هذا الاستثمار في المهارات البشرية يخلق دورة إيجابية حيث تزداد إنتاجية العمال وتتحسن جودة المنتجات.
تنشيط سلاسل التوريد المحلية يعني أن فوائد الاستثمار في المدن الصناعية لن تقتصر على العمال المباشرين، بل ستمتد لتشمل قطاعات أخرى مثل النقل والخدمات اللوجستية والخدمات المساندة، ما يخلق تأثيراً مضاعفاً على الاقتصاد المحلي.
مقاييس النجاح : رؤية طويلة المدى
وأضاف : إن نجاح النظام الجديد لن يقاس فقط بعدد المشاريع الجديدة أو حجم الاستثمارات ، بل بمدى تحقيق التنمية المستدامة والمتوازنة. هذا يعني أن المعايير ستشمل أيضاً مؤشرات نوعية مثل نوع الصناعات المتطورة ومستوى التكنولوجيا المستخدمة ومدى الاعتماد على الكوادر المحلية.
والأهم أنه يسهم في زيادة القيمة المضافة المحلية ، أي إن سوريا لن تكتفي بكونها مجرد مصدّر للمواد الخام أو منتج للسلع البسيطة، بل ستتحول إلى مركز لإنتاج السلع عالية القيمة التي تتطلب مهارات متقدمة وتكنولوجيا حديثة.
ويرى كوسا أن رفع القدرة التنافسية للصناعات السورية في الأسواق المحلية والخارجية ، يعني أن المنتجات السورية ستصبح قادرة على المنافسة ليس فقط محلياً، بل أيضاً في الأسواق الإقليمية والدولية، ما يفتح آفاقاً جديدة للنمو والتوسع.
التحديات والفرص : واقعية التطبيق
وذكر كوسا أنه رغم الطموحات الكبيرة للنظام الجديد، إلا أن التطبيق الناجح يتطلب مواجهة تحديات حقيقية. البنية التحتية، التي تضررت خلال سنوات الأزمة، تحتاج إلى استثمارات كبيرة لتكون قادرة على دعم المشاريع الصناعية الحديثة.
كما أن نجاح النظام يعتمد على قدرة المؤسسات الحكومية على تطبيق مبادئ الشفافية والكفاءة بشكل فعلي، ليس فقط على الورق ، وهذا يتطلب تدريب الكوادر الحكومية وتطوير أنظمة العمل الداخلية.
من ناحية أخرى، أشار إلى أن الفرص متاحة بقوة. الموقع الجغرافي الإستراتيجي لسوريا يجعلها نقطة وصل مهمة بين الأسواق الأوروبية والآسيوية والخليجية. الموارد البشرية المتعلمة والمهارات المتراكمة تشكل أساساً قوياً للتطوير الصناعي.
هناء غانم