مجلس الأمن في دمشق بعد عام من التحرير

تشهد دمشق حدثاً سياسياً لافتاً مع وصول وفد رفيع من مجلس الأمن الدولي، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ سنوات طويلة.
الزيارة تأتي في لحظة شديدة الرمزية، تتزامن مع إحياء السوريين الذكرى الأولى لـ«عيد التحرير»، وهو عامل يمنح الحدث أبعاداً سياسية ودبلوماسية مهمة لكل من سوريا والأمم المتحدة.
توقيت رمزي
يُعد توقيت الزيارة أحد أبرز عناصر أهميتها، فأن تأتي هذه الخطوة في الذكرى السنوية الأولى لمرحلة يُنظر إليها داخل سوريا على أنها تحول مفصلي نحو الاستقرار، فهذا يشير إلى إدراك دولي متزايد بأن البلاد بدأت فعلاً مرحلة ما بعد الحرب.
فبالنسبة لسوريا، يوحي هذا التزامن بوجود اعتراف متنام بأن الدولة باتت قادرة على قيادة مسار التعافي بإمكاناتها الوطنية، وأن واقع الاستقرار لم يعد فكرة مطروحة للنقاش بل مساراً يتحقق على الأرض.
أما بالنسبة للأمم المتحدة، فإن الحضور في هذا التوقيت يعبّر عن رغبة في إعادة التموضع داخل الملف السوري والانطلاق من منهجية جديدة تراعي التطورات الميدانية والسياسية، مع الاستفادة من لحظة وطنية رمزية تشكّل بوابة مناسبة لاستئناف التعاون مع دمشق.
إجماع دولي
يشكّل الإجماع الكامل بين أعضاء مجلس الأمن على القيام بهذه الزيارة تطوراً لافتاً، ولا سيما أن الملف السوري كان طوال أربعة عشر عاماً من أكثر الملفات المثيرة للانقسام داخل المجلس.
هذا الإجماع يعكس من ناحية إدراكاً دولياً بأن المقاربات السابقة لم تعد مناسبة للواقع السوري الجديد، ومن ناحية أخرى استعداداً لإعادة الانخراط مع الدولة السورية بصورة أكثر توازناً وعملية.
كذلك يشير الإجماع إلى قبول دولي أوسع بجهود الاستقرار الجارية في سوريا، وإلى انتقال في النظرة الدولية من التعامل مع سوريا كملف أزمة إلى التعامل معها كدولة تخطو نحو مرحلة إعادة البناء.
فرص متبادلة
تمثل الزيارة، وفق مصادر إعلامية متابعة في دمشق، فرصة لإظهار ما تحقق خلال عام من التحرير، ولعرض رؤيتها لمرحلة التعافي الوطني على أعلى هيئة دولية معنية بالسلم والأمن، كما أنها مناسبة للتأكيد على السيادة الوطنية وعلى قدرة الدولة على إدارة شؤونها الداخلية.
في المقابل، توفر الزيارة فرصة للأمم المتحدة لإعادة بناء الثقة مع دمشق ومعاينة الواقع مباشرة، بعيداً عن التقارير غير المكتملة أو القراءات المتباينة بين الدول الأعضاء.
واستنادا إلى ذلك، فإنها (الزيارة) ثمثل خطوة تسمح بإعادة تقييم الدور الأممي في سوريا وفق معايير جديدة تركز على دعم الاستقرار وإطلاق مسار أكثر تفاعلاً مع مؤسسات الدولة.
مرحلة جديدة
لا يمكن فصل هذه الزيارة عن رمزيتها السياسية وتوقيتها المتزامن مع الذكرى الأولى لعيد التحرير، ولا عن الإجماع الدولي الذي رافقها، فهي خطوة تتجاوز البروتوكول وتشير إلى مرحلة جديدة في العلاقة بين سوريا والأمم المتحدة، مرحلة أكثر هدوءاً وواقعية، وأكثر قرباً من التفاهم والتواصل المباشر.
إنها، باختصار، زيارة تحمل مؤشرات على تحوّل نوعي في كيفية فهم المجتمع الدولي للواقع السوري، وعلى بداية مسار مختلف يمكن أن يفتح الباب أمام تعاون أوسع في مرحلة ما بعد الصراع.
الوطن