العناوين الرئيسيةسوريةسياسة

من القمع إلى صون الحقوق.. سوريا تبدأ عهداً جديداً

في أول احتفالية تُقام في دمشق بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان بعد عام على تحرير سوريا من نظام الأسد، بدا واضحاً أن الدولة تدخل مرحلة سياسية وأخلاقية جديدة في إعادة بناء علاقتها مع المواطن على أسس مختلفة تماماً عن تلك التي رسّخها الحكم البائد، فالحدث تجاوز طابعه البروتوكولي، ليشكّل إعلاناً عن انتقال واعٍ من حقبة الانتهاكات إلى حقبة تعيد الاعتبار للحرية والكرامة الإنسانية.

ذاكرة مظلمة

استحضار سجل النظام السابق كان حاضراً بقوّة في كلمة وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني، الذي أكد أن “النظام المخلوع ترك سجلاً حافلاً بانتهاكات حقوق الإنسان”. وقد شكّل هذا السجل، لعقود طويلة، أحد أكثر مظاهر القمع رسوخاً في الذاكرة السورية.

فالنظام السابق مارس الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري بشكل ممنهج، وكانت سجون مثل صيدنايا والمزة على رأس قائمة المراكز التي ارتبطت بانتهاكات واسعة وموثقة، كما طالت حملات القمع الصحفيين والطلاب والكتّاب والناشطين، ما أدى إلى خنق الفضاء العام وحرمان المجتمع من أبسط حقوقه في التعبير والتنظيم.

وتعقيباً، رأت مصادر إعلامية متابعة، أن دلالة الاحتفالية لم تكن في تاريخ المناسبة فحسب، بل أيضاً في تزامنها مع الذكرى السنوية الأولى لعيد التحرير، ما منحها بُعداً وطنياً إضافياً، مستشهدة بتأكيد الشيباني أن حقوق الإنسان كانت جزءاً من الالتزام الوطني منذ أيام التحرير الأولى، وأنها اليوم تعود لتتصدّر أولويات الدولة.

هذه التصريحات لا تعد، وفق المصادر، مجرد خطاب سياسي، بل إعلان صريح بالقطيعة مع مرحلة طويلة من القمع، كما تشير إلى أن الحكومة الجديدة تدرك حجم الإرث الذي تواجهه، وتعي أن عملية الإصلاح تتطلب الصراحة لا التنصّل، خصوصاً عندما يقول الوزير: “لا ندّعي المثالية ونتعامل مع التحديات بشفافية”.

إصلاحات انتقالية

وكان لافتا، حسب المصادر، تطرق الشيباني إلى مجموعة من الإصلاحات التي تعكس جدية التوجه الجديد، وأبرزها الإعلان الدستوري الذي نصّ بوضوح على احترام حقوق الإنسان وصون الحريات العامة، ويعدّ هذا النص حجر الأساس الذي يمكن بناء منظومة قانونية جديدة عليه.

في السياق، يأتي حديث الشيباني عن إعادة هيكلة القطاع الأمني بما يضمن منع تكرار التجاوزات التي ظهرت في بدايات المرحلة الانتقالية، وهو ما يمثّل خطوة مهمة لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، وخاصة بالنظر إلى أنه جرى بالفعل تعزيز الحقوق الثقافية لجميع فئات المجتمع، تأكيداً على مبدأ المواطنة المتساوية وإقراراً بالتنوع الوطني الذي حاول النظام السابق طمسه.

انفتاح ومسؤولية

ترى المصادر أن من أبرز ملامح التحوّل الجديد أيضاً إعلان سوريا فتح أبوابها أمام المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، في خطوة تعكس استعداداً للالتزام بالمعايير الدولية والقبول بالمراجعة والمساءلة، هذا الانفتاح يمثل قطيعة فعلية مع الحقبة السابقة التي اتسمت بالإنكار وإغلاق البلاد أمام أي رقابة مستقلة.

في خلاصة المشهد، بدت الاحتفالية الأولى لليوم العالمي لحقوق الإنسان بعد التحرير إعلاناً رسمياً بأن سوريا تبدأ صفحة جديدة، صفحة لا تكتفي بنقد الماضي، بل تحاول رسم مستقبل قائم على سيادة القانون واحترام الإنسان، ورغم التحديات الكثيرة التي لا تزال تواجه المرحلة الانتقالية، يبقى الانفتاح والإصلاح المؤسسي خطوات أساسية تُظهر أن البلاد تتجه نحو مسار مختلف، وتتخذ خطوات إصلاحية ملموسة، كما أنها تتحرك بثبات نحو أنموذج دولة حديثة تستمد مشروعيتها من حماية الإنسان لا قمعه.

الوطن

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock